هذا ما يُميّز الثورات العربيّة

هذا ما يُميّز الثورات العربيّة

21 ديسمبر 2014
مصرية تتظاهر في الذكرى الأولى للثورة عام 2012
+ الخط -
بين الانتفاضات الشعبيّة العربيّة في تونس ومصر وسورية وليبيا واليمن والبحرين، وبين حراك الجماعات الإسلاميّة والمتطرّفة، تقنيّات وأيقونات وتدوين يختلف بشكل كبير.

الثورة السورية: أيقونات وأدوات
اشتهرت الثورة السوريّة في بداياتها، بفيديوهات ضعيفة الجودة، تمّ تصويرها بهواتف محمولة. ومع الوقت، تحسّنت جودة هذه الفيديوهات، تزامناً مع بدء استعمال الهواتف الذكيّة المحمولة، التي أصبحت أكثر انتشاراً بعد سنة ونصف تقريباً من تاريخ الثورة. رُفعت هذه الفيديوهات والصور على مواقع التواصل الاجتماعي، وباتت تنتشر بسرعة بين المعارضين والمؤيدين للثورة.
وتصدّرت هذه المواد البصريّة، الصفحات الأولى للصحف العربيّة والعالميّة. كما أنها نُشرت في الصفحات الرئيسيّة للمواقع الإلكترونيّة.

أُنشأت صفحات خاصّة بالثورة على مواقع التواصل الاجتماعي، وباتت المراسل الأوّل الذي
ينقُل ما يحدث في سورية، إلى العالم. ولم تقتصر مواد الثورة على القصص الإخباريّة، بل تطورت لتجمع مواد فنية تُحاكي الثورة، وتنتقد الأحداث السياسيّة. ونتج عن ذلك اعتقالات كثيرة لشخصيات فنيّة منها من استطاع أن يُحافظ على بضع ساعات من الحياة، والبعض الآخر غادر تاركاً رسالته عبر فيديو أو رسم أو أغنية.

ويُمكن اعتبار حنجرة ابراهيم القاشوش، الأداة الأولى في الثورة السوريّة. والقاشوش، ذُبح على أيدي النظام السوري، بعدما ما لُقّب بـ "حنجرة الثورة". لكنّ صورة الثورة لم تُختزل ببعض الأشخاص أو الصفحات. وإن كان هناك "أيقونات" للثورة، تُشكّل جزءاً أساسياً من ذاكرتها، كلافتات كفرنبل، وحنجرة القاشوش، وجدران درعا ورسائلها، والطفل حمزة الخطيب الذي تم تعذيبه على أيدي النظام، بالإضافة إلى صوت محمد أحمد عبد الوهاب في مقابلته على تلفزيون الجزيرة حين قال: "أنا إنسان ماني حيوان"، والفتاة الصغيرة التي اعتادت أن تُغنّي في تظاهرات بستان القصر، ثم سقطت قذيفة هاون بقربها بينما يتمّ تصويرها من قبل الناشط عبد الله حكواتي... إلا أنّ ذاكرة الثورة أيضاً تعتمد على أحداث غير إنسانيّة، لم تحصل مع هؤلاء فقط، بل مع الشعب السوري أجمع، ومنها الهجوم الكيميائي على الغوطة.

"داعش": تقنيّات عالية
ولكن ماذا عن ظاهرة الجماعات التكفيرية (داعش) والجماعات الإسلامية (جبهة النصرة وجيش الإسلام وأحرار الشام)؟ هل تملك نفس الأدوات التي شهدناها في الثورات العربية من سورية إلى مصر؟ تقاطعت هذه الظواهر والجماعات والثورات العربية في ثلاث أدوات: الفيديو والموسيقى وشبكات التواصل.
ظاهرة الجماعات التكفيريّة كانت أكثر دقة وتمتّعت بتقنية عالية على صعيد الصورة والأناشيد
والتوزيع الموسيقي فيها... وبالرغم من محاولة أنصار هذه الجماعات نشر موادهم على نطاق واسع، إلا أنّها لم تُحقّق إنجازاً كبيراً على الشبكة كما حدث في الثورات العربية. هذا مع أنّها أخذت المواد البصرية إلى بعد هوليوودي يُحاكي مشاهد من الأفلام الغربيّة، بالإضافة إلى استعمال المؤثّرات البصرية من لون وحجم كادر وتوليف (مونتاج). وذلك، بعكس الفيديوهات التي شاهدناها في الثورة السوريّة والتي كانت تبدأ بعبارات التكبير، ثم ذِكر اسم المنطقة وتاريخ اليوم، وكانت دون أي توليف أو أي تعديل على الصورة.

