الأقصى في ثالث أيام مواجهة الهجوم... والآتي أعظم

الأقصى في ثالث أيام مواجهة الهجوم... والآتي أعظم

16 سبتمبر 2015
تنظيف الأقصى من آثار الاحتلال (أحمد الغربلي/ فرانس برس)
+ الخط -
لليوم الثالث على التوالي، سالت دماء الفلسطينيين في باحات المسجد الأقصى وعلى بواباته وفي الشوارع القديمة للقدس المحتلة، والتي حولها جنود الاحتلال إلى ثكنة عسكرية، ودفعوا بالآلاف من وحداتهم الخاصة لتقمع بالقوة عشرات المُعتكفين والمرابطين، وغالبيتهم من الشبان الذين قرّروا الصمود داخل المسجد للدفاع عنه.

وكانت المصلى القبلي، ومنبر صلاح الدين، ومسجد عمر، ساحات اعتداءات جنود الاحتلال، أمس الثلاثاء، في نسخة مكررة ليومي الأحد والاثنين، بحجة عيد رأس السنة العبرية وإفساح المجال أمام المستوطنين، وأمطروا المُعتكفين بالرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع. ولم يجد المعتكفون سوى حجارة قليلة احتفظوا بها، وبعض العصي ومقذوفات أخرى من مخلّفات قنابل الغاز والصوت التي أُطلقت عليهم، ليصدّوا عدواناً قال عنه المدير العام لأوقاف القدس الشيخ عزام الخطيب إنه "وحشي وهمجي".

ويُعدّ عدوان أمس الثلاثاء الأكثر خطورة منذ بدء الاقتحامات الأخيرة للمسجد، تزامناً مع الأعياد اليهودية برأس السنة العبرية، فيما يُشبه إصراراً أمنياً وسياسياً في إسرائيل، على فرض أمر واقع جديد في الأقصى، تتجسّد من خلاله السيادة الإسرائيلية المطلقة على المسجد، بما يُمهّد لتمكين المستوطنين من الاقتحام اليومي، وتقاسم المسجد زمانياً ومكانياً مع المسلمين.

وارتفعت سحب الدخان من داخل المصلى وفي محيطه، بفعل اعتداءات الاحتلال، ما رفع منسوب التوتر والتصعيد في حارات البلدة القديمة وفي الأحياء المتاخمة لها التي رأى سكانها في ما يحدث في الأيام الأخيرة تصعيداً غير مسبوق للاحتلال.

ووفقاً لمسؤولي الأوقاف الإسلامية، فقد بدأ العدوان الجديد أمس، عند الساعة السادسة صباحاً، وتواصل حتى الحادية عشرة قبل الظهر، مع اقتحام أكثر من 30 مستوطناً مع عائلاتهم باحات الأقصى، والتي فرغت تماماً من المواطنين. وقام عناصر الاحتلال بدفع حرّاس الأقصى إلى خارج الساحات، واعتُدي على عدد منهم.

أما التطوّر اللافت، فظهر باعتلاء جنود الاحتلال وقنّاصته سطح المصلى القبلي، وإطلاقهم الرصاص والغاز على المعتكفين، فيما وضعت سلطات الاحتلال جنودها على جميع نوافذ المسجد، والذين أطلقوا الرصاص والغاز أيضاً، ما تسبب بحريق السجاد عند مدخل المصلى والمعروف بـ"مصلى الجنائز".

اقرأ أيضاً: الأقصى يقاوم وحيداً

يقول مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني، لـ"العربي الجديد"، إن "فرقاً من الإطفاء العاملة في المسجد تمكنت من السيطرة على الحريق بمساعدة المواطنين قبل امتداده". وأهاب الكسواني بـ"المسلمين لنجدة الأقصى"، واصفاً ما يحدث بأنه "عدوان مبيت". وفي الوقت الذي كانت قوات الاحتلال تعتدي فيه على المصلّين والحراس في الساحات، كان عشرات المعتكفين داخل المصلى القبلي يصدّون اندفاع القوات المقتحمة، ما أوقع 26 إصابة في صفوفهم، ونقل أحد الحراس بعد إصابته بجلطة دماغية إلى مستشفى المقاصد للعلاج.

ويذكر مدير إسعاف الهلال في القدس، أمين أبو غزالة، أن "طواقم الإسعاف تعاملت مع 26 إصابة حتى الساعة العاشرة والنصف من قبل الظهر، نقلت اثنتان منها للمستشفيات، فيما توزعت الإصابات بين ضرب بالهراوات وإصابات بالرصاص المطاطي، تركزت في الأجزاء العلوية من الجسم، من بينها أربع إصابات بجروح عميقة، تلقت العلاج في عيادات البلدة القديمة".

