خيارات محدودة لإنقاذ النفط... انهيار الطلب وكورونا يشلان "أوبك+"

خيارات محدودة لإنقاذ النفط... انهيار الطلب وكورونا يشلان نفوذ "أوبك+"

23 ابريل 2020
عقدت "أوبك" وبعض حلفائها محادثات بلا نتيجة (فرانس برس)
+ الخط -


مع الانهيار المدوّي لسعر النفط إلى قيمة سالبة لا سابق لها في التاريخ، يوم الإثنين، قبل أن يتعافى سعر الخام الأميركي الخفيف إلى فوق الصفر يقابله تراجع لافت لخام برنت القياسي الأوروبي، يوم الثلاثاء، بدا أن نفوذ الدول المنتجة، وفي طليعتها "منظمة الدول المصدرة للبترول" (أوبك) وحلفاؤها، قد أُصيب بالشلل.

تقرير صادر عن شبكة "بلومبيرغ" الأميركية لاحظ أن أكثر محاولة طموحة على الإطلاق لإنقاذ صناعة النفط العالمية قد اجتاحتها موجة وحشية من تدمير الطلب على البترول، وتمثل ذلك قبل أقل من أسبوعين، بتوافق أكبر منتجي العالم على خفض الإنتاج أملاً في الدفاع عن أسواق الطاقة ضد ويلات تفشي فيروس كورونا، في صفقة سهّلتها ضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

لكن رغم ذلك، فإن الهبوط التاريخي يوم الإثنين، الذي انخفضت فيه أسعار النفط الخام إلى ما دون الصفر في الولايات المتحدة، جعل "أوبك" وشركاءها يدركون بشكل مؤلم حدود سلطاتهم، لدرجة أن بعض الدول في المجموعة تبحث بشكل يائس عن أي خطوات إضافية قد تتخذها لوقف التدهور، غير أن لديها قليلاً من الخيارات، وهو ما حصل عملياً في مشاورات أُجريت بين بعض المنتجين، يوم الثلاثاء، في محاولة لتعجيل تطبيق اتفاق خفض الإنتاج الأخير.

وفي هذا السياق، تقول رئيسة استراتيجية السلع في شركة "آر.بي.سي كابيتال ماركتس" RBC Capital Markets، هيليما كروفت، إن "أوبك+ تنخرط حالياً في محادثات جدية لإدارة الأزمة"، لكن، مع ذلك "ليس هناك الكثير مما يمكن لأوبك+ القيام به لوقف انهيار الطلب".

ومن الخيارات ما اقترحته الجزائر، التي تتولى الرئاسة الدورية لمنظمة "أوبك"، من تعجيل خفض الإمدادات الذي توافق المنتجون على أن يبدأ في الأول من مايو/ أيار المقبل، بحيث يدخل الاتفاق حيّز التنفيذ فوراً، وفقاً لثلاثة أشخاص مطلعين على الأجواء. لكن لم يكن هناك ما يشير إلى أن هذه الخطوة كانت مدعومة من قبل الأعضاء الرئيسيين في "أوبك"، أو أنها ستُحدث، في حال القيام بها، فرقاً كبيراً في هذه المرحلة.

وبالفعل، نقلت وكالة "رويترز" عن مصدر، أن المؤتمر الهاتفي، الذي عُقد يوم الثلاثاء، شاركت فيه دول أعضاء من "أوبك" هي الجزائر ونيجيريا وفنزويلا والعراق، إلى جانب عضوين من خارج المنظمة هما كازاخستان وآذربيجان، بينما لم يشارك فيه منتجون رئيسيون كالسعودية والإمارات والكويت، ولم يكن متوقعاً أصلاً أن يتخذ قرارات، بحسب المصادر.

ومع أن تخفيضات الإنتاج التي تعهدت بها "أوبك+" كانت كبيرة تاريخياً، فهي أقل بقليل من 10 ملايين برميل في اليوم أو حوالى 10% من العرض العالمي، إلا أنها تتضاءل تماماً قياساً بضخامة خسارة الطلب. إذ وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، سينخفض الاستهلاك بمقدار 29 مليون برميل يومياً في إبريل/ نيسان الجاري، اي أكثر من كل الخام الذي يضخه أعضاء "أوبك" الـ13.

الرئيس التنفيذي السابق لشركة النفط الإيطالية "إيني إس.بي.إيه" Eni SpA، باولو سكاروني، قال عن اتفاق "أوبك+" في مقابلة تلفزيونية مع "بلومبيرغ": "لقد فات الأوان، الاتفاق كان إنجازاً بسيطاً للغاية".

فقدان السيطرة

في حين قالت السعودية وروسيا، الأسبوع الماضي، إنهما "على استعداد لاتخاذ مزيد من الإجراءات" إذا لزم الأمر، فإن من غير الواضح ما إذا كانت لديهما فعلاً الشهية، أو القدرة، على التعمّق أكثر في الوقت الحالي.

إذ إن الاتفاق الحالي يتطلب تضحيات كبيرة من الرياض، وتقليص إنتاجها إلى أدنى مستوياته منذ عام 2011، ومن المحتمل أن تقدّم لمنافسيها في قطاع النفط الصخري الأميركي شريان حياة بارتفاع الأسعار، إذا حصل.

وبالنسبة لبقية المنتجين المنخرطين في الاتفاق، مثل روسيا والعراق، فمن غير المؤكد إلى حد كبير، ما إذا كانوا سينفذون حتى قيود العرض الطموحة المتفق عليها أصلاً، ناهيك عن الالتزام بمزيد من التخفيضات، لا سيما أنه كان للمصدرين سجل حافل في تنفيذ اتفاقيات "أوبك+" على مدى السنوات الثلاث المنصرمة.

