الاحتلال يسعى لجعل التقسيم الزماني وضعاً قائماً في الأقصى

الاحتلال يسعى لجعل التقسيم الزماني وضعاً قائماً في الأقصى

17 سبتمبر 2015
تغيير السياسة الإسرائيلية تجاه الوضع القائم بالأقصى (فرانس برس)
+ الخط -
هدد رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال جولته، أمس الأربعاء، في القدس المحتلة، وعند أطراف أحياء فلسطينية "إننا لن نتردد في إطلاق النار على المتظاهرين، حتى في داخل إسرائيل". وادعى نتنياهو أن حكومته لن تُسلّم بواقع رشق الحجارة وستزوّد أفراد الشرطة وحرس الحدود بالأدوات اللازمة لضمان "تطبيق القانون".

وفي الوقت الذي حاولت فيه الحكومة الإسرائيلية الترويج لكذبة أنها تعمل فقط على حماية اليهود، فضح تقرير نشره موقع "والاه" الإسرائيلي، أمس، أن النشاط الإسرائيلي المحموم الذي تقوده جماعات المستوطنين المتطرفين وعلى رأسهم الوزير الإسرائيلي، أوري أريئيل، سبقه تغيير في إجراءات الدخول إلى المسجد الأقصى، في الأشهر الأخيرة، ومنع المصلين المسلمين من دخول المسجد في ساعات الصباح، سعياً لتأمين بقاء باحات الأقصى خالية من الفلسطينيين عند دخول جماعات اليهود المتطرفين.

وقال الموقع في تقريره، إنه خلافاً للاعتقاد الذي ارتسم في مخيلة الإسرائيليين، إبان "عيد رأس السنة اليهودية"، فإن أصول التصعيد والأحداث التي وقعت في اليومين الماضيين تعود إلى تغيير ساعات دخول المصلين الفلسطينيين، وإلى إعلان أريئيل عزمه أداء الصلاة اليهودية في باحة المسجد الأقصى وعدم الاكتفاء بزيارة المكان. وقد دفع إعلان أريئيل، هذا المنشور على مواقع عبرية مختلفة، المصلين المسلمين إلى الدعوة للرباط والاعتكاف في المسجد الأقصى حتى يتمكنوا من التواجد أثناء وصول أريئيل باحات الأقصى وعرقلة زيارته ومنعه من أداء الشعائر الدينية.

لكن أبرز ما يلفت إليه التقرير، هو ما جاء، أمس، على لسان نتنياهو، يتعلق بتغيير السياسة الإسرائيلية تجاه الوضع القائم في المسجد الأقصى، مع ملاحظة أن إسرائيل تدّعي أنها تتجه إلى تغيير حالة اعتكاف المصلين الذين تتهمهم حكومة الاحتلال بأنهم يشكّلون باستمرار خطراً على "المصلّين اليهود" الذين يدخلون المسجد الأقصى وباحاته. وتدّعي أن اليهود يُسمح لهم بزيارة باحات الأقصى من دون إقامة شعائر يهودية دينية، لكن أريئيل قام فعلاً بأداء صلاة يهودية من قلب باحات المسجد الأقصى، بمناسبة رأس السنة العبرية الجديدة.

ووفقاً لتقارير إسرائيلية، عدا عن تصريحات نتنياهو، فإن وزير الأمن الداخلي الجديد جلعاد أردان، سمح خلافاً لسباقه يتسحاق أهرونوفيتش، بإقامة الصلاة اليهودية في باحات الأقصى، بينما كان سابقه أصدر أوامر لرجال شرطة الاحتلال، في العام الماضي بمنع الوزراء ونواب الكنيست اليهود من إقامة صلوات في المكان.

ويتذرع نتنياهو بأن سياسته الجديدة ترمي فقط إلى محاربة راشقي الحجارة، من خلال تعديل القوانين القائمة والمعايير المتّبعة في المحاكم الإسرائيلية، لجهة فرض عقوبات بالسجن الفعلي ولفترات طويلة على راشقي الحجارة، من جهة، وفرض غرامات مالية على أهالي الشبان والفتيان الفلسطينيين الذين يتهمون برشق الحجارة، وهم دون السن القانونية. كما أعلن نتنياهو، أكثر من مرة، في الأسبوع الحالي، عزمه من خلال لجان خاصة، أقر أمس تشكيلها، السعي إلى تغيير أوامر إطلاق النار والسماح بإطلاق النار باتجاه راشقي الحجارة، ولتحديد حد أدنى من العقوبة بالسجن الفعلي على كل عملية رشق حجارة، وذلك إضافة لقانون العقوبات الذي تم تعديله، في يوليو/تموز الماضي، الذي رفع الحد الأقصى للعقوبة المفروضة على رشق الحجارة إلى 20 عاماً.

