أسواق المال صوّتت مبكراً لصالح بقاء بريطانيا أوروبية

أسواق المال صوّتت مبكراً لصالح بقاء بريطانيا أوروبية

22 يونيو 2016
مؤيدون لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي (Getty)
+ الخط -

غداً الخميس، سيقول الناخب البريطاني كلمته حول مستقبل بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. وهي كلمة ستكون لها تداعياتها محلياً في بريطانيا وفي أوروبا وفي أنحاء العالم، خاصة إذا جاءت النتيجة تدعم التيار المطالب بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ولكن حتى الآن تشير التوقعات إلى أن اختيار البقاء في الاتحاد الأوروبي هو الذي سيفوز، خاصة أن أسواق المال، وعلى رأسها الاسترليني، صوتت مبكراً لصالح بقاء بريطانيا وليس لخروجها.
لقد ارتفع سعر صرف الجنيه الاسترليني إلى أعلى مستوى له منذ مايو/أيار، حيث ارتفع بنسبة 2.0% من 1.42 دولار إلى 1.47 دولار. وهو ما يعني أن المستثمرين الأجانب صوتوا مبكراً لبقاء بريطانيا في الكتلة الأوروبية وبنسبة 75%، حسب توقعات مايك آمي، مدير صندوق العملات بشركة بيمكو، كبرى شركات الاستثمار الأميركية.

وفي هذا الصدد، قال البروفسور جون فان رينين في جامعة "إل إس إي" للاقتصاد في لندن في تعليق لـ" العربي الجديد" أن الاقتصاد البريطاني سيضرب بشده إذا صوت البريطانيون لصالح الخروج من أوروبا.
وأضاف " المستثمرون الاجانب يتخذون بريطانيا منصة للاستثمار في أوروبا وإذا أنسحبت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فإنهم سنسحبون من بريطانيا ولن تكون ذات جاذبية".

أما بيتر ماير الرئيس التنفيذي لـ" ميدل إيست أسوسيشن"، فقال في تعليقه لـ" العربي الجديد"، أن بريطانيا ستصوت بنسبة 70% لصالح البقاء في أوروبا. ويذكر أن ثلاثة استطلاعات رأي أجريت قبيل الاستفتاءأظهرت استعادة معسكر مؤيدي البقاء بعض الزخم.
ولكن على أية حال، فمعركة الاستفتاء لا تزال سجالا بين معسكرين، كل منهما يدّعى أنه يعمل لمصلحة بريطانيا ومستقبل ازدهارها ورخائها الاقتصادي.

أولهما، معسكر يدعم بقاء بريطانيا في الكتلة الأوروبية، ويرى أن بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي ستكون معزولة عن محيطها وستفقد موقعها المؤثر عالمياً، وهو ما عبر عنه رئيس الوزراء البريطاني بقوله "بريطانيا الصغرى".
ومعسكر يطالب بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ويرى أن بريطانيا ستصبح مستقلة عن هيمنة بروكسل، وغير مكبلة بقوانين المفوضية الأوروبية، وبالتالي ستكون أكثر قدرة على تحقيق النجاحات والانتعاش.
حسب المسح الذي أجراه المعهد الملكي البريطاني "تشتهام هاوس" أخيراً، وشمل 30 ألف بريطاني، فإن الذين يؤيدون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هم من الطبقة التي لم تكمل تعليمها الجامعي وتتشكل ممن يعملون في وظائف هامشية وغير آمنة وذات دخل منخفض ومن الذين تفوق أعمارهم 55 عاماً.
وبالتالي فهم من الذين عثر حظهم وليست لديهم مؤهلات تمكنهم من الاستفادة من الفضاء المالي والاقتصادي الذي وفّره انضمام بريطانيا للاتحاد الأوروبي.
فيما تتشكل الشريحة التي تؤيد بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي من الشباب الذين تخرّجوا من الجامعات ويعملون في الوظائف ذات الدخل المرتفع ويتكون معظمهم من المهنيين الذين يستفيدون من وجود بريطانيا في الفضاء الاقتصادي الأوروبي.

ولدى التيارين مفاهيم مختلفة جذرياً عن الاتحاد الأوروبي وتأثيره على بريطانيا.
فالذين يعارضون بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي لديهم عدم رضا تجاه الأسلوب الذي تدير به المفوضية الأوروبية شؤون الدول، ويرون أن البيروقراطية وليست الديمقراطية هي التي تحكم بروكسل، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، فإن هذا المعسكر لديه مخاوف على فقدان الثقافة والهوية البريطانية وسط السيل الجارف من الهجرة الأوروبية إلى بريطانيا، كما أن لديهم كذلك مخاوف من تداعيات الهجرة على دولة الرفاه في بريطانيا، خاصة على فقدان مزايا السكن والعلاج المجاني.