وبدلاً من تكثيف جهودها، قد تحتاج "أوبك" وشركاؤها ببساطة إلى الالتزام بالخطة المتفق عليها والتغلب على العاصفة، بحسب "بلومبيرغ"، بما سيؤدي إلى تحميل عبء التعديل على المنتجين الآخرين، مثل الولايات المتحدة والبرازيل وكندا، الذين عرضوا حتى الآن على "أوبك+" أكثر بقليل من الدعم المعنوي.

وفي هذا الإطار، يقول محلل النفط في "مورغان ستانلي"، مارتين راتس، في مقابلة تلفزيونية مع "بلومبيرغ": "لقد وصلنا إلى المرحلة التي يكون فيها هذا بعيداً من سيطرة أي شخص"، مضيفاً: "لا توجد مجموعة من المورّدين يمكنها تعويض ذلك من خلال تخفيضات الإنتاج".

الأسوأ على الطريق

التدهور الدراماتيكي لأسعار النفط تخلله انخفاض خام "برنت" في لندن إلى أدنى مستوياته منذ 21 عاماً تقريباً، حيث انحدرت عقوده الآجلة، تسليم يونيو/ حزيران، إلى نحو 17 دولاراً، بينما فقد خام غرب تكساس الوسيط في نيويورك نصف قيمته تقريباً، يوم الثلاثاء، بينما تستمر الأسعار في الانهيار وسط مخاوف من أن التخمة الهائلة التي دفعت برميل غرب تكساس إلى أدنى مستوى عند ناقص 40.32 دولاراً، يوم الإثنين، سوف تزداد سوءاً.

وتراجعت أسعار العقود الآجلة لخام برنت تسليم يونيو/ حزيران ظهر أمس الأربعاء بنسبة 11.05% أو 1.83 دولار إلى 17.72 دولاراً للبرميل مدفوعة بالمخاطر الاقتصادية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا، وأثرها في ضعف الطلب على الخام. بينما تراجعت أسعار العقود الآجلة للخام الأميركي غرب تكساس الوسيط بنسبة 0.7% أو 12 سنتاً إلى 11.4 دولارا للبرميل.

ومع انسحاق الطلب العالمي بسبب عمليات الإغلاق التي فرضتها إجراءات مكافحة انتشار فيروس كورونا، فإن المخاوف من أن النفط غير المرغوب فيه سوف يربك سعات التخزين ما قد يتسبب في موجة بيع عارمة، وهذا عملياً ما دفع ببعض وزراء الطاقة في تحالف "أوبك+" إلى عقد مؤتمر هاتفي طارئ، الثلاثاء، لمناقشة الأزمة، قبل أن تنتهي المباحثات إلى طريق مسدود، حيث لم يتوصل الوزراء إلى أي تدابير جديدة، مع أن البحث تمحور حول إمكانية تبكير خفض الإنتاج المقرر سابقاً مع مطلع الشهر المقبل.

وثمة دلائل على أن الأسعار المنخفضة بشكل مذهل ستبقى كذلك ما دام الاستهلاك أقل من العرض بكثير. وفي هذا الإطار، كشفت "رويال فوباك"، أكبر شركة تخزين مستقلة في العالم، أن كل مساحتها تقريباً أصبحت مباعة، في حين قالت "كلاركسون بلاتو" إن التخزين العائم يتسارع "بوتيرة غير مسبوقة". ومن هذا المنطلق، حذر رجل الأعمال الفرنسي بيار أندورا من أن النفط قد ينخفض إلى ما دون الصفر مجدداً، ووصف وضع السوق بأنه يشكل خطراً على التجارة.

مزيد من الضحايا

وقد بدأ ظهور مزيد من ضحايا هذه العاصفة، حيث أعلنت شركة "إنترأكتيف بروكرز" Interactive Brokers LLC، خسارة مؤقتة بقيمة 88 مليون دولار، بعدما تسبب العملاء الذين يشغلون مراكز طويلة في خام غرب تكساس الوسيط عند انتهاء الصلاحية، في خسائر تتجاوز حقوق الملكية في حساباتهم.

وفي كوريا الجنوبية أيضاً، جمّد الانهيار نظام سمسرة التداول Kiwoom Securities Co، لأنه فشل في التعرّف إلى الأسعار ما دون الصفر.

الخبير الاقتصادي لدى "شركة الخدمات المصرفية الصينية عبر البحار" في سنغافورة، هاوي لي، قال لـ"بلومبيرغ" إن "سوق الطاقة بأكمله على حافة السكين، مع انزلاق برنت أيضاً"، مضيفاً أن "صندوق النفط الأميركي" في وضع صعب، ولا توجد حتى الآن إجابات بشأن التخزين أو الموعد المحتمل لتحسّن الطلب.

براميل بأقل من 10 دولارات

ومع انخفاض خام "برنت" القياسي، وهو مرجع عالمي لحوالى ثلثي الإمدادات العالمية، إلى حدود 16 دولاراً، مسجلاً أدنى مستوى منذ يونيو/ حزيران 1999، فهذا يعني أن الخامات الرئيسية الأوروبية والأفريقية، بما في ذلك "الأورال" و"بوني لايت"، ستُباع الآن بسعر يقل عن 10 دولارات، حيث يتم تداولها بحسم قياساً إلى سعر "برنت".

وتعقيباً على هذه التطورات، تقول فاندانا هاري، مؤسسة شركة "فاندا إنسايتس" Vanda Insights في سنغافورة: "لا أحد يعرف أين هو القاع"، فقد تكون هناك جولة أُخرى من الانهيار إذا أظهرت بيانات تقييم الأثر البيئي زيادة مفرطة في مخزونات النفط.