هل تسرِّع إسرائيل تهويد الأقصى؟

هل تسرِّع إسرائيل تهويد الأقصى؟

12 نوفمبر 2014

أثناء الاشتباكات مع جيش الاحتلال في محيط المسجد الأقصى(7نوفمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

يزداد حضور الدين في إسرائيل، في الدولة والجيش والمجتمع، ولعل من علامات حضوره في الدولة والسياسة إصرار رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، على اعتراف الفلسطينيين بـ"إسرائيل" دولة يهودية، وأما الجيش فقد تصاعدت فيه مظاهرُ التَّدين، حتى صارت تهدِّد منظومته وطريقة عمله، وثمة شهادات، بحسب موقع هآرتس الإلكتروني، لمسؤولين كبار في المؤسسة الأمنية، وباحثين في الأكاديمية الأمنية، الذين يصفون الجيش بالمنظمة التي تعيش حالةً من الصراع اليومي بين قيم الصهيونية الرسمية، التي قام عليها، والقيم الدينية الآخذة بالتصاعد، والتي تُفرض على الجنود بطرق مختلفة في إطار الانضباط والانصياع.

في العمق، ليس الأمر متصادماً، لكن الجديد طغيان هذه الأبعاد الدينية على السطوح، وكيفية تلاؤمها مع القوانين السابقة، فالبعد الديني والإيمان بأن فلسطين هي "أرض الميعاد" مشتركٌ بين العلمانيين من الصهاينة والمتدينين، كما يقول المؤرخ الإسرائيلي، آمنون راز كركوتسكين، إنَّ  الوعي الصهيوني تجاه وجوده وظروف قيام دولته عالقٌ في مجال "المسيحية"، وهو ليس قوميّاً بالمعنى الاعتيادي؛ لأنه يعتمد على الدِّين؛ فكلهم، بحسب كركوتسكين، مؤمنٌ بأنَّ الوجود اليهودي في البلاد تحقيق لعودة الشعب اليهودي إلى الأرض الموعودة في التوراة.

وعلى الصعيد المجتمعي والسياسي، أيضاً، يزداد حضور الدِّين، وقد يكفي للدلالة على ذلك النسبة المرتفعة التي حظي بها المتدينون اليهود في انتخابات الكنسيت الأخيرة، وهي ثلث الأعضاء. ولا يُخفي المتدينون وغيرُهم أنَّ المسجد الأقصى مُقامٌ على "جبل الهيكل"، وأنهم يسعَوْن إلى بنائه مكانه، وقد اشتُهرت صورٌ وُضع فيها الهيكل مكان المسجد الأقصى، كما عرضت جماعات متطرفة، وبحماية من قوات الاحتلال، صور هيكلهم على واجهة المسجد الأقصى ووضع الشمعدان على أسوار القدس. كما تحاول جماعة " زعامة يهودية" التابعة لعضو لنائب رئيس الكنيست وعضو الليكود، موشيه فيغلين، تمرير قانون تقسيم الأقصى.

ونشرت مواقع عبرية أن منظمة "أرض إسرائيل لنا" بدأت حملة دعائية في القدس، تتمثل في وضع صور كبيرة على نحو 200 حافلة، تابعة لشركة "إيجد"، كبرى شركات المواصلات الصهيونية، تحمل صورة الهيكل الثالث المزعوم مكان المسجد الأقصى، وتشمل شعاراً يقول: "فلْيُبْنَ الهيكل بأسرع وقت في أيامنا هذه".

ونستذكر، هنا، ما أشارت إليه وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة، وهو مخطط تهويد القدس المُسمَّى بمخطط 2020م. ويهدف، فيما يهدف، إلى ضم الكتل الاستيطانية المحيطة بالقدس إلى المدينة في حدود 2020م، لتقلل من عدد العرب بها، وتزيد من عدد اليهود. وهذا المخطط قد لا يساعده اشتعالُ انتفاضة في القدس، أولاً، وفي الضفة الغربية، وحتى في الداخل الفلسطيني، كذلك.

فالتوقيت والوتائر تحتكم إلى تقدير الموقف والظروف المحيطة، فلسطينيّاً وعربيّاً وإسلاميّاً وعالميّاً.

