انهيار أسعار النفط يهدد بإفلاس دول وشركات ويخلق مليارديرات

انهيار أسعار النفط يهدد بإفلاس دول وشركات ويخلق مليارديرات

22 ابريل 2020
هبوط النفط عالمياً يستفيد منه بعض الدول (فرانس برس)
+ الخط -
تكتب جائحة "كوفيد 19" تاريخاً جديداً لصناعة النفط العالمية التي تدحرجت نحو أكبر انهيار في تاريخها، مع السقوط العمودي لأسعار الخام الأميركي، خام غرب تكساس، إلى أقل من دولار للبرميل لعقود مايو/أيار في تعاملات الاثنين.

يحدث هذا الانهيار التاريخي بسبب تسابق شركات النفط الصخري على بيع خاماتها المنتجة، وسط قرب امتلاء الخزانات النفطية بمنطقة كوشينغ بولاية أوكلاهوما، حيث يتم تسليم الخامات النفطية الأميركية.

ومن المتوقع أن يقود الانهيار إلى تغييرات جذرية في مستقبل الصناعة، وربما يحدد مستقبل أنظمة سياسية ومستقبل عمليات الكشوف والاستخراج للنفوط المكلفة لسنوات، إن لم ينهها كلياً ويخرجها من السوق. ولكن رغم فداحة الكارثة النفطية، فإن هنالك من سيخرجون منها أثرياء. 

وتعود الأزمة التي تمر بها الصناعة النفطية إلى انتكاستين خلال العام الجاري، وهما تفشي فيروس "كوفيد 19" الذي أدى إلى إغلاق العديد من الاقتصادات الكبرى المستهلكة للنفط، وبالتالي ضرب الطلب العالمي على الخامات. والثانية، الحرب النفطية بين موسكو والرياض التي أدت إلى هبوط الأسعار بين عشية وضحاها من فوق 50 دولاراً إلى 33 دولاراً.
ويرى محللون نفطيون بمركز كولومبيا، أن انهيار الطلب النفطي العالمي تجاوز صفقة "أوبك+" الأخيرة التي خفضت بموجبها الإنتاج بـ10 ملايين برميل يومياً (يفترض أن يبدأ التخفيض بموجب الاتفاق في مايو/أيار المقبل)، وأنهى عملياً الجهود التي بذلها الرئيس دونالد ترامب لإنقاذ الصناعة النفطية خلال الشهر الماضي.

يقول خبراء نفط، إن الطلب العالمي المفقود في معادلة السوق النفطية ووجود سعات تخزينية للخامات المعروضة بكميات ضخمة باتت تحدد أسعار الخامات وليس "أوبك +"، حيث إن العديد من الدول النفطية الكبرى مثل السعودية وروسيا وشركات النفط الصخري الأميركية ستضطر لإغلاق بعض آبارها بسبب عدم وجود مشترين، فالقضية في السوق النفطي لم تعد قضية أسعار، وإنما قضية عدم وجود طلب ومشترين وسعات تخزينية للخامات المنتجة.

في هذا الشأن قال الخبير النفطي بمصرف "سوسييتيه جنرال" الفرنسي، كت جيكز، في تعليقات نقلتها صحيفة "فاينانشيال تايمز" يوم الاثنين، إن "هنالك الكثير من النفط المعروض ولا توجد مساحات تخزين". من جانبه يقول أوليفر جاكوب من شركة" بتروماكس"، إن "الحدث الأكبر بالسوق النفطية حالياً، هو تحطم الطلب بسبب تفشي الفيروس".
لكن وسط هذا الركام من ضحايا انهيار الخامات النفطية، يوجد رابحان، هما تجار النفط والصين. تجار النفط الذين حضّروا مسبقاً سعات تخزينية في آسيا وجزر الكاريبي، وحتى في بعض المناطق الأفريقية سيجدون أنفسهم في وضع مريح للمضاربة على الأسعار وتحديد توجهات السوق النفطية.

واستأجر تجار نفط وشركات وسيطة سعات تخزينية بجزيرة برمودا كانت تستخدمها شركة النفط الفنزويلية قبل تشديد الحظر عليها، بينما تسعى شركات غربية لاستئجار خزانات نفطية في المغرب كانت تستخدمها شركة كورال المملوكة لرجل الأعمال السعودي حسين العمودي وأفلست قبل ثلاث سنوات.

ومن المتوقع أن تحقق شركات الحاويات النفطية وشركات الوساطة والبنوك الاستثمارية التي تتاجر في النفط أرباحاً طائلة من الفوارق السعرية بين عقود الخامات النفطية في السوق الفوري والآجل، وبين عقود مايو والعقود الآجلة حتى شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الذي يقابل فترة الشتاء.

في هذا الصدد، قالت شركة يوروناف، كبرى شركات حاويات النقل النفطي المسجلة في سوق نيويورك المالي، في بيان نتائجها المالية التي نشرتها على موقعها، إن "الطلب القوي على تخزين الخامات أسهم في انتعاش سوق الشحن النفطي وتعزيز دخلنا المالي".

