أحفاد مهجري النكبة يوثقون منازل أجدادهم عبر الخرائط

أحفاد مهجري النكبة يوثقون منازل أجدادهم عبر الخرائط

15 مايو 2023
مفتاح العودة (محمد الحجار)
+ الخط -

توفيّ الجد إسماعيل الطهراوي عام 2015 حين كان في أواخر التسعينات من عمره، تاركاً وراءه 12 حفيداً. قبل وفاته، اعتاد أن يحكي للأحفاد عن قريتهم التي تبعد عن مدينة غزة نحو 37 كيلومتراً. أخبرهم عن معالم القرية ومزروعات والده وشكل البيوت، وحتى اسم مدرسة القرية.
يحمل إسماعيل (26 سنة) اسم جده، ويعمل كمهندس برمجيات. يحفظ على جهازه المحمول خريطة فلسطين التاريخية، وعليها أسماء جميع القرى والمدن التي هجر أهلها منها. يضعُ علامة حمراء على بلدته ودائرة على منزل جده الذي هُجّر منه وهو في العشرينيات من عمره.

هجّر أجداد غالبية الجيل الحالي، لكنهم لا يزالون يحفظون تفاصيل بلداتهم وقراهم ومدنهم المهجرة، ويستخدم الجيلان الثالث والرابع خرائط غوغل وغيرها لحفظ مواقع مسقط رأس أجدادهم، كما يسألون عن تفاصيل تتعلق بمنازل الأجداد قبل النكبة. يجمع كثير من الشبان الكتب التي تضم معلومات وخرائط قديمة عن بلداتهم، ورقياً وإلكترونياً، كما يجمعون معلومات تتعلق بجغرافيا الأماكن والطقس والتربة والأشجار وأبرز المزروعات، فضلاً عن البيوت والمدارس وغيرها. ولا ينسون القيادات والعلماء والأطباء والشخصيات، ويستفيدون من التطور التكنولوجي لتوثيق ما أمكن. 
يقول إسماعيل لـ"العربي الجديد": "قريتنا ليست مأهولة، وتستخدم بعض أراضيها للزراعة، وفيها مبنيان قديمان يستخدم أحدهما للتخزين، ويقع على مقربة منهما منزل جدي الذي دُمّر. أحفظ جيداً موقع منزل جدي. الفرقة الصهيونية (لواء جفعاتي) دمرت جميع منازل قريتنا باستثناء منزلين. إذا متّ، فسيعرف أبنائي ماذا تعني قريتنا لنا، وسيرثون الذاكرة لتحقيق حلم العودة إن لم يحققه جيلنا".
سهّلت أدوات غوغل، وخصوصاً خرائطها، تحديد البلدات والمدن والقرى الفلسطينية المُهجرة، وبعض الأحفاد يحفظون مواقعها بالدقة التي حددها أجدادهم. غالبية العائلات التي هُجرت إلى قطاع غزة تنتمي إلى المحافظات الجنوبية ووسط فلسطين التاريخية وتلك المحيطة بلواء غزة بحسب التقسيمات البريطانية لمناطق فلسطين قبل عام 1948.

الصورة
الإيمان بالعودة حتمي (العربي الجديد)
الإيمان بالعودة حتمي (محمد الحجار)

وحرص بعض من بقي في البلدات العربية على الحفاظ على الأسماء العربية، وناضلوا ضد حكومات الاحتلال حتى أصبحت لهم أصوات تمثلهم، وحافظوا على هويتهم وعلى كونهم "فلسطينيي الداخل". مدينة يافا كمثال تحافظ على اللغة العربية لأسماء الشوارع.
إبراهيم يوسف (37 سنة) موظف حكومي في قطاع غزة، ويقول إن اسم قريته "الحرم" الواقعة شمال مدينة يافا، وإنه يحفظ مكان منزل جده على الخريطتين الورقية والرقمية، والذي كان مبنياً من الحجر الأبيض المعروف بالحجر القدسي، وكان منزلاً مميزاً كما قال له كبار القرية حين كان طفلاً. يضيف: "والدي أخبرنا عن معالم قريتنا بالتفصيل، وظل طوال حياته على اطلاع على ما ينشره فلسطينيو الداخل عن يافا". 
يتابع: "جدي نوح توفي في عام 2011 عن عمر ناهز 88 سنة، وكان يخبرنا أن منزلنا يبعد عن مقام (سيدنا علي) حوالي 140 خطوة سيراً على الأقدام. مقام سيدنا علي هو مقام الولي الصالح علي بن عليل، الذي توفّي ودُفن في فلسطين عام 474 هجرية، 1081 ميلادية. القرية كانت تضم يهوداً ساعدهم الجيش البريطاني على الوصول قبل النكبة، وتحديداً في مستعمرتي ريشبون وكفار شمرياهو. ولا يزال مسجد ومقام سيدنا عليّ شاهدان على إرث القرية".

