حين يُساء توظيفُ الإرهاب

حين يُساء توظيفُ الإرهاب

24 يونيو 2017
+ الخط -
كلُّ ما زاد عن حدِّه انقلب إلى ضدّه، هذا ما يمكن استخلاصُه من الزَّوبعة التي عصفت بمنطقة الخليج العربي، وامتدَّتْ ارتداداتُها إلى سائر المنطقة، والعالم. صحيح أنَّ الحملة على قطر لم يُعْوِزها الذكاءُ التكتيكي، وليس الإستراتيجي؛ لأنها استغلّت المناخ العالمي، ولا سيما في عهد رئيس أميركي جديد لا يزال غير متصالح تماما مع "المؤسسة" في الولايات المتحدة، وفي عهد رئيسٍ تعهَّد باجتثاث الإرهاب وسحقه، إلا أن توسيع مفهوم الإرهاب؛ ليشمل دولةً وكياناتٍ هي، في نظر دول العالم، ليست إرهابية، وفي توصيف القانون الدولي والأمم المتحدة كذلك، هذا التوسيع التوظيفي يستدعي (وبقوّة) الأبعادَ السياسية المحلية، غير الموضوعية التي تقف وراء تلك الحملة.
ولنأخذ نبذةً من المعطيات الدالَّة على سوء استخدام مفهوم الإرهاب، أولا من حيث التوقيت؛ إذ كيف يمكن لدولةٍ، بين عشيّة وضحاها، أن تتحوَّل إلى دولةٍ تساند الإرهاب في المنطقة منذ سنين؟ وهي لم تُحدِث أيَّ انعطافةٍ في سياساتها ومواقفها، ولم تجفّ بعْدُ أوراقُ مشاركتها في القمَّة العربية الإسلامية في الرياض، وفي القمّة الخليجية الأميركية، أيضا؟ وكلتاهما كان في أعلى أولوياتهما مكافحة الإرهاب، إذ اتُّفِق على تأسيس مركز عالمي لمواجهة الفكر المتطرِّف، وعلى التصدّي للجذور الفكرية له، وتبادل المعلومات بشأن الإرهابيِّين وتحرُّكاتهم، وتجفيف مصادر تمويلهم.
ويتفرَّع من هذه المسألة تجاهلُ الموقف الأميركي والدولي، إذ إنّ أميركا، وهي أكثر الدول 
انخراطا عمليا واستخباريا تعلم، وبالتفصيل، واقع كلِّ دول المنطقة، ولا سيما الدول المركزية الموقع، مثل قطر، فكيف تقبل بمشاركة دولةٍ في قمَّة كانت أهمّ أولوياتها مكافحة الإرهاب، إذا كانت توالت عن تلك الدولة المعلوماتُ الدالَّة على تورّطها المزمن فيه؟
والمعطى الثاني: المبالغة الانفعالية في توسيع دائرة الإرهاب؛ لتشمل كياناتٍ لا تنطبق عليها في القانون الدولي تهمة الإرهاب؟ بل ولا تتعامل معها المؤسساتُ الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة على أنها إرهابية، بل العكس؛ ما دفع الأمم المتحدة إلى الخروج عن صمتها وإعلان أن الجماعات الإرهابية هي التي تنطبق عليها معايير الأمم المتحدة، إذ أكّدت الأخيرة أنها تلتزم بقوائم التصنيفات الإرهابية التي تصدرها مؤسساتها، وليس أيّ جهةٍ أخرى.
وكان من أبرز تلك الأمثلة الصارخة، والمثيرة للتندُّر جمعية قطر الخيرية التي أوضحت الخارجية القطرية بشأنها، وبشأن مؤسساتٍ قطرية مشابهة، أنها "تحظى باحترام دولي، وسجِّل حافل في العمل الإنساني، ومنها من يتمتَّع بالصفة الاستشارية في الأمم المتحدة، استناداً إلى قرار صادر عن لجنة المنظمات الحكومية التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، مثل جمعية قطر الخيرية". وليس مثل هذه التوضيحات ممّا يمكن التشكيك فيها؛ فهي أمرٌ تعرفه الأمم المتحدة، والعالم، ولسنا في حاجةٍ إلى تتبع تلك القائمة المكونة من 59 شخصية، وكذلك 12 هيئة، ولا سيما بعد أن قال ستيفان دوجاريك المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة: علاقات المنظمة الدولية قوية بمؤسسة قطر الخيرية، وبينهما مشاريع مشتركة في اليمن وسورية والعراق.