ويلاحظ أن المضاربين على العقود النفطية، جهّزوا حاويات نفطية عملاقة وسعات تخزينية أرضية في وقت مبكر، وبالتالي أصبحوا من كبار المتربحين من هذه الكارثة.

ويرى محللون، أن كارثة انهيار السوق النفطية قد تخلق العديد من المليارديرات الجدد بسبب تحكم تجار المضاربات في تحديد توجهات السوق.

ويلاحظ أن الفارق بين أسعار خامات غرب تكساس لعقود مايو التي بيعت بأقل من دولار وبين عقود يونيو/حزيران التي تتم المتاجرة فيها بنحو 22 دولاراً، تحقق أرباحاً طائلة لأصحاب الحاويات العائمة في البحار.
واقتنصت بعض الشركات المتخصصة في تجارة الخامات النفطية منذ أكثر من شهرين، ونشطت في استئجار السفن الضخمة التي تصل حمولتها إلى مليوني برميل ومساحات التخزين المهجورة في العالم، على أمل شراء النفط الرخيص في السوق الفوري، وبيعه مستقبلاً حينما تنتهي جائحة " كوفيد 19" لتحقيق أرباح طائلة.

ومنذ نهاية مارس/آذار الماضي، ارتفعت قيمة إيجار الحاويات النفطية الضخمة التي تحمل مليوني برميل نفط إلى 180 ألف دولار في اليوم بدل 125 ألف دولار.

وقال رئيس أبحاث الناقلات النفطية في آسيا بشركة "باريمار آي سي أم"، آنوب سينغر، إن إيجار الحاويات النفطية ارتفع إلى 170 ألف دولار في اليوم في آسيا خلال الشهر الماضي.

وحسب تحليل لخبير الطاقة بمركز كولومبيا للسياسات العالمية للطاقة، أنتوني هالفف، فإن نحو 5 شركات وساطة نفطية أجرت مساحات تخزين أرضي للخامات النفطية من شركة النفط الوطنية بكوريا الجنوبية سعتها 50 مليون برميل. ولدى شركة النفط الوطنية الكورية سعة تخزين نفطي تقدر بنحو 106 ملايين برميل.

وحسب شركة كيبلر الأميركية لرصد الشحنات النفطية، كانت لدى العالم سعات تخزينية غير مستخدمة تقدرها شركة بيرنستين المصرفية الأميركية بنحو 1.8 مليار برميل، لكن مصرف "يو بي أس" السويسري يقدر السعة المتاحة لتخزين النفط في العالم بنحو 900 مليون برميل يومياً، حسب تقرير لرويترز في مارس الماضي.

ويرجع الانهيار المتسارع في أسعار النفط الأميركي، خام غرب تكساس في جزء كبير منه إلى قرب امتلاء سعات التخزين بمنطقة كاشينغ بولاية أوكلاهوما، وهي نقطة تسليم عقود خام غرب تكساس. ويقدر حجم المخزونات العائمة في البحار حالياً بنحو 160 مليون برميل من الخامات.
أما الرابح الثاني من انهيار أسعار النفط، فهو الصين التي تتوسع منذ مدة في تخزين الخامات النفطية تحسباً لحدوث توتر في مياه الخليج يحرمها من استيراد النفط العربي والإيراني. ولدى الصين خزانات استراتيجية للخامات النفطية تقدر شركة كايروس الأميركية سعتها بنحو مليار برميل.

ويشير التحليل الذي نشره الخبير النفطي هالف على موقع مركز كولومبيا للسياسات العالمية للطاقة، إلى أن الصين أضافت إلى مخزونها الاستراتيجي من النفط في أسبوع واحد 32 مليون برميل بين 22 فبراير/شباط والأول من مارس، أي نحو 4 ملايين برميل يومياً.

ومنذ منتصف ديسمبر/كانون الأول رفعت الصين مخزوناتها من النفط بنحو 56 مليون برميل. واستفادت الصين من رخص الأسعار ومن الخصم السعري الذي عرضه المشترون.

وتتوقع شركة كايروس الأميركية أن ترفع الصين حجم مخزوناتها النفطية بنحو 100 مليون برميل يومياً خلال العام الجاري. لكن محللين يرون أن هذا الرقم ربما يكون قليلا جداً مقارنة بمعدلات الصين الاستهلاكية المتوقعة في المستقبل، وقدرتها الشرائية المدعومة بأكثر من 3 تريليونات دولار من الاحتياطات الدولارية.
وعدا الصين وشركات الشحن البحري والخزانات النفطية، فإن صناعة النفط العالمية التي يقدر دخلها في الكشوفات والاستخراج وحده بنحو 3.3 ترليونات دولار في العام الماضي، ستتكبد خسائر ضخمة خلال الشهور المقبلة، وربما ستفلس مئات الشركات في أوروبا وأميركا.

وتعد صناعة النفط من أكبر الصناعات في العالم، حيث إن المتاجرة فيها تشكل جزءاً كبيراً من مؤشرات أسواق المال، كما تؤثر على سعر صرف الدولار الذي تباع به، ولها تداعيات مباشرة على التدفقات النقدية لدى البنوك التجارية في المراكز المالية بأوروبا وآسيا.

المساهمون