هوليوود والسياسة: بروباغندا لأفكار البيت الأبيض؟

هوليوود والسياسة: بروباغندا لأفكار البيت الأبيض؟

09 أكتوبر 2017
الممثل والمخرج بين أفليك (روبن بيك/فرانس برس)
+ الخط -
أصبحت السينما جزءاً لا يتجزأ من الثقافة الانسانية، ومن الصعب في يومنا هذا أن تجد بلداً أو شخصاً يتصور الحياة بدون وجود هذا العَالَم الغني الذي يمتلك تأثيراً ساحراً ورهيباً على المجتمع. 

بدايات هذا الفن لم تكن مبهرة كحال الأفلام اليوم، بل كانت عادية، وتم إلصاق تهمة اللاأخلاقية بها، وأنها تحرض على التقليل من قيمة الفن، حيث إن الأفلام كانت غير احترافية في بدايات القرن العشرين، والأمر طبيعي لعدم وجود أي خبرة لدى العاملين في هذا الحقل الفني، ولكن التجارب والأيام والاهتمام الكبير من قبل العاملين بهذا الفن، ساعد على تشكل مدارس سينمائية كبيرة وأسماء مخرجين كبار رسخوا أسماءهم في تاريخ الفن السابع، الذي هو بناءً على رأي الناقد الفرنسي الإيطالي الأصل ريتشوتو كانودو توليفة من ثلاثة فنون أدائية هي الموسيقى، والرقص، والشعر، وثلاثة فنون تشكيلية هي الرسم، والنحت، والعمارة.

لعبت السينما دوراً حاسماً في الخطط التي رسمتها الاشتراكية القومية "النازية" في الثلاثينيات، من خلال محاولاتها الراديكالية لتتحكم وتراقب النشاط الإنساني، وتسيطر على العالم الواقعي، وكان أدولف هتلر، ووزير الدعاية جوزيف غوبلز على وعي تام بقدرة السينما على تحريك العواطف وتجميد العقول لخلق أوهام قوية. حتى إن غوبلز أكد أن السينما لا بد أن تنطلق من الحياة السياسية، وهدف السينما هو تحقيق فن جماهيري يخدم في ذات الوقت أهداف الدولة، ويلبي الاحتياجات الشخصية الفردية.

وفي كتاب "الفيلم في معركة الأفكار"، يقول الكاتب جون هوارد لوسون: "جرى الاتفاق على وجوب الحكم على الفيلم بوصفه أداة للسياسة الخارجية، وأن الأفلام التي ترسل إلى البلاد الأخرى لا بد أن تخدم احتياجات الدعاية الحكومية"، وهذا الاتفاق بقي سارياً حتى في عصر تفوق فيه التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي على السينما في كم الإنتاج.

حتى إن وزارة الدفاع الأميركية على سبيل المثال، تستعرض إمكانياتها العسكرية وتنفق الملايين من الدولارات لتستعرض قواتها العسكرية، وضباطها الأقوياء، وأبطالها الخارقين، الذين لا بد أن يقفوا وقفة شامخة والعلم الأميركي يرفرف خلفهم، دليلاً على القوة، الأمر الذي يدفع الممثل لاختيار زوايا منخفضة في التصوير لبيان العظمة والهيبة، وسيطرة القطب الأوحد، ومن بين الأفلام التي تروج للإدارة الأميركية وسياساتها الخارجية، فيلم الممثل جون وين، الذي قدم خلال مسيرته أكثر من 170 فيلماً سينمائياً كممثل، ولكن أثناء حرب فيتنام قرر أن يوضح شيئاً من تضحيات الجنود الأميركيين في "مستنقع" فيتنام، للتخفيف من موجة الغضب الكبيرة التي كانت تعصف في أميركا خلال ذلك الوقت، لخدمة الوطن في اعتقاده، ليقدم فيلم Green Berets "أصحاب القبعات الخضراء" عام 1968، من إخراجه وبطولته، وكان دعايةً واضحة وصريحة لشرعية دخول أميركا في حرب فيتنام، ولكن الفيلم واجه انتقادات سلبية من النقاد والجمهور. 

حتى إن البعض يرى أن الأفلام يمكن أن تكشف للجمهور أموراً لا يعلمها، فالمخرج فرانك بيرسون على سبيل المثال قدم فيلم Truman، عام 1995، وتناول فيه الرئيس الأميركي هاري ترومان، أبرز الشخصيات إثارة للجدل، ووأظهر كيف أصبح رئيساً، وأشار للقرارات المصيرية التي نفذها، من بينها إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما وناغازاكي خلال الحرب العالمية الثانية.

ساعدت الأفلام في وقت ما على الإفصاح عن قانون الاغتيالات للعرض بشكل علني، بعد أن عرض المخرج أوليفر ستون فيلمه الروائي JFK، عام 1991، الذي يتناول حادثة اغتيال الرئيس الأميركي جون كينيدي، عام 1963، أحد أكثر الحوادث السياسية غموضاً، وما زالت الروايات تُنسج عن تفاصيلها حتى اليوم، ويشير الفيلم بطريقة ما إلى ضلوع الإدارة الأميركية بحادثة الاغتيال، ومن ضمنها الرئيس الأميركي ليندون جونسون، الذي حكم البلاد بعد اغتيال كينيدي.

وقبل هذا الفيلم بأعوام، وتحديداً في عام 1963، أخرج جون فرانكينمير فيلماً حمل موضوعاً سياسياً بعنوان The Manchurian Candidate، "المرشح الجمهوري"، يروي تكليف مجموعة من العسكريين الأميركيين المعتقلين خلال الحرب الكورية، بمؤامرة سياسية لاغتيال الرئيس الأميركي، ولكن العملية لم تتم، واللافت في الموضوع أنه بعد عرض الفيلم بفترة قصيرة، وقع حادث اغتيال الرئيس كيندي، وكأن الحادث كان تطبيقاً لقصة الفيلم، وكان هناك تشابه بين بطل الفيلم المبرمج من قبل الشيوعيين لقتل الرئيس الأميركي ولي هارفي أوزوالد الذي اغتال كيندي فعلياً في الثاني والعشرين من نوفمبر عام 1963.

ومن بين الأفلام التي كشفت بصراحة الارتباط الوثيق بين المخابرات الأميركية وشركات الإنتاج في هوليوود، كان فيلم Argo، عام 2012، للممثل والمخرج بين أفليك الذي حصل على ثلاثة جوائز أوسكار، عن فيلمه الذي يروي قصة الضابط السابق بوكالة الاستخبارات الأميركية توني مينديز، الذي ساهم في إنقاذ 6 مواطنين أميركيين خلال أزمة الرهائن الإيرانية عام 1979، بمساعدة كندية، من خلال اختراع تصوير فيلم وهمي في إيران. 

وهناك أنشطة مفبركة ساهمت بدور فاعل في حسم العديد من القضايا السياسية لصالح أميركا، ومن بينها الأفلام التي تكشف أن التقارير التي صُرح عنها بخصوص امتلاك العراق أسلحة دمار شامل كانت جميعها تدين الإدارة السياسية الأميركية، وأن التقارير كانت ملفقة وغير حقيقية، من بينها فيلم Body of Lies، "جسم من الأكاذيب" للمخرج ريدلي سكوت.




المساهمون