بالطبع، علينا أن نتذكر أن المستوى السياسي في إسرائيل لا يتوقف عن جسِّ النبض ومحاولة تجريع الفلسطينيين والعرب والعالم التهويدَ جرعةً جرعة، أو جرعات، كلما سنحت له فرصة، وهو يتراجع ليتقدَّم، ويتقدَّم خطواتٍ ليتراجع خطوة، وفي المحصِّلة يقترب من هدفه المعلن.

كما نستذكر أن المستوى السياسي قد يغضُّ الطَّرْف عن محاولات الأحزاب والقوى السياسية اليمينية المتطرفة، والمتنافسة انتخابيّاً، بأوراق فلسطينية، تارةً دموية تحريضية، وهذه الآونة دينية تهويدية؛ فماذا عن تقدير الموقف المحيط؟

بعد "الربيع العربي"، أصبحت الحالة العربية، بالنسبة إلى إسرائيل، قابلة للوجهين، فهي خطرة؛ لأنها تنذر بتغيُّرات جيوستراتيجية عميقة، وليست هذه التغيرات معلومة المقدار، ولا مضمونة المآل، فمِنْ جهةٍ يدخل العالم العربي، أو دول مهمة وقريبة فيه، في حالة تناحر دموي، طائفي، كما في سورية والعراق، أو في حالة انهماك واستنزاف اجتماعي واقتصادي، كما في مصر، ولكن، من ناحية أخرى، يُنذر هذا  التآكُل بسيطرة الدولة المركزية، وتنامي فرص تشكُّل الجماعات المسلحة غير المُسَيْطَر عليها، ومنها ما هو على أرضيَّة إسلامية، بتهديد الرَّتابة الأمنية التي نعمت به إسرائيل لعقود مضت، حتى مع وجود ظواهر طائشة، كما "داعش"، مع أن هذا الوجه قد يغدو من جهتنا سلبيّاً؛ لأنه يضعف القوة المركزية، وهي الجيوش، لكنها، في الأغلب، لم تكن تمثل خطراً وجوديّاً على إسرائيل. وثمة خبراء إسرائيليون حذَّروا من أنَّ المسَّ بالمسجد الأقصى قد يعكس رياح الشعوب العربية، ويؤلِّبُها على إسرائيل.

وتدرك إسرائيل جيداً أهمية استقرار الأردن؛ فلو تضعضع الأمن فيه، فسينفتح عليها بابٌ في ظرف بالغ الخطورة والتقلُّب. لذلك، ليس من صالحها المجازفة في تغيير وضع المسجد الأقصى، في هذا الظرف؛ لأنها ستجشم نُظُماً عربية مسالمة، أو غير محاربة، ضغوطاً ومخاطر جِدِّية.

كما تدرك إسرائيل أهميةَ الهدوء الذي تحققه السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وخطورة تفجُّر الأوضاع، ولا سيما في ظل تزايد التنديد العالمي والغربي، على مستوى الحكومات والشعوب؛ بسبب سياسة الاحتلال المتفاقمة، استيطاناً وتهويداً القدس والضفة الغربية، وليس بعيداً عدوانها الذي لا يزال يخضع للتقصِّي والتحقيق في غزة.

وفي هذا السياق أوردت "هآرتس" إجراء نتنياهو ورئيس الدولة، رؤوبين ريفلين، مكالمات هاتفية مع وزراء ونواب من اليمين في الائتلاف، وطلبهما منهم تخفيف حدَّة تصريحاتهم بالنسبة للحرم. ويقول نتنياهو إن إسرائيل لن تمسَّ بالوضع الراهن للحرم القدسي، لكن الأكثر يمينية، ومنهم في حكومته، يتفلَّتون، وقد تكون سلطته عليهم ضعفت، أو أنهم يستبِقون خططَ الحكومة، وقد يظلُّ التعدي والانتهاك مستمراً، لكن، قد يجري تخفيض الوتيرة، بسبب ردَّات الفعل الفلسطينية، ولا سيما الشعبية، والأردنية، وللحذر من انعكاسات ذلك في ظلِّ تحولات عميقة يشهدها المحيط العربي، ولحاجة الولايات المتحدة إلى تهدئة على صعيد "النزاع العربي الإسرائيلي" لكي تتمكن من ضبط إيقاع التحولات، بعيداً عن اختلاط النزاعات، وإرباكات عوامل الصراع.