الأفغانيات مرغمات على طاعة المعنفين

الأفغانيات مرغمات على طاعة المعنفين

18 ابريل 2024
لا يمكن أن ترفع المرأة الأفغانية صوتها ضد العنف الأسري (بلال غولر/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في أفغانستان، تعاني النساء من العنف الأسري والحرمان من حقوقهن، حيث تفرض الأعراف القبلية سيطرة الرجل وطاعة المرأة، مما يؤدي إلى تفشي العنف بشكل واسع، بما في ذلك من قبل أفراد الأسرة الآخرين.
- شهادات النساء تكشف عن استمرار العنف الأسري كجزء من الحياة اليومية، مع تغييرات طفيفة في بعض المناطق. غل سانغه من ولاية خوست تروي كيف كان العنف مقبولًا اجتماعيًا ومدعومًا بالأعراف القبلية.
- جهود الحكومة الأفغانية السابقة لتحسين أوضاع المرأة ومكافحة العنف ضدها عرقلتها الأعراف القبلية وسيطرة طالبان والفساد. بعد سيطرة طالبان، ازداد وضع المرأة سوءًا، مع تأكيد الناشطة صفية وزير على أهمية تغيير سياسات طالبان وتثقيف الرجال لدعم تغيير الوضع الراهن.

سبق أن أمر زعيم حركة "طالبان" الأفغانية هبة الله آخوند زاده بمنح الأفغانيات بعض حقوقهن، وعدم تزويجهن في الصراعات القبلية وغيرها، لكنهن لا يزلن يتعرضن لعنف أسري، ويحرمن من حقوقهن.

يتفشى العنف الأسري في أفغانستان منذ زمن بعيد بتأثير الأعراف القبلية المتجذرة التي تخضع المجتمع لقوانين وعادات خاصة لا يمكن أن يتجاوزها أي شخص. ومن الأصول الراسخة في القوانين القبلية أن الرجل هو السيد، ويفترض أن يُطاع من الجميع بلا أي قيود، وتنفيذ جميع أوامره مهما كانت الأحوال. وهكذا تُطيع المرأة الأفغانية الرجل في جميع شؤون حياتها وأمورها الاجتماعية من دون أخذ رأيها في الاعتبار، وأن تملك أي حق في رفع صوتها لمناقشة أي أمر مهما بلغت أهميته، ويتعلق بالدرجة الأولى بحياتها الخاصة وظروفه.
وما يضاعف معاناة المرأة الأفغانية في حياتها اليومية تعرُّضها لضرب وعنف داخل الأسرة من دون أن تستطيع رفع صوتها أيضاً أو أن تحظى بمساندة من أي شخص. 
واللافت أن الزوج لا يمارس وحده العنف مع المرأة، بل أبوه وأمه وأخواته وأيضاً أخواتها الذين قد يضربونها، لكن أشخاصاً يتحدثون عن تغيّر بعض هذه التصرفات في السنوات الأخيرة، إذ بات باقي رجال الأسرة لا يستطيع ضرب النساء باستثناء الزوج الذي ينفذ ذلك متى يشاء وبأي ذريعة.
تقول غل سانغه، المتحدرة من ولاية خوست (جنوب)، لـ"العربي الجديد": "حين تزوجت كان زوجي يضربني لأي سبب، وكان هذا الأمر مقبولاً بحسب الأعراف القبلية التي تمنح الرجل حقوقاً كثيرة، ومنها الضرب واستخدام العنف، وتفرض طاعة الجميع له، لكن ما يؤسفني حتى الآن أن أبا الزوجة الذي نسميه الجد كان يضرب بدوره زوجات أبنائه بأي ذريعة من دون أن تستطيع اي منهن رفع صوتها".

