أطفال النكبة... قصصٌ من الماضي في فلسطين

أطفال النكبة... قصصٌ من الماضي في فلسطين

بيروت
صمود غزال
صمود غزال
صحافية فلسطينية لاجئة في لبنان. من فريق موقع العربي الجديد قسم السياسة.
16 مايو 2023
+ الخط -

أثقلت أحداث النكبة الفلسطينية وما تبعها كاهل أجيال تلك الفترة. منهم من طردته العصابات الصهيونية كهلاً فتوفي في مخيمات اللجوء، ومنهم من هجّر في شبابه. وهناك الأطفال الذين خرجوا من فلسطين سيراً على الأقدام أو حملهم أهلهم على أكتافهم خوفاً من القتل. جميعهم احتفظوا بذكرياتهم عن فلسطين ولا يزالوا متمسكين بالأمل بالعودة.
تحكي الحاجة حمدة (أم مصطفى) القاطنة في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين (جنوب بيروت) لـ "العربي الجديد" عن طفولتها في فلسطين، قائلة: "ولدتُ عام 1935 في دير القاسي أي الجليل (شمال فلسطين)، بس بعرفش (لكن لا أعلم) أديش (كم) صار عمري، بس أنا خلقت (لكنني ولدتُ) قبل النكبة بـ 14 عاماً". تضيف: "كنتُ أعيش برفاهية بفلسطين. وكنا نملك أكثر من بيت، وكان الناس في ذلك الوقت سعداء ومرتاحين. لم يكن أحد في بلدتنا يشتري القمح أو الدخان. كنا نأكل من رزقنا وأرضنا". وتحرصُ على التذكير بفرح بأن "أرضنا طيبة وحياتنا جميلة وأهلنا أهل الكرم".
وعن أهل بلدتها، تقول: "لم يكن أحد من بلدتي يشتري الزيت والزيتون. ومن فاض لديه من المحاصيل يوزعها على الآخرين. وكانت شتلات القمح طويلة". وتتحدث كثيراً عن كرمهم. "في الأعراس، كانوا يدعون البلدات المجاورة ويقدمون الذبائح. كما يحمصون القهوة ويدقونها على المهباج (جرن خشبي لطحن القهوة) تعبيراً عن اهتمامهم بالضيوف". تتابع: "كنا ثمانية أفراد في البيت، 5 شباب و3 فتيات". وتضحك قبل أن تتابع: "أنا الختيارة بينهم. أنا الأكبر سناً".
تنظر إلى بيتها في المخيم، وكأنها تقارن بينه وبين ذلك الذي ولدت فيه بفلسطين. وتقول: "بيتنا لم يكن كذلك. كان كبيراً وتراثياً شيّد بحجارة صخرية. وكنا نملك حظيرة للحيوانات وغرفة خاصة بالمونة، وأمامه ساحة كبيرة حيث كنا نخبز". تنتقل إلى وصف بلدتها: "كانت عبارة عن حارتين شرقية وغربية، وكان بيتنا بالحي الغربي. وهناك نبع الحبيب وبركة كبيرة يستخدمونها لسقي شتلات الدخان". وتذكر بعض أسماء الأراضي التي كانت تحيط بالبلدة، وهي البياضة، النبعة، أرض عكبرة، أبو فاروعة، فسوطة، الحرايق، أبو رابي، وأبو فولة.

الصورة
ولدت ناهدة وهبة عام 1941 (العربي الجديد)
ولدت ناهدة وهبة عام 1941 (العربي الجديد)

الحديث عن طفولتها يُترجم فرحاً على ملامحها. تقول: "في طفولتي، كنت ومجموعة من الفتيات نذهب إلى البيادر ونرقص الدبكة. كنا نرقص ونغني ونمرح". تضيف: "كانت العائلات تجلس بين الأشجار. ينصب الصغار المراجيح فيما يعدّ الكبار الطعام ويتشاركونه. أما دق الكبة فكان منوطاً بالفتيات وتسمى كبة البنات. وبعد إعدادها، ينادي الشبان لتناولها". تصمت قليلاً ثم تقول: "لم نتعلم نحن البنات. لم تكن هناك مدرسة للبنات في بلدتنا. أما الصبيان، فكانوا يتعلمون في بيت ثم جرى بناء مدرسة قبل النكبة. وعند الانتهاء من بنائها، قصفها اليهود واتخذ منها جيش الإنقاذ معسكراً له. ويبقى الكلام
قليلاً مقارنة بالتفاصيل الكثيرة عن حياتنا في فلسطين".
يأخذها الحنين إلى طفولتها وقمح بلدتها. "لما كانوا يحصدون القمح، كانوا يكدسونه فوق بعضه البعض ليصير هرماً، ثم يحين وقت فصل الحبوب عن القشر. لهذا، يجلبون لوحاً كبيراً ويربطونه بحصان أو بغل ليبدأ الدوران. وكنا نتسابق للجلوس على ظهر الدابة".