مصر: دعم أكبر
أما في تونس، سيدة الثورة، فلم يملك الناشطون آنذاك كل الأدوات التي توفّرت لباقي الثورات فيما بعد. وبقي محمد بوعزيزي، الذي أحرق نفسه في منتصف ديسمبر/كانون الأول، أيقونةً لثورة تونس.

أمّا الثورة المصريّة، فتُعتبر أكثر الثورات العربية التي توفر لها أكبر عدد من الأدوات التي ساعدت الناشطين المصريين بالتعبير عن رأيهم. واستطاع ميدان التحرير أن يُجهض صمت الشارع، وبعث الحياة في المصريين. ومن أبرز أدوات الثورة المصرية: الموسيقى، الغرافيتي، الكاميرا ومواقع التواصل الاجتماعي التي اغتنت بمواد كوميدية، وبرامج انتقلت من الشبكة إلى التلفزيون.

ولعبت الكاميرا دوراً أساسيّاً في الثورة المصريّة. فكانت الحافز الأوّل للناشطين ليتضامنوا مع الثورة في بلادهم. ولعلّ أشهر الصور التي أحدثت جدلاً في الثورة المصريّة هو مشهد
الأحصنة والجِمَال في ميدان التحرير لتفريق المتظاهرين، وصور شارع محمد محمود لأشخاص يقفون أمام الآليات العسكرية، ومشهد المصلين بين الدبابات. وطبعاً، صورة ستّ البنات التي تمّ سحلها وتعريتها وضربها من قبل الأمن في أحداث مجلس الوزراء في ديسمبر/كانون الأول 2011.

واستطاع الشعب المصري أن يُوظّف الكوميديا الساخرة من الواقع السياسي - الإجتماعي كأداة للثورة. هذا بالإضافة إلى جماهيريّة الفرق الموسيقيّة التي برزت في الثورة مثل "مسار إجباري"، و"كايروكي" ومغنّين آخرين. وتحدّث هؤلاء عن الشارع المصري ومشاكل المجتمع، وعن الثورة والحراك السياسي.

يجدر الإشارة إلى أنّ أغلب هذه الأدوات لم تكن بشكلٍ عادي ولم يكن دورها عادياً... لا بل كانت أدواتٍ متميّزة في مجالها وملفتة للنظر في العالم العربي. فعلى سبيل المثال، ذهبت الموسيقى في الثورة المصرية بإتّجاه الـ Post Arabic Rock.. بينما لم يكن هذا الاتجاه الموسيقي موجوداً قبل عامي 2010 و2011 في العالم العربي، وإن وجد فكان خجولاً جداً بالمقارنة مع باقي الاتجاهات الموسيقية آنذاك.

أما على صعيد البرامج، فلم نشهد كثيراً في العالم العربي برنامجاً يشبه البرامج النقديّة الساخرة في جرأتها، إلا عندما ظهر الإعلامي باسم يوسف على "يوتيوب"، في برنامج يحاكي برنامجي "The Colbert Report" ،"Jon Stewart". واستطاع يوسف أن يلفت الإعلام المصري ونقل برنامجه إلى إنتاج تلفزيوني ضخم. وتحوّلت الغرفة الصغيرة التي كان يجلس فيها باسم مقابل منشر الغسيل إلى استديو كبير يجلس أمامه جمهور كبير.

في اليمن والبحرين وليبيا، كان هناك ناشطون ينقلون الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً. وساهم هؤلاء بتزويد العالم بأخبار عمّا يحصل في بلدانهم، من التظاهر إلى الانتهاكات وغيرها. لكنّ الأحداث السياسيّة والعسكريّة فيما بعد غيّبت أغلبهم عن الساحة، فيما بقي بعض الناشطين البحرينيّين متواجدين.

وبالطبع، فإنّ التعامل الدولي مع الثورات العربيّة كان مختلفاً عن التعامل مع الحركات
الإسلاميّة. فقد كانت منصّات التواصل داعمةً للثورات العربيّة، فيما جوبهت الحركات المتطرّفة بحملات حجب عن الشبكة.
ربما استطاعت هذه الظواهر وهذه الجماعات الإسلامية أن تنعم بتقنيات أفضل من الثورات العربية، إلا أن الثورات العربية كانت أكثر تفاعلاً مع العالم. فالثورة المصرية ما زالت مستمرة على الشبكة، والثورة التونسيّة ما زالت متواجدةً من خلال الممارسات الديمقراطيّة ما بعد الانتفاضة الشعبيّة... فيما يُحاول بعض الناشطين السوريين، الذين لم يفقدوا الأمل، أن ينقلوا صورة الثورة التي حجبها النظام و"داعش" بشكلٍ خاصّ، معاً.

المساهمون