بوادر "طلاق غير ودي" بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي

بوادر "طلاق غير ودي" بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي

27 يونيو 2016
ارتدادات عاصفة الانسحاب مازالت في بداياتها (فرانس برس)
+ الخط -

تشهد برلين وبروكسل، منذ صباح اليوم الاثنين، تحركات دبلوماسية مكثفة لتسريع آلية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي لا يزال تحت وقع الصدمة، بعد قرار البريطانيين الخروج من الاتحاد في استفتاء شعبي جرى الخميس الماضي، فيما تفضل الأطراف البريطانية عدم الاستعجال في الشروع في إجراءات "الطلاق". 

وتستقبل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بعد ظهر اليوم، الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ورئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي، وذلك عشية قمة أوروبية بالغة الأهمية في بروكسل. ويأتي لقاء ميركل مع هولاند ورينزي في وقت أبدت فيه باريس وبرلين استعدادهما لتقديم اقتراحات لجعل الاتحاد "أكثر فاعلية". كما تلتقي ميركل أيضا بشكل منفصل، الاثنين، رئيس المجلس الأوروبي الذي يمثل الدول الأعضاء في الاتحاد، دونالد توسك.


وسيترأس توسك، الثلاثاء والأربعاء، اجتماعات قمة أوروبية، يغيب عنها رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، ويبحث خلالها رؤساء الدول والحكومات الـ27، الأعضاء في الاتحاد، تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وآلية الخروج "في أسرع وقت. أما البرلمان الأوروبي الذي سيعقد الثلاثاء جلسة استثنائية، فيطالب بدوره كاميرون بأن يبلغ الاتحاد الأوروبي بقرار بريطانيا الخروج من الاتحاد، وفق المادة خمسين من اتفاق لشبونة".

في المقابل، لا تبدو بريطانيا مستعجلة بالمباشرة في إجراءات الخروج من الاتحاد، وسط جدل داخلي حول إمكانية تجاوز مجلس العموم نتيجة استفتاء الخميس الماضي، أو تنظيم استفتاء ثان. كما أن الحكومة البريطانية لا تبدو جاهزة للشروع في مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي، إذ إن رئيس الحكومة المستقيل لا يرغب في مباشرة الأمر، ويُفضل تركه لرئيس الحكومة الذي سيُنتخب في المؤتمر العام لحزب المحافظين الحاكم في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، أو ربما الذي ستفرزه انتخابات عامة من الممكن تنظيمها في نهاية العام أو مطلع العام المقبل.


"عدم الاستعجال" في "الطلاق" تفضّله جميع الأطراف البريطانية، بما فيها بعض من صوّتوا لصالح الخروج. وفي المقابل، ترى المؤسسات الأوروبية، ألا مبرر لذلك، إذ "لا تحتاج الحكومة البريطانية إلى الانتظار حتى شهر أكتوبر/تشرين الأول لتقرر ما إذا كانت سترسل رسالة الانفصال إلى بروكسل أو لا"، كما يقول رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، الذي يود الحصول على رسالة الانفصال فورا.

وزير المالية البريطاني، جورج أوزبورن، وفي رد على الاستعجال الأوروبي، حذر اليوم من أن بريطانيا لن تطبق المادة 50 من أجل الخروج من الاتحاد الأوروبي إلا في الوقت المناسب.

وأوضح أوزبورن، في كلمة مقتضبة في وزارة الخزانة، أن "المملكة المتحدة وحدها قادرة على مباشرة تطبيق المادة 50.. لن نقوم بذلك إلا عندما تتوافر لدينا رؤية واضحة للترتيبات الجديدة مع جيراننا الأوروبيين".

وأضاف أوزبورن، أن كاميرون باتخاذه "قرار إرجاء تطبيق المادة 50 ريثما يتم انتخاب رئيس جديد للحكومة في الخريف" إنما "أمهل البلاد بعض الوقت ليتسنى لها اتخاذ القرار حول العلاقة الجديدة التي ستقيمها" مع الاتحاد.


كما أعلن وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، أمس، أن بلاده لن تخضع لضغوط دول الاتحاد الأوروبي، ولن تستعجل في إخطار بروكسل بقرار الخروج من الاتحاد. وقال هاموند: "الإطار الزمني (للخروج من الاتحاد) يبقى بالنسبة لبريطانيا بدون تغيير، أما شركاؤنا الأوروبيون فيريدون أن نفعل ذلك بسرعة، نحن نتعرض لضغوط، لكن المفاوضات لن تبدأ قبل تنفيذ المادة 50 من معاهدة لشبونة".

وتنص المادة 50 من معاهدة لشبونة الموقعة عام 2007، على أنه من أجل الشروع في إجراءات الانسحاب، يفترض بالدولة إبلاغ المجلس الأوروبي المؤلف من رؤساء دول وحكومات البلدان الأعضاء نيتها الخروج من الاتحاد، وأن تتفاوض بعد ذلك على مدى سنتين كحد أقصى على "اتفاق انسحاب".

توترات الساحة الداخلية
أما على الساحة الداخلية، فقد اختصرت صحيفة "صنداي تايمز" المشهد السياسي تحت عنوان "ماذا الآن؟"، في حديثها عن أجواء التوتر الذي تعيشه بريطانيا منذ الاستفتاء الذي زاد الانقسامات السياسية وتلك المتعلقة بالهوية، وعزز الطموحات الانفصالية للقوميين الاسكتلنديين، بعد تصريح رئيسة وزراء اسكتلندا، نيكولا ستورجن، لشبكة "بي بي سي"، أن "المملكة المتحدة التي صوتت اسكتلندا من أجل البقاء فيها في عام 2014، لم تعد موجودة". وتأمل ستورجن بتنظيم استفتاء جديد حول استقلال بلادها.

وفي المقابل، يُتهم زعيم حزب العمال المعارض، جيرمي كوربن، بأنه لم يبذل ما يكفي من الجهود من أجل الدفاع عن الاتحاد الأوروبي في حملة الاستفتاء، ويواجه موجة استقالات جماعية في حكومة الظل، وقيادات الصف الثاني في الحزب. من جهته، يُصر كوربن، الذي انتخب على رأس الحزب في سبتمبر/أيلول 2015، على أنه لن يستقيل رغم الانتقادات. ويُعقد اجتماع للحزب، اليوم الاثنين، يتوقع أن يكون عاصفا، ويمكن أن يتم خلاله البحث في مذكرة لحجب الثقة عنه.

أما في حزب المحافظين، فقد انطلقت، نهاية الأسبوع الماضي، معركة خلافة رئيس الوزراء، وزعيم الحزب المُستقيل، ديفيد كاميرون. وأوردت صحيفة "ذي أوبزيفر" أن رئيس بلدية لندن السابق وزعيم معسكر الخروج من الاتحاد الأوروبي، بوريس جونسون، يستعد لشن حملة لزعامة الحزب، إلا أن مؤيدي البقاء عازمون على التصدي له.