تونس: وجع السجناء بعد الخروج

تونس: وجع السجناء بعد الخروج

17 نوفمبر 2021
العالم الخارجي أقسى من السجن على المسرّحين (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

لا تختلف صدمة الأيام الأولى للخروج من السجن في تونس عن صدمة الساعات الأولى لدخوله. كلاهما موجع ويحتاج فيهما السجين الذي يمضي فترة حكم أو المسرّح حديثاً إلى لملمة وإعادة ترميم نفسه، ومحاولة بناء علاقات جديدة مع محيطه الذي يشمل أيضاً أفراد عائلته وأقربائه.
"حمّى البوابة دخولاً وخروجاً من أصعب اللحظات التي واجهتها بسبب عقوبة سلبت حريتي وجعلتني أدخل السجن بتهمة تعاطي سيجارة قنب هندي". هذا ما يقول الطالب الجامعي السابق في السنة الثالثة لاختصاص الرياضيات محمد ب. (24 عاماً) لـ"العربي الجديد"، مضيفاً: "رد الفعل الأول للمحيطين هو أول ما يواجهه السجين لدى خروجه وقطعه هذه البوابة، وهو ما يحدد غالباً مستقبله ويرسم طريق عودته مجدداً إلى الزنزانة بعد ارتكابه انتهاكات جديدة، أو إنهائه هذه المرحلة بالكامل، وإطلاقه رحلة جديدة".

ويرى محمد أن "كل سجين، مهما كانت عقوبته وأسبابها، يتمنى أن يحتضنه عالمه الخارجي عند مغادرته السجن بكثير من الإيجابية والعاطفة كي يستطيع ترميم نفسيته المدمرة من مرحلة تنفيذ العقوبة. لكن الرياح تجري غالباً بما لا يشتهي المسرّح. وقد يكون عالم ما بعد تجربة تنفيذ العقوبة أكثر قسوة من السجن ذاته. وقد تمنيت لدى مغادرتي السجن أن أجد والدي عند البوابة كي يحضنني ويقول لي إن ما حصل صفحة طويت، وإنه يجب أن أعود إلى دراستي وأنسى هذه التجربة، لكن رد فعله كان قاسياً ونعتني بفاشل ومجرم، ما أحبطني وجعلني أتمنى لو استمر سجني".

وتكشف شهادات جمعتها منظمات مدنية من مسرّحين تعرض غالبيتهم لـ "حمّى البوابة" خلال الأيام والأشهر الأولى التي تلت إطلاقهم. ويجمع مشاركون في دراسة أجراها "مركز سقراط للدراسات حول العدالة" وتناولت واقع أصحاب تجربة "الربطية" (التعبير الشعبي المستخدم عن دخول السجن)، على أن الأيام والأسابيع والأشهر الأولى التي أعقبت إطلاق سراحهم "شكلت فترة محفوفة بالضعف الشديد وبالمخاطر الكبيرة".

الصورة
المسرّحون من السجون قد يواجهون أي سلوك منحرف (إيميريك فوهرين/ Getty)
المسرّحون من السجون قد يواجهون أي سلوك منحرف (إيميريك فوهرين/ Getty)

وتشير الدراسة إلى أن "فشل الأفراد المفرج عنهم حديثاً في الحصول على دعم مجتمعي معنوي أو مادي، خصوصاً في الفترة الأولى التي تتسم بالهشاشة والتوتر، أشعرهم بخيبة ويأس شديد. وقد ولّدت الصدمة غالباً رد فعل نفسي سلبي حاد تسبب أحياناً في عودتهم إلى السلوك الإجرامي".
وفيما يؤكد محللون كُثر أهمية مرحلة ما بعد خروج الفرد من السجن في تحديد آفاق نجاح أو فشل عملية إعادة اندماجه في المجتمع، تطالب منظمات مدنية بضرورة إخضاع هذه الفترة لدراسة تعالج تداعياتها بهدف الحدّ من نسب العودة إلى الجريمة، وتسهيل اندماج المسرّحين.
ويقول المدير التنفيذي لجمعية "معاك" التي تهتم بقضايا دمج السجناء السابقين في المجتمع مصطفى بن زين لـ"العربي الجديد"، إن "فشل الأفراد المفرج عنهم حديثاً في الحصول على دعم مجتمعي معنوي أو مادي يؤثر غالباً على مسارهم ما بعد السجن، بسبب ما تتسم به هذه الفترة من هشاشة وتوتر".
يضيف: "يواجه المسرّحون خسائر كبيرة تشمل محيط عيشهم والثقافة المشتركة والأصدقاء، وتجعلهم يعيشون فترة من الريبة وعدم الثقة بالنفس والقلق والانفعال، والتي قد تجرهم إلى سلوك مدمر وتعاطي المخدرات".

الصورة
الروابط المجتمعية مهمة لمنع العودة إلى السجن (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
الروابط المجتمعية مهمة لمنع العودة إلى السجن (فتحي بلعيد/ فرانس برس)

وتوصي دراسة "مركز سقراط للدراسات حول العدالة" بضرورة توفير برامج للعلاج السلوكي يشمل فترتي ما قبل إطلاق السراح وتلك التي تلي تنفيذه للمساهمة في الحدّ من التوتر الناجم عن صدمة "حمى البوابة". من هنا تحض جمعية "معاك" منظمات المجتمع المدني على التعاون مع الهيئة العامة للسجون والإصلاح من أجل تصميم وتوفير برامج لإعادة التأهيل خلال الفترتين، للحدّ من توتر الأفراد المفرج عنهم حديثاً، ومساعدتهم في التعامل مع "حمّى البوابة". 

وتوصي الجمعية أيضاً منظمات المجتمع المدني "بتنظيم مجموعات لدعم ومتابعة الأفراد الذين يطلق سراحهم حديثاً، ومساعدتهم في التزود بإستراتيجيات فعّالة للتأقلم والتكيّف مع الواقع الجديد، وذلك بهدف إنشاء روابط لترميم العلاقات ووضع الأطر الإيجابية لها تمهيداً لإعداد الأفراد المفرج عنهم حديثاً كي يكونوا جزءاً من مجتمعات سليمة تلتزم القانون وتتفادى انتهاكه مجدداً، ما يساهم في إيجادهم مشاعر الأمن والانتماء التي يحتاجون لها".

المساهمون