تقارير عربية
التحديثات الحية

ولا تزال تذكر ساعات خروجهم من فلسطين، ويصعب عليها نسيان الأمر. "رأيت ما حدث في مسلسل التغريبة الفلسطينية. رأيت لجوءنا. الناس تحمل البقجة أو الزيت على رأسها وتمسك أولادها". تضيف: "خفنا بعد المجازر ومنها دير قاسم والصفصاف، لكن لم نتخيل أن نختبر كل ما عشناه". وتختم حديثها قائلة: "أريد أن أعود إلى فلسطين حتى لو كانت بيوتنا مدمرة. يمكننا العيش داخل الشوادر ثم نبني كل شيء من جديد. الوطن أغلى من الولد. من ترك بلده أضاع كل شيء". وتذكر ما قالته غولدا مائير (رابع رئيسة وزراء للحكومة الإسرائيلية بين 17 مارس/ آذار 1969 حتى 1974) باستهزاء: "الكبار يموتون والصغار ينسون. لم نمت ولا يزال أولادنا يقاومون. وإن لم يكن على زمننا، سنعود على زمن أولادنا أو أحفادنا. الأكيد أننا سنعود".

الصورة
ولدت الحاجة حمدة عام 1935 (العربي الجديد)
ولدت الحاجة حمدة عام 1935 (العربي الجديد)

ذكريات الحاجة أم مصطفى تتشابه مع ما تقوله حسنية أحمد غزلان، القاطنة في مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين (جنوب بيروت). ولدت عام 1936 وتتحدر من قرية الياجور الواقعة على سفح جبل الكرمل قضاء حيفا (شمال فلسطين). تقول الحاجة حسنية (أم محمد) لـ "العربي الجديد": "كنت صغيرة حين خرجنا من فلسطين. سرت مع الناس الذين ساروا. صعدنا  جبالاً حتى وصلنا إلى لبنان بعد المجازر التي شهدناها. كنا واليهود جيرانا. لم تكن هناك مشاكل. لكن حين قدم الغربية (الأغراب)، تغير كل شي. اليهود كانوا ينامون تحت شجرة التين". لا تزال تذكر شجرتي التين. وتقول: "كانت لدينا شجرتا تين. وكان لون ثمرة الرمان شديد الحمرة ولم أر مثله في حياتي". تضيف: "كان أبي يزرع الأرض، وكنا نملك كل شيء: زيتون وتين ورمان". وتستذكر والدها قائلة: "كان والدي مزارعاً بارعاً". تتحدث عن بيتها المكون من ثلاث غرف ودار كبيرة. كان والدها قد خصص غرفة لحفظ زيت الزيتون وتخزينه. لا تزال تذكر شبابيك بيتها وشبابيك الجيران المطلة على دكان قريب من منزلها وحاراتها. تضيف: "كنا نذهب لتعبئة المياه. وكان النبع قريبا من منزل شقيقتي الثانية، وكانت متزوجة وتسكن على مقربة منه". تُتابع: "كنت أذهب إلى البستان. وكنا نزرع العديد من الخضار، كالباذنجان والقرنبيط والخس والخضار".  

من جهتها، تتحدث ناهدة وهبة التي ولدت عام 1941، وتتحدر من بلدة سعسع قضاء صفد (شمالي فلسطين)، عن طفولتها. وتقول إنها تعلمت قراءة الأحرف والتوقيع باسمها من خلال معلمة. تقول لـ "العربي الجديد" إنها "من أسرة ميسورة. كنا سبعة أطفال نسكن مع أمي وأبي في بيت كبير من طبقتين". تضيف: "على مقربة من بيتنا كان مقام السيدة نفيسة. كانت البلدة مباركة وكان هناك شجرة توت هي الأكبر في البلدة. كنت ألعب وأطفال الحي". وتضحك قائلة: "حين ينزعج الجيران من أصواتنا كانوا يصرخون في وجوهنا". وتذكر لعبة كانت تتشاركها مع أبناء جيلها تسمى "الجيب" (أي الإكس - أو)". تضيف: "كنت ماهرة في إعداد الجبن والشنكليش واللبن".
تتابع: "حين تهجرنا من فلسطين، طلبت مني امرأة أن أحمل معها ابنتها، فأضعت أهلي وصرت أبكي. بقيت طويلاً إلى أن سمع أهلي صوتي بين الخيام في لبنان". وتختم حديثها قائلة: "يصعب تصديق أنه مرّ 75 عاما على اللجوء". كان هؤلاء أطفالاً عند حدوث النكبة، لكنهم كبروا وأصبحوا يتذكرون طفولتهم وينقلون تفاصيلها للأجيال. 

ذات صلة

الصورة
الصحافي بيتر ماس (Getty)

منوعات

كتب الصحافي المخضرم بيتر ماس، في "واشنطن بوست"، عن "شعوره كمراسل جرائم حرب وابن عائلة مولت دولة ترتكب جرائم حرب"، في إشارة إلى الإبادة الجماعية في غزة.
الصورة
تهاني العيد في مخيم بالشمال السوري (العربي الجديد)

مجتمع

رغم الظروف الصعبة يبقى العيد حاضراً في حياة نازحي مخيمات الشمال السوري من خلال الحفاظ على تقاليده الموروثة، في حين ترافقهم الذكريات الحزينة عن فقدان الأحبة
الصورة

سياسة

كشفت وكالة بلومبيرغ الأميركية أن المعلومات الاستخبارية التي حصلت عليها الولايات المتحدة تفيد بأن الرد الإيراني المرتقب أصبح وشيكاً جداً.
الصورة
فلسطينيون وسط دمار خانيونس - 7 إبريل 2024 (إسماعيل أبو ديه/ أسوشييتد برس)

مجتمع

توجّه فلسطينيون كثر إلى مدينة خانيونس في جنوب قطاع غزة لانتشال ما يمكن انتشاله من بين الأنقاض، وسط الدمار الهائل الذي خلّفته قوات الاحتلال الإسرائيلي.

المساهمون