كيف سيرد المجتمع الدولي على "تجاهله" بإعلان "صفقة القرن"؟

واشنطن "تتجاهل" المجتمع الدولي بإعلان "صفقة القرن": ما هو الرد المتوقع؟

28 يناير 2020
ترامب لم يستشِر الرباعية الدولية حول خطته(دون إيميرت/فرانس برس)
+ الخط -

لا يرغب أي من الدبلوماسيين الغربيين أو العرب، التعليق رسمياً على خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتصفية القضية الفلسطينية "صفقة القرن"، والتي من المرتقب أن يعلن عنها، اليوم الثلاثاء.

ويقول مسؤولون في الأمم المتحدة إنّ التعليق سيأتي بعد الإعلان الرسمي عن الخطة، مشددين على أنّه لم تتم استشارة اللاعبين الرئيسيين على الساحة الدولية حول تفاصيلها، بما في ذلك الأمم المتحدة والدول الأوروبية وروسيا.

وأكد مصدر دبلوماسي رفيع المستوى بالأمم المتحدة، لـ"العربي الجديد"، أنّ مكتب الأمين العام أنطونيو غوتيريس، لن يقوم بالتعليق حتى يتم إعلان الخطة رسمياً، ظهر الثلاثاء، في واشنطن، عند الساعة السابعة مساء بتوقيت القدس المحتلة، كاشفاً أنّ التعليق سيقتصر على إعادة تأكيد موقف غوتيريس، والتزامه بالقرارات الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، والتشديد على التزام المنظمة الدولية بها.

وتوقع المصدر أن يأتي التعليق في بيان يقرأه المتحدث الرسمي باسم الأمين العام ستيفان دوجاريك، خلال المؤتمر الصحافي اليومي الذي يعقد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك.

وقال المصدر إنّ الطرف الأميركي لم يستشر الأمم المتحدة ولم يأخذ بوجهة نظرها، مشيراً إلى أنّ حضور صهر الرئيس الأميركي وأحد عرابي الخطة، جاريد كوشنر، إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك، خلال السنوات الماضية في أكثر من مناسبة، كان في الغالب لوضع مسؤولي المنظمة الدولية في الصورة بأحسن الأحوال، وليس بهدف استشارة الأمين العام أو الأخذ بموقف الأمم المتحدة.

من جهته، صرّح السفير الروسي للأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا، رداً على أسئلة صحافيين حول الخطة، مؤكداً أنّه لم يتم إشراك بلاده باتخاذ القرار حول الخطة. وقال نيبينزيا شارحاً باقتضاب، إنه لم يتم التشاور مع روسيا على الرغم من أنّها جزء من الرباعية الدولية لـ"عملية السلام" في الشرق الأوسط. وأكد أنّه غير مطلع على حيثيات الخطة، وشكك في إمكانية نجاح أي خطة تتجاهل الشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. ولاحقاً غادر قاعة الصحافيين كي لا يجيب على مزيد من الأسئلة.

ومن المتوقع أن يعقد السفير الفلسطيني للأمم المتحدة رياض منصور، مؤتمراً صحافياً، اليوم الثلاثاء، في مقر الأمم المتحدة بنيويورك بعد الإعلان عن الخطة. ولم يدل السفير الفلسطيني بأي تصريحات رسمية في نيويورك لوجوده في رام لله، التي قطع زيارته لها للعودة إلى نيويورك. أما رام الله فقد أعلنت عن عدد من الاجتماعات، لحفظ ماء الوجه، دون توقع خطوات ملموسة.

