جمعيات القرى والبلدات المهجرة: حراس حق العودة

جمعيات القرى والبلدات المهجرة: حراس حق العودة

15 مايو 2023
تتكرر الجولات في القرى والبلدات الفلسطينية المهجرة (ناهد درباس)
+ الخط -

رغم مرور 75 عاماً على النكبة، وتهجير أهالي مئات القرى والبلدات والمدن الفلسطينية، لا يزال الأهالي يورثون حب مسقط رأسهم لأبنائهم وأحفادهم جيلاً بعد جيل عبر العديد من الوسائل، ومن بينها إنشاء جمعيات أهلية تحمل أسماء المدن والبلدات، هدفها ترسيخ حق العودة في الذاكرة.
ويؤكد مسؤولون عن ملف اللاجئين الفلسطينيين أن جمعيات القرى والبلدات تقوم بدور هام في تعزيز الروابط الاجتماعية بين أجيال المهجرين، خصوصاً الأجيال الشابة، وأنها تقوم بدور مشابه لأدوار المؤسسات القائمة في مخيمات اللجوء.
يحاول القائمون على جمعية قالونيا الخيرية، والتي تحمل اسم قرية قالونيا المهجرة الواقعة شمال غربي القدس، ترسيخ حب البلدة في النفوس من خلال أنشطة ثقافية تشمل ندوات ومحاضرات، ولقاءات تجمع الصغار بالكبار، وإصدار كتب عن البلدة.
ويؤكد رئيس الجمعية، عزمي الخطيب لـ"العربي الجديد"، أنها تقيم فعاليات عديدة في مقراتها المنتشرة بين مدينة البيرة الملاصقة لمدينة رام الله، أو في دول اللجوء، وخصوصاً الأردن والولايات المتحدة الأميركية، موضحاً أن تلك الفعاليات تزيد من تماسك الأهالي، وهم من عائلات عدة، وصولاً إلى تكريم الطلبة المتفوقين في مختلف المراحل التعليمية.
يضيف الخطيب أن "الفعاليات التي تقام بمقار الجمعية مهمة، خاصة في ظل تنامي عدد الأهالي، والذين كانوا وقت النكبة نحو ألف شخص، ويتجاوز عددهم حالياً 15 ألف نسمة، وهم يسكنون في البيرة، وفي القدس، وفي بلدة الرام شمالي القدس، وفي أريحا، ونابلس، وكثيرون آخرون في الشتات، ونحرص على إشهار المناسبات، الحزينة والسعيدة على حد سواء، عبر صفحة الجمعية في موقع فيسبوك، وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي كي يزيد الترابط".
وينظم الأهالي عبر جمعية قالونيا، في 12 إبريل/نيسان من كلّ عام، فعالية لإحياء ذكرى النكبة، وتهجيرهم من قريتهم، كما تشارك الجمعية بالفعاليات الوطنية لإحياء ذكرى النكبة، وهي عضو مؤسس في لجنة أهالي القدس المهجرة التابعة لمحافظة القدس، ولا تنسى الجمعية تكريم المرأة والأطفال خلال مهرجان سنوي في شهر مارس/آذار من كلّ عام، بينما الفعاليات الأهم هي تنظيم رحلات إلى قريتهم المهجرة التي أقيم على أرضها خمس مستوطنات.

يقول عزمي الخطيب، إنّ "أهالي قالونيا يتوارثون عادات كانوا يقومون بها قبل تهجيرهم من بلدتهم، فالجمعية تواصل تنظيم إفطارات جماعية في شهر رمضان، لإحياء عادة تجمع عائلات القرية قبل النكبة، كما تحاول الجمعية الحفاظ على عادة زفة العريس بالخيل، علاوة على الحفاظ على فرقة الكشافة، والنادي الرياضي، وفرقة الدبكة".

الصورة
ينقل الأجداد مفاتيح العودة إلى الأحفاد (عبد الرحيم خطيب/Getty)

ذات الدور تقريباً تقوم به "جمعية اللد الوطنية"، ويؤكد عضو الهيئة الإدارية للجمعية، أحمد أبو عبدو، لـ"العربي الجديد"، أنه ينتمي إلى فرع مخيم الأمعري بمدينة البيرة، وهو فرع من بين سبعة فروع للجمعية التي تسعى إلى ترسيخ حب مدينة اللدّ، يوضح أبو عبدو أنّ "جمعية اللدّ تكرر تنظيم رحلات إلى المدينة المهجرة لهدفين؛ الأول هو ترسيخ الوعي بأهمية المدينة بين المهجرين منها وأولادهم وأحفادهم، والثاني لضمان تفاعل الأهالي فيما بينهم، علاوة على فعاليات أخرى كالمخيمات الصيفية للأجيال الصغيرة، وفعاليات للفرق الكشفية التي تشارك في المناسبات العامة، ومن بينها فعاليات إحياء ذكرى النكبة، كما لا تنسى الجمعية الاهتمام بالعائلات المحتاجة عبر توفير تبرعات يقدمها أهالي اللد أنفسهم".

