خان... يخون... تخوين: أهلاً بكم في الإعلام العربي

خان... يخون... تخوين: أهلاً بكم في الإعلام العربي

31 ديسمبر 2014
اي انتقاد للجيش اللبناني اعتبر خيانة (حسين بيضون)
+ الخط -

في عام 2014، اختار الإعلام اللعبة السهلة: في لبنان، سورية، مصر... "معانا أم مع التانيين" كان شعار المرحلة. لا وجود خارج الاصطفافات. ومن ليس معنا فهو علينا. من ليس معنا "خائن": خيانة، خائن، خونة... لعلها الكلمات الأكثر استعمالاً في الإعلام العربي خلال هذا العام.

داعشي أم أسدي؟

في سورية لا شيء تغيّر. بلى، القليل. فبعدما كان التلفزيون السوري والإعلام الموالي للنظام يصف كل معارض بـ"الخائن" بات يرفقها بكلمة إرهابي. "الخائن الإرهابي" أو متفرعاتها.

وإلى جانب توسيع قائمة مصطلحات الإعلام الرسمي... كان لـ "داعش" وإعلامه بصمته أيضاً على الخطاب الإعلامي. فمن ليس مع "الدولة" خائن... من ليس مع "الدولة" خائن يستحق الموت. الثنائية السورية قاتلة، حرفياً. الخائن يستحق الموت.

وليس على هؤلاء العالقين وسط تخوينَين سوى انتظار لحظة الموت، الذي يروّج له الإعلام. الإعلام نفسه الذي يرى أن مشاهد وصور العنف جزء من الاقتصاص من "الخونة". هكذا وللعام الرابع على التوالي، صور الجثث والتنكيل بأجساد "الخونة" طبيعية. وصور قطع الرؤوس والصلب ورجم "الخونة" أيضاً طبيعية، على مواقع التواصل، على الشاشات وفي الصحف... على أرض المعركة، كُلّ الأسلحة متاحة وهل هناك أفضل من سلاح التخوين؟

مصر: السيسي رئيسي

لعل أسوأ مظاهر التخوين شهدها الإعلام المصري. وإن بدأنا التعداد قد لا ننتهي. البداية مع الاستفتاء على الدستور. "الصناديق قالت نعم للعسكر" ومن قال لا "هو خائن، هو إخوان، هو إرهابي". انتهت حفلات الرقص على "تسلم الأيادي" التي رافقت الاستفتاء، لتبدأ بعدها حفلات الرقص على "بشرة خير" في الانتخابات الرئاسية.

ومع انخفاض نسبة التصويت في اليوم الأول، خرج الإعلام من طوره: لميس الحديدي تحرّض المسيحيين ضد "الخونة" لتشجيعهم على التصويت... عمرو أديب، يوسف الحسيني... كلهم أخرجوا ما في جعبتهم من اتهامات بحق المقاطعين. والاتهام الأكبر طبعاً: إخوان. هنا أيضاً انتهت مسرحية الانتخابات. ليأخذ الإعلام بعدها راحته في توزيع الاتهامات: فنانون، إعلاميون، صحافيون، ناشطون... كلهم خونة. من علاء عبد الفتاح إلى باسم يوسف. ومن خالد أبو النجا إلى بلال فضل. من عارض السيسي، خان مصر... ومن خان مصر يسجن، ينفى، يقتل. لا يهمّ.

ووسط كل هذه الأحداث جاء عدوان غزة، ليعيد خطاب التخوين إلى أوجِه: ليمت أهل غزة. قال توفيق عكاشة ومن لفّ لفّه "واحنا مالنا، واللي زعلان عليهم يروحلهم". بهذه الوقاحة، تحوّل الخطاب العنصري، إلى خطاب عادي... أكثر من عادي. وتحوّل كل رفض لهذا الخطاب إلى فعل خيانة، وسط تطبيل شعبي وأمني وسياسي.

لبنان بالبدلة العسكرية

اندلعت معارك عرسال، بين الجيش اللبناني وبين مقاتلين من "داعش"، في جرود المدينة البقاعية (شرق لبنان). وخلال المواجهات حصلت تجاوزات عدة: اعتداءات على نازحين، حصار لأهالي عرسال من المدنيين... لكن من تجرأ وتكلم عن الموضوع وصف تلقائياً بـ... "الخاين" (طبعاً).

أطل علينا إعلاميون ببدلات عسكرية، بثت القنوات طول النهار أناشيد للجيش... وعلى مواقع التواصل اندلعت حملات التخوين والشتم والتهديد، لكن من انتقد التجاوزات وصِف بالوقوف إلى جانب "داعش". وصِف بالوقوف في وجه "مكافحة الإرهاب". الخروج من الحظيرة بات جريمة... حظيرة البدلات العسكرية تحديداً.

النغمة نفسها استعيدت خلال معارك طرابلس... وها هو المشهد يُعيد نفسه مع انتهاء العام: من عرسال بدأنا، وإلى عرسال نعود.