وتوقّع مصدر دبلوماسي غربي رفيع المستوى في مجلس الأمن، لـ"العربي الجديد"، أن يعقد المجلس اجتماعاً لبحث "صفقة القرن"، خلال الأيام المقبلة. ورجّح أن تطلب تونس، الدولة العربية العضو في مجلس الأمن، ودول أخرى، عقد اجتماع، غير أنّ المصدر استبعد عقده الثلاثاء أو حتى الأربعاء. وقال المصدر إنّه يتوقع أن يتم العمل على مشروع قرار يؤكد الالتزام الدولي بقرارات مجلس الأمن السابقة ووحدة الأراضي الفلسطينية وحل الدولتين، أسوة بما حدث كرد على قرار الولايات المتحدة نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة عام 2017.


وصوّتت، آنذاك، جميع الدول الأعضاء في مجلس الأمن لصالح القرار، باستثناء الولايات المتحدة التي استخدمت حق النقض "الفيتو"، ما منع تبني القرار. لكن الجانب الفلسطيني أخذ مشروع القرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تقدمت به رسمياً تركيا واليمن. وصوتت الجمعية العامة، في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2017، لصالح القرار الذي يرفض الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل لوحدها ونقل السفارة الأميركية إليها. وحصل القرار على تأييد 128 دولة واعتراض تسع وامتناع 35 دولة. ومن المتوقع أن تشهد الأمم المتحدة سيناريوهات مشابهة حول إعلان "صفقة القرن".

لكن تطبيق ما تُعرف في أوساط الفلسطينيين بـ"صفقة الاستسلام"، بدأ فعلياً قبيل الإعلان الأميركي الرسمي المرتقب عن تفاصيل الصفقة من واشنطن، اليوم الثلاثاء، بحضور رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ إذ إن دولة الاحتلال وبدعم أميركي، ووسط صمت دولي وتردد فلسطيني رسمي، خلقت حقائق على الأرض بما يشمل توسيع الاستيطان وإعلان واشنطن أنّه "غير مخالف" للقانون الدولي، فضلاً عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية ومعها سفارة السلطة في واشنطن، ووقف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة "أونروا"، في محاولة لتصفية قضية اللاجئين، وإطلاق التهديدات تجاه محكمة العدل الدولية في لاهاي، بما فيها وقف التمويل بسبب قرار الأخيرة النظر في البتّ في عدد من القضايا التي رفعتها فلسطين والمتعلقة بجرائم الاحتلال.


لكن سياسات الولايات المتحدة التي تضرب الشرعية الدولية وحق الفلسطينيين في تقرير المصير بعرض الحائط، لم تبدأ مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وسنوات حكمه الثلاث؛ فقد كان الرئيس السابق باراك أوباما قد اتخذ عدداً من الخطوات في محاربة الأمم المتحدة ومؤسساتها التي قبلت انضمام فلسطين كعضو. فعلى سبيل المثال، قررت إدارته عام 2011، وقف تمويل منظمة "يونسكو" لقبولها عضوية فلسطين.

كما زاد أوباما حجم المساعدات العسكرية لدولة الاحتلال لتصل إلى 38 مليار دولار خلال عشر سنوات، بدلاً من 30 ملياراً وبدأ العمل بها عام 2018. حتى قرار نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، لم يكن قراراً اتخذه الكونغرس في عهد ترامب، بل اتخذ عام 1995 وسُمح لكل رئيس أميركي بموجبه بتأجيله ستة أشهر، وهو ما قام به الرؤساء الأميركيون حتى عهد ترامب. غير أنّ الموقف الأميركي، حتى عهد ترامب، كان رسمياً يتوقف عند دعم قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة ذات الصلة، والتزام حل الدولتين على حدود الرابع من يونيو/حزيران عام 1967.

أما دولياً، فلا يزال كل من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وجامعة الدول العربية والسلطة الفلسطينية، تؤيد ذلك الحل، وتشدد على أنّه الأفق الذي ستدور حوله الخطوات المتوقعة في نيويورك، وستتلخص بإعادة تأكيد التزام المجتمع الدولي، باستثناء أميركا، بتلك التعهدات من دون أن يقدّم هذا المجتمع حلولاً فعلية على أرض الواقع.