ماذا وراء بناء جدار مصري على حدود غزة؟

ماذا وراء بناء جدار مصري على حدود غزة؟

31 يناير 2020
طول الحدود المصرية مع غزة 14 كيلومتراً(سعيد خطيب/فرانس برس)
+ الخط -

في اللحظة التي كان يترقب العالم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب خطة إملاءاته لتصفية القضية الفلسطينية، التي عكف منذ وصوله إلى البيت الأبيض على العمل عليها، المعروفة إعلامياً باسم "صفقة القرن"، كان الجيش المصري قد بدأ في إنشاء جدار جديد على الحدود الفاصلة بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة، في خطوة مفاجئة لم يعلن عنها الجيش، أو عن أسبابها في هذا التوقيت الحساس. مع العلم أن التجاور الجغرافي بين سيناء وغزة، جعلهما جزءاً من الخطة الأميركية، ما يدفع للتساؤل عن خلفيات قرار بناء الجدار والأهداف التي يسعى النظام المصري لتحقيقها من خلال تحركاته الأخيرة على أرض سيناء.

في التفاصيل الميدانية، كشفت مصادر قبلية مطلعة لـ"العربي الجديد"، بدء الجيش المصري عملية إنشاء جدار جديد على حدود شبه جزيرة سيناء مع قطاع غزة، قائلةً إن القوات الهندسية التابعة للجيش باشرت بعد ظهر يوم الثلاثاء الماضي إنشاء الجدار، بدءاً من منطقة معبر كرم أبو سالم جنوباً، باتجاه معبر رفح البري شمالاً، بطول يُقدّر بكيلومترين كمرحلة أولى. وأضافت أن الجدار الجديد مكوّن من بناء خرساني يجاور الجدار القديم المبني من الصخور بمسافة 10 أمتار داخل الحدود المصرية، لافتة إلى أن القوات الهندسية العاملة ترافقها قوات الجيش بشكل مكثف، فيما حلقت طائرات حربية من دون طيار في سماء منطقة العمل الخالية من السكان بفعل إنشاء المنطقة العازلة خلال السنوات الماضية والتي أدت إلى مسح مدينة رفح بشكل كامل وتهجير جميع سكانها منذ عام 2014 وحتى عام 2018.

وبحسب المصادر، فإن الحدود الفاصلة بين قطاع غزة وسيناء تبلغ 14 كيلومتراً وتمتد من ساحل البحر الأبيض المتوسط وحتى مثلث كرم أبو سالم، الذي يجمع قطاع غزة وسيناء والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وكلها مقفلة بجدار صخري تم إنشاؤه مسبقاً في أعقاب فتح الحدود بين مصر وغزة إبان اشتداد الحصار الإسرائيلي للقطاع، بالإضافة إلى جدار من الأسلاك الشائكة والفولاذ. ويرتفع الجدار الإسمنتي ستة أمتار مغلقاً الحدود بين غزة وسيناء بشكل تام وكامل، على الرغم من سيطرة الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة حركة "حماس" في قطاع غزة بقوة على الحدود بين رفح المصرية والفلسطينية، بل إنها أنشأت منطقة عازلة بمسافة 300 متر على الحدود، مع إضافة أبراج مراقبة وكمائن عسكرية، لا يمكن اختراقها، إلا في حالات نادرة جداً. كما لم تشهد الحدود بين المنطقتين هجمات لتنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش" على مدار سنوات الصراع في سيناء منذ عام 2013.

ويأتي البدء في بناء الجدار بالتزامن مع نشر "صفقة القرن" التي جرى الإعلان عنها يوم الثلاثاء الماضي، بحضور رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، وسفراء كل من الإمارات والبحرين وسلطنة عمان، فيما كان الموقف المصري مائعاً، بدعوة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، إلى دراسة الخطة بتأنٍ. وأفادت وزارة الخارجية المصرية بأن القاهرة تُقدّر الجهود المبذولة من قبل الإدارة الأميركية و"مصر ترى أهمية النظر للمبادرة الأميركية من منطلق أهمية التوصُل لتسوية القضية الفلسطينية بما يعيد للشعب الفلسطيني كامل حقوقه المشروعة من خلال إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفقاً للشرعية الدولية ومقرراتها".



ولمصر حصة في الجانب الاقتصادي من خطة السلام التي طرحها ترامب، إذ كان "العربي الجديد" قد انفرد في 24 يونيو/حزيران الماضي، بنشر تفاصيل حزمة الإغراءات المالية المقترحة لمصر، والتي عرضت خلال ما عرف بـ"ورشة المنامة" التي عقدت في البحرين في 25 و26 يونيو الماضي، وهي الأرقام نفسها التي تضمنتها خطة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية. وتقترح الخطة الأميركية 12 مشروعاً اقتصادياً مرتبطاً بمصر، ومنها مشروع متعلق بتقديم خدمات عبر الحدود بإنشاء خطوط نقل إلى غزة، وإعادة تأهيل الخطوط المصرية الحالية المرتبطة بالقطاع. وذكرت الخطة أنه عندما يتم ذلك سيكون الفلسطينيون قادرين على الحصول على مزيد من إمدادات الطاقة من مصر، بسعر متفق عليه من الطرفين، ورصدت الخطة لذلك 12 مليون دولار.

