قرن من عنصرية السينما الأميركية ضدّ السود: مهرّجون ومغتصبون

قرن من عنصرية السينما الأميركية ضدّ السود: مهرّجون ومغتصبون

17 أكتوبر 2017
سيدني بواتييه من أهم الممثلين السود تاريخياً (Getty)
+ الخط -
في مطلع القرن العشرين، ومع بدايات صناعة السينما في أميركا كفن حديث، لم يكن هناك قانونٌ مكتوب يمنع ظهور السود، ولكن رغم ذلك، لم يكن هؤلاء يظهرون على الشاشة الكبيرة. بل إن الأدوار التي كانت تستلزم ظهور ممثل أسود، كانت تتم بطريقة مخيفة: يحضر ممثل أبيض، ويتمّ تلوين بشرته ليصبح أسودَ.

تم ترسيخ حالة العداء العنصرية تجاه السود مع فيلم "مولد أمة"، من إخراج ديفيد غريفيث عام 1915، والذي يعتبر من الأعمال المؤسسة تاريخياً، لكنه في نفس الوقت كان فيلماً عنصرياً ومعادياً ومصدراً ــ وقت عرضه ــ للكراهية والعنف، حيث يقوم فيه أحد الأشخاص السود في الفيلم بمحاولة اغتصاب فتاة بيضاء، مما رسخ الصورة الذهنية التي تعتبر أسود اللون شخصاً همجياً وعنيفاً. وعبّر عن حالة اتفاق جمعي غير معلنة داخل هوليوود بأن السينما "صناعة بيضاء"، وهي الفكرة التي ظلت قائمة لعقودٍ طويلة.

ثلاثة عقود... مهرج وخادمة وعازف

مع تطور الصناعة وتشعبها في أميركا، لم يكن من المحتمل أبداً تجاهل فئة ضخمة من المواطنين مثل الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية، لذلك بدأت الأفلام، وخلال عقود العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات، تشمل وجودهم، ولكن في ثلاث حالات فقط: الأولى يعبر عنها ممثل أسود يدعى ستيفن فيتشيت، بدأ مسيرة سينمائية عام 1925، واستطاع خلال 10 سنوات أن يحقق ثروة من خلال أفلام كوميدية قام ببطولتها. ولكن وجود "فيتشيت" اقتصر على دور كاريكاتوري واحد يكون فيه "الأسود الكسول الغبي"، في ترسيخ دائم لنفس الصورة، وحين تمرد على هذا عام 1936 وأبدى رغبته في أدوارٍ أخرى، رفضه الأستوديو والجمهور، وخفتت نجوميته إلى الأبد.
الحالة الثانية هي التواجد في أدوار مساندة وهامشية تماماً، وعلى الأغلب في أدوار خدم وطباخين ومربيات، وكانت أهمهم هي الممثلة هاتي ماكدانيل، التي حصلت على أوسكار أفضل ممثلة مساندة عن دورها كمربية البطلة في فيلم "ذهب مع الريح" (1939).
أما الحالة الثالثة فهي كعازفين أو مغنين في بعض الأفلام أو اللحظات الموسيقية، وأشهرهم أيضاً الممثل دولي ويلسون في دور "سام" بفيلم "كازبلانكا" (1942) ومعزوفة As Time Goes By الشهيرة.