الصورة
حرص على تحديد البلدات والمدن والقرى الفلسطينية المُهجرة (العربي الجديد)
حرص على تحديد البلدات والمدن والقرى الفلسطينية المُهجرة (محمد الحجار)

يتابع يوسف لـ"العربي الجديد": "جدي وأشقاؤه هجروا إلى غزة، فيما انتقل بقية أفراد عائلتي إلى بلدان أخرى، وحلّ مكان بيت جدي آخر يملكه صهيوني، ومتجر صغير وبائع مشروبات كحولية. أعرف أسماءهم، وأحفظ تفاصيل المكان في ذهني وعلى الورق، وهناك نسخة إلكترونية لكل التفاصيل. أبنائي أيضاً يعرفون كل المعلومات. هذا إرثنا حتى لو بعد حين".
ويؤكد أن الفلسطينيين توارثوا العادات والتقاليد، وفي ظل التطور التكنولوجي، يحاولون إبقاء هذه الموروثات عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ينشرون طريقة لباسهم، وبعض أطباق الطعام، وطقوس قريتهم الاحتفالية، وإن هجروا منها. 

الصورة
حتى الصغار يعرفون الكثير عن القرى المهجرة (العربي الجديد)
حتى الصغار يعرفون الكثير عن القرى المهجرة (محمد الحجار)

علاء النبريص (22 سنة)، كان والد جده جمعة النبريص تاجراً للمواشي والألبان في قرية "نجد" على حدود بلدة بيت حانون من الشمال الشرقي، وعلى الرغم من الفارق الزمني بينه وبين تاريخ النكبة، لكنه يحفظ تفاصيل منزل جده الذي تحول إلى أرض زراعية، وإلى جانبها مقر عسكري، وهو يستطيع رؤية موقع أرض أجداده من منزل صديقه في بلدة بيت حانون، كما يحفظ موقعها على الخرائط الإلكترونية.
غادر جمعة النبريص مجبراً في نهاية يوليو/ تموز 1948، بعدما قتلت العصابات الصهيونية نصف مواشيه لأنه رفض الانصياع لتهديداتهِم. شعر حينها بالقلق على أبنائه الخمسة، وخصوصاً بعدما سمع عن مجازر عدة، منها مجزرة دير ياسين. سمع علاء هذه الحكاية من جده قبل وفاته في عام 2009.

 

 

ويقول لـ"العربي الجديد": "اعتاد الفلسطينيون ذكر بعض القيادات بحسب نسبِهم إلى القرى المهجرة. على سبيل المثال، فإن عدد من الغزيين الذين هجروا من قرية الجورة يعتزون بأن القرية خرجت قيادات، وأنا أعتز بجدي ووالده لأنهما ربيا فينا حبّ الأرض. وعلى الرغم من دراستي لتكنولوجيا المعلومات، لا نزال نُربي المواشي، وهو ما ورثناه عن الأجداد".

ويحفظ والده زُهدي النبريص (51 سنة) حكايات جده، وقد نقلها لنجله علاء وأبنائه الستة الآخرين. يقول لـ"العربي الجديد": "ورثنا بعض الألقاب والنكات وغيرها عن القرى المختلفة. قد يعتبرها البعض تنمراً، إلا أنها تعكس ما تربت عليه العائلات الفلسطينية. تُعرف بعض البلدات بالبخل على سبيل المثال، فيما تعرف بلدات أخرى بالكرم".  

المساهمون