تهاوي النفط يزلزل الخليج: عجز الموازنات يتفاقم لمستويات قياسية

تهاوي النفط يزلزل الخليج: عجز الموازنات يتفاقم لمستويات قياسية... وتقليص حاد بالإنفاق

22 ابريل 2020
النفط المصدر الرئيسي للإيرادات المالية في الخليج (فرانس برس)
+ الخط -

تسبب الانهيار التاريخي لأسعار النفط الأميركي، بحالة هلع في الأوساط الخليجية، مع تواصل تداعيات الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تضرب دول مجلس التعاون بقسوة جراء تفشي فيروس كورونا، وتهاوي إيرادات النفط.

وهبط سعر برميل النفط الأميركي (غرب تكساس) لعقود مايو/أيار إلى القاع بنحو 37 دولارا سالبة تحت الصفر، أول من أمس، بنسبة تراجع 306% مسجلا أدنى مستوى في تاريخه.

ومع تواصل نزيف الخسائر المالية الفادحة، تحاول الدول الخليجية امتصاص صدمة انهيار أسعار النفط وتأثيرها على ميزانياتها التي تعتمد بشكل أساسي على عائدات تصدير الخام، من خلال خفض الميزانيات وترشيد الإنفاق العام وإقرار إصلاحات اقتصادية.

وفيما تدرس الكويت خفض ميزانية العام المالي 2020 /2021، أقدمت دول خليجية أخرى مثل البحرين وسلطنة عمان والسعودية على خطوات مماثلة بسبب تفاقم عجز الميزانية وتراجع الإيرادات وتوقف الأعمال.


كما تسابقت هذه الدول خلال الفترة الأخيرة إلى الاقتراض الخارجي لسد جزء من الفجوة المالية التي أحدثها تهاوي الإيرادات.

السعودية... عجز تاريخي

فاقم تهاوي النفط أزمات السعودية في ظل التراجع الحاد المرتقب للإيرادات المالية، وباتت الرياض على أعتاب عجز قياسي في موازناتها.

وقال ناصر الصانع مدير وحدة الأبحاث الاقتصادية بالمركز السعودي للدراسات الاقتصادية بالرياض لـ "العربي الجديد" عبر سكايب، إنه لا شك أن ميزانية المملكة ستتعرض لعجز مالي تاريخي غير مسبوق هذا العام بسبب ما تواجه من حروب متعدّدة علي جميع الجبهات.

وأشار إلى حرب الرياض في اليمن وأخرى في الأسعار مع روسيا وثالثة مع تفشي فيروس كورونا وما سببته من توقف الأعمال في المملكة، وأخيرا انهيار النفط العالمي وهو ما يعد القشة التي قصمت ظهر البعير، على حد قوله، موضحا أن ذلك سيمثل ضغطا كبيرا على الموازنة التوسعية التي لا سبيل لها الآن سوى الانكماش.

ورأى الصانع أن المملكة تكبدت خسائر فادحة جراء ما سماه "حرب النفط" مع روسيا، في أعقاب أزمة تفشي فيروس كورونا، وأن الرياض خرجت خاسرة في نهاية المطاف، لافتا إلى أن ما حدث بشأن انهيار أسعار الخام الأميركي سيحدث صدمة كبيرة في ميزانيات دول الخليج.

وأضاف أن تأثير اتفاق "أوبك +" قد يكون إيجابيا على المدى البعيد ولن يكون له تأثير في الوقت الراهن الذي هو في حاجة إلى قرار لمعالجة الأمور الصعبة التي وصلت إليها بسبب الحرب النفطية وما زاد عليها من تفشي فيروس كورونا.


وأبدى عدم تفاؤله إزاء عودة الأسعار إلى الارتفاع مرة أخرى خلال الفترة الراهنة بسبب حجم المعروض وقلة الطلب واستمرار توقف حركة الطيران والأعمال في دول الخليج وأميركا الشمالية وأوروبا والدول الآسيوية وخصوصا الصين. وقررت السعودية مؤخرا خفض الإنفاق في ميزانيتها للعام 2020 بنحو 13 مليار دولار.

الكويت... فاتورة باهظة

حسب دراسة ستخفض الحكومة الكويتية ميزانية العام المالي 2020 /2021 بقيمة 13 مليار دولار، بسبب تفاقم عجز الميزانية، وطلبت من الوزراء تزويدها بقائمة المشروعات التي يمكن تأجيل تنفيذها مع الإبقاء على سير العمل في المشروعات الجاري تنفيذها.

وقدر تقرير صادر عن إدارة الاقتصاد الكلي التابع لمجلس الوزراء الكويتي، اطلعت عليها "العربي الجديد"، الخسائر الشهرية لعملية توقف الأجهزة الحكومية عن العمل بسبب تفشي كورونا وانخفاض أسعار النفط، بنحو 8 مليارات دولار.

ووفقا لما أعلنته وزارة المالية، فإن العجز المقدر في موازنة 2020-2021 عند سعر 55 دولاراً للبرميل سيبلغ نحو 29 مليار دولار، إلا أن حجم العجز سيرتفع مجدداً بسبب ما تفقده الكويت من إيرادات نفطية متوقعة في ظل الأسعار المتهاوية للنفط، إذ يرشح مراقبون زيادته إلى نحو 55 مليار دولار.