الخمسينيات والستينيات: ثغرة في الجدار
مع نهاية الحرب العالمية الثانية، والشعور الجماعي بالخطر الذي يتهدد الأمة، يمكن ملاحظة تغير ما في بنية المجتمع الأميركي وعلاقات أفراده، لم يعد الشعور بالخطر نحو الشخص المختلف (الذي ينتمي لنفس الأرض) بقدر ما يتسع الخوف ليشمل قنابل نووية وجواسيس وحرباً باردة. هذا المناخ سمح بثغرة بسيطة في الجدار، أدت لعبور اثنين من السود إلى الواجهة الهوليوودية، أثرا كثيراً في مسارات الأمور بعد ذلك.
الأولى؛ هي الممثلة دورثي دانريدج، التي بدأت العمل في الثلاثينيات، ولكن نجوميتها لم تسطع إلا مع أدوار بطولة في الخمسينيات، ووصلت للذروة عند ترشيحها للأوسكار (كأول ممثلة تترشح في دور رئيسي) عن الفيلم الموسيقي "كامرين جونز" (1954).
أما الاسم الثاني فهو أهم ممثل أسود في تاريخ هوليوود سيدني بواتييه، حيث كان أول ممثل مختلف اللون يتعلق به الجمهور بشكل حقيقي، ويعتبر من رموز السينما، ليقدم مسيرة عملاقة، وعالية الأثر جداً وقتها، ليس فقط لقيمتها السينمائية، وليس فقط لكونه أول ممثل أميركي من أصل أفريقي يفوز بالأوسكار (بعد 24 عاماً من "ماكدانيل" كمساعدة)، ولكن الأهم هو ما حملته الأفلام نفسها، من قبيل أن يكون الظهور الأول لرجل أسود يضرب رجلاً أبيض على الشاشة (فيلم Band of Angels (1957) و(In The Heat of the Night 1967)، وهو أمر غير في التصور الجماعي وساهم في تغيير فكرة السود عن أنفسهم في عصر مارتن لوثر كينغ ومالكوم إكس. أو لتقديمه لفيلم مهم جداً هو Guess Who's Coming to Dinner عام 1967 يدور حول رجل من أصل أفريقي يتقدم لخطبة فتاة بيضاء، يستنكر أهلها، ولكن يكون انحياز المشاهد لصالح بواتييه. ولذلك فهو ليس فقط ممثلاً كبيراً، ولكنه رجل ذو أثر اجتماعي قوي.

السبعينيات: تفرقة أقل وقبول أكثر
مع بداية السبعينيات، وبعد عقد ثوري جداً من تغير الأفكار في الستينيات، بدأت الصورة تتغير سواء من خلال التواجد بأدوارٍ محورية، أو قيادة الدفة بشكل كامل، فيظهر مخرج وممثل جماهيري جداً مثل ميلفين فان بيبليس، أو ممثل مثل ريتشارد روندتري، قبل أن تأتي الثمانينيات بما هو أكثر، بجماهيرية ممثل كوميدي ذائع الصيت مثل إيدي ميرفي، ومن ورائه جيل من الممثلين الموهوبين والمقدرين جداً في الصناعة مثل ووبي غولدبيرغ، كريس توكر، ليونيل ريتشي، أو الأهم: دينزل واشنطون ومورغان فريمان اللذان مثلا نقلة نوعية كبرى في أهمية وموهبة الممثلين السود. وكانا (بعد ذلك) من أهم ممثلي التسعينيات، نقدياً وجماهيرياً، في وقت شهد أيضاً سطوع ممثلين مثل ويل سميث وكوبا غودينغ جونيور (الحاصل على الأوسكار كممثل مساعد عام 1996) وصامويل ل.جاكسون وهالي بيري.
كان من المهم كذلك في تلك الفترة ظهور مخرج بموهبة سبايك لي، ومعه أتى مصطلح "دراما السود"، وهي التي تدور في أحياء وعلاقات متعلقة بالأميركيين الأفارقة.

الألفية: هل نحن متساوون؟
مع مطلع الألفية، وتحديداً مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وقع تغيير جديد في تعامل المجتمع الأميركي مع نفسه. وظهر ذلك مباشرة داخل هوليوود. وليست صدفة أبداً أن جوائز أوسكار التمثيل الرئيسية سنتها ذهبت لدينزل واشنطون وهالي بيري، لتكون المرة الأولى التي يفوز بها ممثلان أسودان.
ومنذ ذلك الوقت تزايد التواجد، في السينما والجائزة، ويكفي النظر إلى إحصائية مرتبطة بأن عدد السود الحاصلين على الأوسكار منذ عام 1928 (بداية الجائزة) حتى 2000 (حيث وزعت أكثر من 3000 جائزة) كان 12 فقط، بينما منذ عام 2000 حتى الآن فاز بها 20 شخصاً أسود.

المساهمون