من جهتهم، أفاد شهود عيان، عن وقوع عشر إصابات أخرى بالرصاص المطاطي في المواجهات العنيفة التي شهدها باب المجلس، أحد أبواب الأقصى، وحي الجالية الأفريقية القريب من الأقصى. كذلك اندلعت اشتباكات بالأيدي بين شبان فلسطينيين ومستوطنين اعتدوا على محل تجاري على مدخل حارة الشرف أو ما يُعرف بـ"الحي اليهودي"، ما أدى إلى إصابة أحد المستوطنين بجروح وصفت بـ"المتوسطة". وقد اقتحمت قوات الاحتلال مدرسة "الأيتام الإسلامية" في عقبة السرايا المجاورة، وأمطرت التلاميذ بالرصاص المطاطي والغاز، ما أوقع عدداً من الإصابات، نُقلت اثنتان منها للمستشفى".

وتُعدّ مواجهات الأمس الأعنف بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال، منذ أن بدأ الاحتلال عدوانه الجديد على الأقصى قبل ثلاثة أيام، في مؤشر إلى عنف عمليات القمع، والتي ترتكبها قوات الاحتلال ضد المصلين، وطواقم الإسعاف والصحافيين.

ويقول في هذا الصدد مسؤول ملف القدس في حركة "فتح"، حاتم عبد القادر، إن "ما يجري تجاوز كل الخطوط الحمراء. الاحتلال أشعل نيراناً كبيرة هنا، وعليه أن يتحمّل النتائج". ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد" أن "على السلطة الفلسطينية وعلى العرب والمسلمين من دون استثناء أن يتجاوزوا مرحلة الشجب والإدانة، إلى مرحلة الفعل المؤثر الكفيل بوقف العدوان، وإلا فإن النيران ستمتد إلى الجميع".

من جهته، يعتبر رئيس مجلس الأوقاف، الشيخ عبد العظيم سلهب، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "العدوان الجديد واقتحام المصلى القبلي وتدنيسه، يعكس قرارات اتخذتها حكومة الاحتلال للسيطرة على المسجد وفرض السيادة اليهودية المطلقة عليه. ولم يعد التقسيم الزماني مجرد شعار مرفوع، بل بات واقعاً تجاوزناه إلى أمر واقع أكثر خطورة".

ولم يجد الفلسطينيون في هذا الصدد، دعماً عربياً وعالمياً، حتى بدت القدس ومسجدها وحيدة في وجه الهجمة الصهيونية الأشرس. ويشير التاجر من سوق العطارين في القدس، محمد جبر، إلى أن "إدانات العرب لم تعد مسموعة، وكأنهم راضون عما يجري من عدوان". ويقول تاجر آخر في سوق باب السلسلة، ويدعى صادق نصار: "نحن فقط من يدافع عن الأقصى وندافع عن أنفسنا. لم نسمع حتى الآن موقفاً جاداً وحازماً يوقف العدوان".

كذلك حثت إحدى المرابطات فصائل المقاومة في غزة من أجل "تلقين العدو درساً"، مشيرة "هل تهون عليكم نساؤكم إلى هذا الحد؟ ألم تشاهدوا جنود الاحتلال وهم يسحلوننا ويعتدون علينا دوساً بأقدامهم؟ ألم تشاهدوا ماذا فعلوا بالمصلى القبلي وكيف دنسوه؟".

على الرغم من كل ذلك، يبدو أن حكومة الاحتلال تتجه نحو مزيد من القمع والتصعيد، وتتوالى تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي تفيد بذلك السيناريو، بدءاً من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزيري الأمن والأمن الداخلي وأعضاء الكنيست اليمينيين، وتدعو كلها إلى "تغليظ العقوبات ضد رماة الحجارة، وضد المرابطين" الذين وصفهم نتنياهو بـ"المشاغبين". ودعا في هذا السياق أجهزته الأمنية والقضائية إلى "اتباع سياسة الصفر من التسامح مع المشاغبين"، على حدّ تعبيره.

ووفقاً لحصيلة غير نهائية لمعطيات فرق الإسعاف المحلية، وعلى رأسها جمعية الهلال الأحمر، فإن "العدوان الإسرائيلي على الأقصى على مدى الأيام الثلاثة الماضية أوقع أكثر من 200 جريح، إصابات العشرات منهم متوسطة". في المقابل، يؤكد مسؤولو الأوقاف تعرض المسجد ومصلياته إلى أضرار فادحة طاولت أبوابه ونوافذه، والتي حطمها جنود الاحتلال بأعقاب بنادقهم، وامتد التخريب إلى زخارف المسجد التاريخية في استهتار واضح برمزيته.

اقرأ أيضاً: ‏"حماس" و"الجهاد": لن تمر مخططات الاحتلال في الأقصى