من جانبه، أجاب الخبير في العقود النفطية العالمية من واشنطن، مروان حامد، عن سؤال طرحته "العربي الجديد" حول اتجاهات أسعار النفط خلال الفترة المقبلة قائلا إنها ستواصل الانهيار طالما استمرت أزمة تفشي فيروس كورونا، لاسيما أن التحسن المتوقع لسعر برميل النفط خلال 2020 لا يتعدى 30 دولارا وهو لن يحدث قبل أكتوبر/ تشرين الأول في حال تحسنت الأحوال فيما يتعلق بالمخزون النفطي وجائحة كورونا".

وفي وقت سابق، خفَّضت "ستاندرد آند بورز" التصنيف الائتماني السيادي للكويت من المرتبة AA إلى المرتبة AA- مع نظرة مستقبلية مستقرة للتصنيف.

وتوقعت الوكالة أن يكون للانخفاض الحاد في أسعار النفط آثارٌ اقتصادية ومالية سلبية على الكويت خلال عامَي 2020 و2021، وذلك نظراً إلى اعتمادها الكبير على صادرات النفط والغاز.

 

الإمارات... خيبة أمل

بينما تنتظر الإمارات، التأثيرات لاتفاق "أوبك +"، جاء انهيار أسعار النفط الأميركي ليعيد حالة التشاؤم المسيطرة على الاقتصاد الإماراتي الذي يشهد مرحلة ركود غير مسبوقة.

وتكبد الاقتصاد الإماراتي خسائر فادحة نتيجة تفشي فيروس كورونا بسبب توقف السياحة التي تعتبر من أهم الإيرادات في الدولة (خصوصا إمارة دبي) فضلا عن الإيرادات النفطية لإمارة أبوظبي، والخدمات اللوجستية وتجارة التجزئة والعقارات، بالإضافة إلى عشرات الآلاف الذين خسروا وظائفهم خلال شهر مارس/ آذار الفائت.

ويقدّر الخبير الاقتصادي الإماراتي، راشد العيسى، في حديثه لـ"العربي الجديد" الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الإماراتي بأكثر من 52 مليار دولار منذ أزمة تفشي فيروس كورونا في العالم، وأشار إلى أن الحكومة الإماراتية تأخرت كثيرا في إقرار إصلاحات اقتصادية سريعة من أجل طمأنة المواطنين والمستثمرين.

 

قطر وسلطنة عمان

لم تفلت كل من قطر وسلطنة عمان من تداعيات تهاوي أسعار النفط ولكن بدرجة أقل وخاصة أن الأولى تعتمد على إيرادات الغاز بالدرجة الأولى والذي زاد عقب تهاوي النفط الأميركي، حيث قفزت العقود الآجلة الأميركية للغاز حوالى 10% يوم الاثنين، مسجلة أعلى مستوى لها في 6 أسابيع.

ومن جانبها، قامت سلطنة عمان الأحد الماضي، بتخفيض ميزانيتها بقيمة 1.3 مليار دولار بسبب إجراءات مكافحة انتشار فيروس كورونا وتحقيق الاستقرار للاقتصاد العماني، ووجهت وزارة المالية جميع الجهات الحكومية إلى تقليص ميزانيات التنمية 10% كخطوة أولى، لمعالجة الأزمة الاقتصادية.

تحدث الخبير الاقتصادي، محمد الريامي، لـ "العربي الجديد" من سلطنة عمان، قائلا إن هناك تأثيرا لانخفاض أسعار النفط الأميركي على أسعار خام برنت الذي يتم التعامل به في المنطقة العربية، إلا أن هذا التأثير لن يكون كبيرا على عمان التي أقرت إصلاحات اقتصادية خلال السنوات العشر الأخيرة وقامت بتنويع مصادر الدخل.

وأكد الريامي أن اتفاق "أوبك +" لن يحقق التأثير المطلوب في ظل الكساد الاقتصادي، وتعليق حركة الطيران وتوقف الصناعة وحظر التجول في معظم بلدان العالم.

وبالنسبة للبحرين فقد اضطرت إلى اقتراض نحو مليار دولار، لسداد سندات بلغت أجل الاستحقاق في نهاية آذار، بعد أن علّقت المنامة خططها لإصدار سندات دولية بسبب ظروف السوق السيئة.

ويرى خبراء اقتصاديون أن الخيارات أمام حكومة البحرين أصبحت محدودة الأن، إما أن تضاعف حجم الاقتراض لتسديد الرواتب وسد عجز الموازنة، ومن ثم تضاعف حجم الدين العام، أو تلجأ إلى خيار فرض ضرائب جديدة، وهو صعب في الوقت الحاضر بسبب ما تواجه من آثار لتفشي فيروس كورونا.

وأعلنت البحرين أنها ستخفض إنفاق الوزارات والهيئات الحكومية بنسبة 30 في المائة لمساعدة الحكومة على اجتياز تداعيات تفشي فيروس كورونا.