اقرأ أيضاً: نتنياهو يهدد المتظاهرين بإطلاق النار خلال جولة "استفزازية" بالقدس

كما أن المدعي العام الإسرائيلي، شاي نيتسان، كان قد أوعز، أخيراً، للمدّعين في المحاكم الإسرائيلية، بطلب عقوبة السجن لكل من يُتَهم برشق الحجارة، وعدم مواصلة النهج السابق الذي كان يتم بموجبه أحياناً الاكتفاء بالحبس المنزلي أو العمل لمصلحة الجمهور أو غرامات مالية.

وفي سياق سعي حكومة نتنياهو إلى تصوير وضع "السماح لليهود بزيارة باحات المسجد الأقصى في ساعات محددة" باعتباره الوضع القائم والمتفق عليه مع دائرة الأوقاف الإسلامية والحكومة الأردنية، فإن نتنياهو يكرر اتهاماته حركتي "حماس"، والحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني بقيادة، الشيخ رائد صلاح، بأنهما من يحرض ويثير القلاقل في المسجد الأقصى. وشكّل هذا الاتهام ذريعة، الأسبوع الماضي، للإعلان عن حركتي المرابطين والمرابطات المقربتين من الحركة الإسلامية المذكورة، كتنظيمات غير قانونية.

ورافق ذلك عمل مسبق تمثل في إعداد قوائم بأسماء الناشطين والناشطات في هاتين الحركتين، واستصدار أوامر منع دخول المسجد الأقصى لبعض هؤلاء، وإبعادهم عن المسجد الأقصى، تماماً كما تم في العام الماضي مع الشيخ صلاح. ووفر هذا الإجراء للاحتلال حالة مريحة من خلو المسجد الأقصى من أعداد كبيرة من المرابطين والمرابطات الذين كانوا يصلون في الأقصى، يومياً، ويتواجدون فيه معرقلين نشاط المستوطنين ومحاولات الاقتحام المتكررة.

ويبدو أن رئيس الحكومة الإسرائيلي يبني في موقفه على انشغال العالم العربي بالأوضاع الداخلية، وبضعف السلطة الفلسطينية التي لم تحرك ساكناً على الأرض واكتفت بتقديم الشكاوى وإصدار بيانات الاستنكار، من دون دعوة المقدسيين، مثلاً، إلى التظاهر ونصرة المسجد الأقصى.

أما في ما يتعلق بحسابات نتنياهو الإقليمية، فهو وعلى الرغم من تحذيرات الملك الأردني، عبدالله الثاني، يراهن على عدم إقدام الملك على قطع العلاقات مع إسرائيل في الظروف الراهنة، مدعياً أن "حكومته تعمل على ضبط الوضع، أيضاً، من خلال التنسيق مع الأردن ولكن ليس مع الأردن نفسها". وفي هذا السياق، أشار معلّقون في إسرائيل إلى التنسيق الأمني الوثيق بين الأردن وإسرائيل، مشككين في أن يكون بمقدور التصعيد الأخير هز العلاقات بين الطرفين.

ويُستدل من التطورات الأخيرة، أن مسألة التقسيم الزماني، هي التي تحتل الأهمية الأولى لدى حكومة الاحتلال، عبر سعيها لترسيخ كون "ساعات الزيارة لغير المسلمين" والتي يستغلها اليهود لإقامة شعائر دينية، هي جزء من الوضع القائم الذي يجب الحفاظ عليه، والعودة إلى ما كان عليه، أي من دون نشاطات المرابطين والمرابطات، في العامين الأخيرين، أو أي جماعات أخرى من الفلسطينيين في القدس.

وكانت الجماعات الفلسطينية، وخوفاً من وجود مخطط تقسيم زماني ومكاني، صعّدت في العامين الأخيرين، من نشاط معارضة واعتراض "زيارات منظّمة" لليهود في باحات المسجد الأقصى، لا سيما أن العناصر اليهودية الدينية التي تؤمن ببناء الهيكل، لم تعد تخفي مطامعها هذه، ولا توقفت عن الحديث عن وجوب فرض السيادة "اليهودية" على "جبل الهيكل". وقد كان لافتاً هذه المرة مثلاً، أن نتنياهو لم يتطرق بكلمة إلى حقيقة قيام أريئيل بأداء الشعائر الدينية في باحات المسجد الأقصى، وهو ما يشكل أكبر انتهاك للوضع القائم الذي تعهّد نتنياهو، العام الماضي، أمام الملك عبدالله بالحفاظ عليه.

اقرأ أيضاً: اقتحامات الأقصى... حراك سياسي وغياب فعل ميداني في الضفة

المساهمون