والمعطى الثالث، ولعلَّه الأكثر محورية، هو الموقف من جماعة الإخوان المسلمين، وهي تنظيم عالمي، المرشد العام لها (منذ تأسست) في مصر، ولا يزال تتردّد في الأسماع تصريحاته، (محمد بديع) والجماعة في أشدّ الأزمة، والاستهداف الدموي، عشيَّة الانقلاب الذي أطاح الرئيس محمد مرسي، وأتى بعبد الفتاح السيسي، في يوليو/ تموز 2013:" ثورتنا سلمية، وستبقى سلمية"، وهذا هو الموقف الذي يمثل "الإخوان"، من جهة مَن صدر عنه، ومِن جهة الظرف الذي كان يُفترَض أن يزعزع أيَّ نهج سلمي في العمل، ويستثير الانفعالات التي قد تكون ثأرية.
ومن هنا، جاء موقف وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، الذي أكّد أنّ "تصنيف 
جماعة الإخوان المسلمين، كتنظيم بأكمله، على لائحة الإرهاب سيعقِّد الأمور، موضِّحا أن الإخوان الذين عددهم خمسة ملايين، تم تقسيمهم إلى مجموعات عدَّة، وأن جزءا منهم يحتلون مواقع رسمية في بلدانهم."
المعطى الأخير هنا هو حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والموقف منها، وهذا بالغ الحساسية، إذ بدت الحركة التي لا تتماثل نظرةُ الشعوب العربية والإسلامية إليها مع نظرة بعض النُّظم التي زجَّتْها في بؤرة هذه العاصفة، بدت وكأنها حركة عدوّة متفق على عدائيتها، علما أنها تحصر نشاطها المقاوم في فلسطين المحتلة، ضد الاحتلال، وهي تحرص على توازنٍ غير قليل في مواقفها؛ لكي لا تحسب على محورٍ معين، وهي بعد ذلك ليست حركة إرهابية في مفهوم الدول التي تفرّق (كما القانون الدولي) بين حقّ المقاومة والإرهاب.
ثم إنها في برنامجها السياسي، وفي وثيقتها المعلنة في مايو/ أيار الماضي، تبدو حريصةً على الشرعية الدولية، بتوصيفها الصراع وطنياً، سياسياً، ونفي استهداف اليهود بوصفهم يهودا، وأنَّ الصراع مع اليهود ليس بسبب ديانتهم، وإنما هو مع المشروع الصهيوني. فضلا عن أنها أبدت، وأكّدت استعدادها للدخول في منظمة التحرير الفلسطينية، وهذا مؤشِّر على قابليتها للاندماج، والمشاركة في الأُطُر الفلسطينية والعربية.
أما الخطأ والخطر الإستراتيجي الذي لا يخفى فهو أنّ هذا التوسّع، غير المستند إلى الموضوعية في توظيف مفهوم الإرهاب، ما أسهلَ أن ينقلب في أيّ لحظة، وفي أيّ ظرف، على أيّ دولة! ولا سيما لدولٍ سبق وأن حامت حولها تهُمٌ أميركية بالإرهاب.
وبهذه المناسبة، والحالة الخطيرة التي أشرفت عليها المنطقة كلُّها، نعيد التأكيد على ضرورة تحديد مفهوم الإرهاب، قانونيا، والالتزام به، عمليا؛ لأن اللعب به خطر على الجميع، ومن شأن التوظيفات غير النزيهة له أن تُؤثر على صدقيّة المُوظِّفين له، الآن، ومستقبلا.