نتنياهو وترامب و"صفقة القرن": مسرحية بلا أضواء ولا مشاهدين

نتنياهو وترامب و"صفقة القرن": مسرحية بلا أضواء ولا مشاهدين

28 يناير 2020
ترامب ونتنياهو يحاولان الإفلات من المحاسبة (سول لويب/فرانس برس)
+ الخط -
لا بدّ أن خيبة البيت الأبيض مزدوجة، وهي مرشحة للتفاقم اليوم الثلاثاء، في ظل مراهنة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على ورقة "صفقة القرن" التي بدت بائسة. فلا هو نجح في الترويج لها ناهيك بتسويقها، ولا تمكن من توظيفها لتنفيس الضغوط عن محاكمته. اجتمع سوء التقدير مع سوء التوقيت لتقزيم محاولة قد لا يستفيد منها إلا رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو لوحده. فليس سراً في واشنطن أن الرئيس قرر الكشف عن الصفقة بحضور إسرائيلي رسمي، أملاً في تحويل المناسبة إلى حدث باهر يغيّر موضوع الساعة في واشنطن ويساعد في تعويم صديقه نتنياهو انتخابياً. أراد أن يحصل ذلك بصورة احتفالية يكون لها دوي القنبلة، لكنه تفاجأ بقنبلة مستشاره السابق في الأمن القومي، جون بولتون، الأوكرانية التي نسفت على الأرجح حساباته وهددت بتحويل مسار المحاكمة وربما تمديد جلساتها إلى ما بعد خطابه السنوي عن "حالة الاتحاد" يوم الثلاثاء القادم.

المفاجئ الذي ربما كان خارج توقعات البيت الأبيض أن مشروع "صفقة القرن" لاقى الاعتراض من جانب قوى محسوبة في خانة أشد مؤيدي إسرائيل ومفاتيحها، ليس في الكونغرس فحسب بل أيضاً في صفوف القوى اليهودية. فقد صدر عنها أكثر من بيان ضد الصفقة قبل لقاء الرئيس مع كل من نتنياهو ومنافسه في الانتخابات بني غانتس وبعده، مع التوكيد على حل الدولتين، وشارك فيها نواب مثل رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، اليوت انجل، فضلاً عن بعض أعضاء مجلس الشيوخ مثل السناتور بوب ماننديز. وحتى مجيء نتنياهو لهذا الغرض وفي هذا الظرف بالذات كان غير مرحب به ضمناً. فالحديث عنه وخاصة في وسائل الإعلام مقرون دائماَ بالإشارة إلى اتهامات الفساد ضده واحتمالات محاكمته لو رفع الكنيست الحصانة عنه. طبعاً هذا الرفض لم يكن من باب التضامن مع الجانب الفلسطيني، جاء في معظمه من جانب الديمقراطيين بدافع حسابات سياسية انتخابية. فهناك شريحة متزايدة من الجيل الجديد وبخاصة الطلابي الجامعي الموالي للحزب الديمقراطي، تزايدت اعتراضاتها على سياسات الاحتلال والاستيطان في الأراضي المحتلة. لكن في كل حال مهما كانت دوافع هذه المواقف، تأتي تحذيراتها من "التسويات المنفردة" بمثابة تحول بالمقاييس الأميركية وإن كان غير فعال. كذلك صدرت مواقف مماثلة عن نخب يهودية، مثل الدبلوماسي السابق مارتن أنديك الذي يعمل حالياً في مجلس العلاقات الخارجية والذي نبّه من لاجدوى تجاهل الطرف الفلسطيني في أية تسوية. وزاد من عزلة اللقاء خاصة مع غانتس الذي مهّد لإعلان الصفقة غداً، أن الصحف تعاملت معه كحدث هامشي بعيداً عن العناوين الرئيسية، فيما تجاهلته إجمالا وسائل الإعلام المرئية التي تخصص أوقاتها هذه الأيام لنقل جلسات محاكمة الرئيس.

فاقم العزلة أنه عشية الاجتماع تسرّب كلام من كتاب بولتون الذي ما زال تحت الطبع، يفيد بأن الرئيس هو الذي أوعز بوقف المساعدة لأوكرانيا ولغاية أن تبدأ سلطاتها المعنية بالتحقيق في قضية قد تطاول المرشح الرئاسي جو بايدن، الذي يعتبر الخصم الانتخابي الأقوى للرئيس حتى الآن. معلومة من مسؤول سابق بوزن بولتون، عززت مطلب الاستماع إليه في المحاكمة كما إلى شهود آخرين منهم مدير عام البيت الأبيض، ميك مولفاني، وربما وزير الخارجية، مايك بومبيو، وغيره، الأمر الذي يفتح المحاكمة على فصل محفوف بالمخاطر وإن كان عزل الرئيس ما زال احتمالاً مستبعداً جداً. لكن بروز هذا التطور جدد التركيز على المحاكمة التي كان من المتوقع أن تبلغ خواتمها نهاية هذا الأسبوع. تجدد الانشغال بموضوع المحاكمة ساهم في زيادة طمس مسرحية الصفقة في يومها الأول. وعلى الأرجح أن يتكرر ذلك غداً، ما عدا إبراز تفاصيل الخطة التي سيتم كشفها والتي تسرب معظمها المتصل بقضايا الحدود والسيادة والأمن واللاجئين وضم المستوطنات والقدس.

الصفقة تعطي الطرف الفلسطيني "شقفة من الرغيف" على حد تعبير صهر ترامب ومستشاره، جاريد كوشنر. دولة كرتون. فهي من منظور "الأمر الوقع على الأرض" الذي تعتمده الإدارة، ليست غير وصفة تصفية في زمن التفكك الفلسطيني والموت العربي. الرئيس ترامب يقول إن العرب يرون في ذلك "بداية" جيدة من دون أن يصدر رد عربي حازم يتنصل من مثل هذا التوصيف، حتى لا نقول رفض الصفقة.