وتحت بند "خدمات عبر الحدود"، ورد في الخطة مشروع ترقية خطوط الطاقة بين مصر وغزة على مراحل، على أن تتمّ المرحلة الأولى عبر زيادة إمدادات الطاقة من مصر إلى غزة عن طريق تحديث خطوط النقل لدعم قدرة إجمالية بحجم 50 ميغاواطاً. وفي أساس المشروع، أنه سيكون بإمكان الفلسطينيين، حينئذ، شراء طاقة إضافية من مصر بسعر متفق عليه، وتم رصد 10 ملايين دولار للمشروع. كما ستتم زيادة إمدادات الطاقة من مصر إلى غزة، عن طريق تحديث خطوط النقل لدعم سعة إجمالية قدرها 100 ميغاواط بالسعر المتفق عليه بين مصر والفلسطينيين. ورصد المشروع الأميركي 20 مليون دولار لذلك، وهي عبارة عن منح على مدار 3 سنوات. كما برز مشروع خاص بـ"التجارة الإقليمية"، واكتشاف طرق للاستفادة من المناطق الصناعية المؤهلة في مصر لتعزيز زيادة التبادل التجاري بين مصر وإسرائيل والضفة الغربية وغزة، ويمكن أن تشمل الميزات الرئيسية لهذا البرنامج مراجعة الإمكانات والتعديلات على حصة المحتوى المصري أو الإسرائيلي أو الفلسطيني المطلوبة لتصل إلى 35 في المائة لكل طرف، على أن يتم المشروع في مرحلة واحدة خلال عامين.

كذلك، سيتم تطوير الطاقة في سيناء تحت بند "الاستقرار الاقتصادي"، من خلال دعم مشاريع توليد الطاقة في سيناء لزيادة الإمدادات الجديدة، ويتم على مرحلتين خلال 5 سنوات بتكلفة 500 مليون دولار؛ 125 مليوناً منها عبارة عن منح و250 مليوناً قروضاً و125 مليوناً تمويلاً ذاتياً. أما في ملف المياه في سيناء، فتستهدف الخطة تطوير ودعم مشاريع البنية التحتية للمياه في سيناء لدعم التنمية الاقتصادية على نطاق أوسع، ويتم على مرحلتين بتكلفة 500 مليون دولار؛ 125 مليوناً منها عبارة عن منح و250 مليوناً قروضاً و125 مليوناً تمويلاً ذاتياً. وكذلك هناك مشروع خاص بالتجارة الإقليمية في سيناء ووسائل النقل، من خلال دعم طرق سيناء والبنية التحتية للنقل لربط المشاريع الجديدة، ويتم على مرحلتين خلال 5 سنوات بتكلفة 500 مليون دولار نصفها منح والنصف الآخر قروض. وتحت عنوان "الاستقرار الاقتصادي"، تمّ تبنّي مشروع خاص بالسياحة في سيناء، ويعتمد على تطوير ودعم المشاريع السياحية في سيناء، بما في ذلك على ساحل البحر الأحمر، ويتم على 3 مراحل خلال 8 سنوات بتكلفة 500 مليون دولار؛ 125 مليوناً منها عبارة عن منح و250 مليوناً قروضاً و125 مليوناً تمويلاً ذاتياً.

وتعقيباً على ذلك، قال باحث في شؤون سيناء لـ"العربي الجديد"، إن مصر منذ سنوات تنفذ المطلوب منها في "صفقة القرن"، وتلك الخطوات تمثلت في مسح مدينة رفح بشكل كامل، وتهجير سكانها، بالإضافة إلى مناطق واسعة من مدن الشيخ زويد والعريش، وإنهاء مظاهر الحياة في غالبية مناطق شمال سيناء، بعد أن كانت تضج بالحياة بصفتها بوابة مصر الشرقية، في مقابل أن تحصل على المشاريع الاقتصادية التي تعتبر أهم ما يبحث عنه النظام المصري. وأضاف: "لمصر حصة في السلة الاقتصادية للخطة الأميركية، ولسيناء على وجه الخصوص حصة بارزة في المشاريع الاقتصادية في ملفات التجارة والكهرباء والمياه والطاقة وخطوط النقل وغيرها، ما يؤكد الحديث المستمر منذ سنوات عن موقع سيناء من صفقة القرن والتي تؤكد كل المؤشرات الارتباط المباشر بين أفعال الجيش المصري بسيناء وتفاصيل الصفقة".

ورأى الباحث، أنه لا يمكن الحديث عن بناء جدار جديد على حدود غزة بمعزل عن الضجة التي تصحب الإعلان عن "صفقة القرن"، إذ لا تظهر حاجة حقيقية على المستوى الأمني لبناء جدار جديد في ظل استتباب الأوضاع الأمنية من ناحية التهريب الذي كان في عهد الأنفاق التجارية الواصلة بين غزة وسيناء خلال فترة الحصار الإسرائيلي وحتى إغلاقها بعد الانقلاب العسكري صيف عام 2013، بالإضافة إلى شبه توقف انتقال مسلحي تنظيم "داعش" من غزة لسيناء في ظل الإجراءات المشددة لحكومة "حماس" في غزة وكذلك على الحدود، وفي ظل وجود جدارين وعشرات المواقع والنقاط العسكرية على طول الحدود، بما يمنع أي تحرك مشبوه على الحدود. ما يعني أننا أمام جدار سياسي أكثر منه أمنياً، وكجزء من الخطة الأميركية لتحديد العلاقة بين سيناء وغزة، وحصرها من خلال ملفات معينة في المرحلة الحالية.