ويقولون إن انضمام بريطانيا للاتحاد الأوروبي يعني مزيداً من الأعباء الاقتصادية التي تمثلها الهجرة والضغوط على الخدمات المجانية المتوفرة في بريطانيا، وكذلك التزاماتها تجاه إنقاذ دول أوروبا المفلسة .
وبالتالي، فإنهم يرون أن بريطانيا ستكون غنية ومنتعشة اقتصادياً بدون عضوية الاتحاد الأوروبي. 
أما الذين يؤيدون بقاء بريطانيا في أوروبا، فيرون أن بريطانيا ستفقد مركزها المالي وجاذبيتها الاستثمارية في حال خروجها عن الاتحاد الأوروبي.
وهم يدللون على هذا المنطق بإعلانات البنوك الاستثمارية وشركات حي المال البريطاني التي قالت إنها ستنقل مقارها من لندن إلى مدينة داخل الاتحاد الأوروبي في حال خروج بريطانيا من الكتلة الأوروبية، وهذا يعني أن موقع حي المال البريطاني سيهتز عالمياً. وكان مصرف "جي بي مورغان"، أكبر المصارف الأوروبية قد أعلن الأسبوع الماضي أنه سيلغي 4 آلاف وظيفة، كما أعلن مصرف "إتش إس بي سي"، أنه سينقل مقره من لندن وسيلغي ألف وظيفة.

وهنالك العديد من النقاط التي تدعم منطق بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. من بين هذه النقاط:
أولاً: بريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي ستكون أكثر قدرة على التفاوض على مصالحها الاقتصادية مع كتل العالم واقتصاداته الكبرى، مقارنة بما ستحصل عليه من التفاوض منفرده.
ثانياً، فإن 50% من تجارتها مع دول الاتحاد الأوروبي، وستفقد جزءا كبيرا من ذلك، إذا خرجت من الكتلة الأوروبية، وبالتالي ستضطر إلى التفاوض حول ترتيبات جديدة وشاقة مع دول الكتلة الأوروبية.
ثالثاً: على صعيد تمويل العجز في الميزانية والديون السيادية. تستدين بريطانيا حالياً عبر سندات الخزينة البريطانية بنسبة تقارب الصفر، وهي نسبة قياسية من حيث ضآلة الفائدة التي تدفعها، وهذا يعود إلى أن بريطانيا تتمتع بالتصنيف السيادي "تريبل أيه". وهذا التصنيف سيتأثر في حال خروجها من الاتحاد الأوروبي.
رابعاً: خروج بريطانيا سيهدد العلاقة الخاصة مع أميركا من الناحية السياسية، وسيضرب تدفق الاستثمارات الأميركية الخارجية التي تجتذب بريطانيا منها حالياً حوالى 50%. كما سيهدد كذلك الاستثمارات الصينية المقدرة بأكثر من 30 مليار دولار في الوقت الراهن، وهو ما يفوق نسبة 50% من الاستثمارات الصينية في أوروبا. كما أنه ربما يهدد بدرجة ما تدفق استثمارات مجلس دول التعاون في بريطانيا التي تفوق 100 مليار دولار.

ويلاحظ أن معظم الرساميل العالمية تتخذ من بريطانيا قاعدة للانطلاق منها إلى دول الكتلة الأوروبية. وبالتالي فإن خروج بريطانيا من دول الاتحاد الأوروبي سيقلل تلقائياً من جاذبيتها لهذه الاستثمارات.
خامساً: تساهم قوة الاسترليني في خفض فاتورة الواردات، وتمنح المواطن البريطاني ميزة نسبياً أفضل في السفر والتسوق وشراء المنتجات الأجنبية. وفي حال خروج بريطانيا، فإن سعر صرف الاسترليني سينخفض ربما بنسبة كبيرة. ويرى الملياردير الأميركي جورج سورس أن الاسترليني ربما ينهار إلى مستويات يوم الأربعاء الأسود في عام 1992، حينما تركت بريطانيا التعويم مقابل اليورو. وبالتالي سيؤثر ذلك سلباً على فاتورة الواردات وميزان الحساب الجاري. كما أنه سيضرب القوة الشرائية للمواطنين.
سادساً: عدد العاملين في بريطانيا حالياً يقارب 31.5 مليون عامل، وهذا رقم قياسي. وفي حال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإن بريطانيا ستخسر العديد من الوظائف.

المساهمون