في العشرين من أكتوبر/تشرين الأول 1948، هجر أهالي قرية لفتا، وهي واحدة من 40 من قرى وبلدات القدس المهجرة، لكن الأهالي يواصلون جهودهم لترسيخ حب قريتهم في نفوس الأجيال الجديدة من خلال جمعية لفتا الخيرية، والتي كانت تحمل اسم جمعية "حماية الأسرة والطفولة" بسبب تضييقات الاحتلال قبل إنشاء السلطة الفلسطينية.
ويؤكد رئيس الجمعية، خالد البجة، لـ"العربي الجديد"، أن "الجمعية تحمل اسم القرية المهجرة حتى يبقى في الأذهان حق العودة إليها رغم وصول الأجيال المهجرة إلى الجيل الثالث، فرغم مرور 75 عاماً، يحافظ الأهالي إلى حد ما على عاداتهم وتقاليدهم في الأفراح والعزاء والمناسبات العامة".

تحرص جمعية لفتا على تنظيم فعاليات وطنية، ومخيمات صيفية، ورحلات إلى قريتهم المهجرة، ويزيد إصرارهم على زيارتها، بخاصة ممن يحملون الهوية المقدسية، أنّ منظمة يونسكو صنفت القرية قبل عدة سنوات باعتبارها "منطقة تراث عالمي يمنع هدمها".

ويرى منسق اللجنة الوطنية لإحياء ذكرى النكبة، محمد عليان، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن فكرة وجود أسماء البلدان المهجرة على شكل جمعيات جزء من ترسيخ حق العودة. ويؤكد عليان، وهو أيضاً مدير الإدارة العامة للمخيمات في دائرة شؤون اللاجئين الفلسطينية، أنه يتم تقديم الدعم اللوجستي، ويجري التنسيق مع تلك الجمعيات بشكل دوري، خاصة في الفعاليات التي تتعلق بحق العودة، أو إحياء ذكرى النكبة.

بدوره، يؤكد رئيس تجمع أهالي القرى والمدن الفلسطينية المهجرة، عمر عساف، لـ"العربي الجديد"، أن تلك الجمعيات مهمة للحفاظ على العادات والتقاليد، وأن دورها يتفاوت بين جمعية وأخرى بحسب تفاعل الأهالي، لكنها تساهم في ترابط اللاجئين الذين هجروا من نحو خمسمائة مدينة وبلدة وقرية. يضيف: "كان المهجرون في عام 1948، نحو 750 ألفاً، وانتشروا في لبنان وسورية والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة، ووصل العدد حالياً إلى نحو 8 ملايين لاجئ، من بين نحو 15 مليون فلسطيني.

الصورة
يشارك فلسطينيون من كل الأجيال في إحياء ذكرى النكبة (ناصر اشتيه/Getty)

ورغم حاجتها إلى التمويل لمواصلة عملها، إلا أن تلك الجمعيات تحافظ منذ تأسيسها على تمويل فعالياتها وأنشطتها ذاتياً، ويوضح رئيس جمعية قالونيا الخيرية، عزمي الخطيب، أن التمويل يتم من خلال المقتدرين من أهالي البلدة أو المدينة المهجرة، إضافة إلى الاشتراكات السنوية.
ويؤكد رئيس جمعة لفتا الخيرية، خالد البجة، أن تمويل الفعاليات يكون من خلال أعضاء الهيئة العامة، والمتبرعين من أهل البلد، كما أن الجمعية تقدم العون للفقراء ومن يحتاجون الدعم.
ويقول عمر عساف إن "إصرار الجمعيات على أن يكون التمويل ذاتياً من خلال الاشتراكات السنوية لأعضائها، أو من خلال المغتربين المقتدرين من أهالي البلدات والمدن، وعدم اللجوء إلى تمويل المؤسسات الرسمية وغيرها، يرجع إلى الحرص على أن تكون الجمعيات مستقلة، خاصة مع وجود تباينات سياسية".
ويشدد مدير المكتب التنفيذي للاجئين التابع لمنظمة التحرير  الفلسطينية، ناصر شرايعة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، على أن "عدم وجود دعم مالي لتلك الجمعيات سببه قلة موارد السلطة الفلسطينية ودائرة شؤون اللاجئين التابعة لها، والتي تمول اللجان الشعبية في المخيمات، بينما جهة الاختصاص بالجمعيات هي وزارة الداخلية".

ويضيف شرايعة: "تستكمل جمعيات القرى المهجرة دور المخيمات في الحفاظ على حق العودة، ورعاية شؤون اللاجئين الذين يعيشون خارج المخيمات، وهي حارسة حق العودة، وتعمل على توثيق ما جرى خلال النكبة. يتم التنسيق مع تلك الجمعيات لتزويدها بالمواد الإعلامية، ويشارك ممثلون عنها في اجتماعات إحياء ذكرى النكبة".
ويقول وكيل دائرة شؤون اللاجئين، أنور حمام، لـ"العربي الجديد"، إن الدائرة تقدم مساعدات منتظمة ومصاريف تشغيل لمراكز المرأة والإعاقة والشبان واللجان الشعبية في المخيمات، لكن الدعم غير منتظم لأن الدائرة ليست جهة اختصاص، وتلك الجمعيات يتم ترخيصها في وزارة الداخلية. موضحاً أن "جمعيات القرى والمدن المهجرة مهمة لإنعاش الذاكرة الوطنية، والروابط العائلية والاجتماعية، وهناك نقاش جدي مع الجهات المختصة لجعلها تابعة للدائرة، كونها مسؤولة عن ملف اللاجئين، علاوة على تمتين مجتمع اللاجئين عبر الحصول على قواعد بيانات تخص اللاجئين من كافة المؤسسات".

المساهمون