وتحكي أنها تعرضت مرة لضرب مع جميع النساء في المنزل على يد أبي زوجها. وحصل ذلك حين جاء كثير من الضيوف إلى المنزل، وكانت حجرة الاستقبال مليئة بالناس، فبعدما راقب الجد ما يجري في المطبخ طلب منا تجهيز الغداء قبل صلاة الظهر، لكن هذا الأمر تأخر بسبب الضغط والعمل، فجاء الجد غاضباً لكنه من دون أن يقول شيئاً. وبعدما أعددنا الطعام ومضى اليوم وذهب الضيوف سأل الجد لماذا تأخر الغداء فقلنا له إن الأمر حصل لأسباب معينة، وجادلته إحدى النساء فأخذ عصاً وضربنا كلنا في حضور أزواجنا الذين لم يحركوا ساكناً بسبب طاعتهم له، أو لأنهم كانوا يخافون من أن يحرمهم من الميراث. وفي اليوم التالي قدمت مع النساء لطلب العفو من الجد الذي بادرنا جميعنا إلى تقبيل يده، وانتهى الأمر بهذه الطريقة".
لكن غل تقول إن "الأمور تختلف حالياً، ففي أماكن كثيرة لا يمكن ضرب المرأة إلا من زوجها، وأنا لدي أربع كنات لا يحق لأي شخص أن يمارس العنف ضدهن، بل أزواجهن فقط، لكن الأبناء يضربون زوجاتهن، رغم أنني أحاول أن أمنعهم مع زوجي لكنهم يفعلون ذلك مثل عادة باقي الأزواج، وهذا أمر مؤسف للغاية، لكنّه يحصل".

تثقيف الرجل بين حلول معالجة العنف الأسري ضد الأفغانيات (محسن كريمي/ فرانس برس)
تثقيف الرجل بين حلول معالجة العنف الأسري ضد الأفغانيات (محسن كريمي/ فرانس برس)

وكانت الحكومة الأفغانية السابقة تؤكد قبل إنهيارها أنها تعمل دائبة لتحسين أوضاع المرأة، خاصة في ما يتعلق بالعنف. ويقول محمد شاه الذي عمل موظفاً في وزارة الشؤون الاجتماعية بالحكومة السابقة لـ"العربي الجديد": "كانت حكومة أشرف غني تعمل دائبة كي تستطيع المرأة تحسين أحوالها، وواجهت صعوبات وعقبات كبيرة أبرزها الأعراف السائدة المتجذرة، ووجود حركة طالبان التي كانت تسيطر على مناطق شاسعة، وكانت تقيّد المرأة، وأيضاً مشكلات تفشي الفساد المالي والإداري في الحكومة، ما جعل مشاريعها ناقصة ومعرقلة. أما بعد سيطرة طالبان على الحكم فبات وضع المرأة أسوأ إلى أقصى حد رغم تأكيد حكومة طالبان مرات أن حكومتها تضمن منح المرأة الأفغانية كل حقوقها وفق الشريعة الإسلامية". 

وتقول الناشطة صفية وزير لـ"العربي الجديد": "كل ما تقوله حكومة طالبان لا يسمن ولا يغني من جوع، فهي تزيد وضع المرأة سوءاً وتحرمها من التعليم والعمل في ظل وضع معيشي متدهور عموماً. ويؤدي ذلك إلى مشكلات أسرية تقع المرأة ضحيتها. من هنا إذا كانت طالبان تريد فعلاً أن تحسّن أوضاع المرأة يجب أن تمنحها حقها في التعليم قبل الميراث الذي يبقى بلا تنفيذ أيضاً وعلى الورق فقط".
تضيف: "الرجال عاطلون عن العمل في منازل كثيرة، وأيضاً النساء اللواتي يجلسن في المنازل بسبب سياسات طالبان، ما يؤدي إلى مشكلات أسرية كثيرة بينها ممارسة العنف ضدهن وضربهن". 
وفي شأن الحلول، تقول صفية: "لا بدّ من أن تلعب شرائح مهمة دورها في تحسين أوضاع النساء، وأن تغيّر طالبان سياساتها على غرار علماء الدين وأئمة المساجد وزعماء القبائل. وإذا لعبت هذه الشريحة دورها فستتغيّر أمور كثيرة". وتشدد على أن كثيراً من الناس يرون أن تثقيف المرأة مهم جداً، لكني أعتقد شخصياً بأن تثقيف الرجل أهم من تثقيف المرأة التي لا يمكن أن تفعل شيئاً في كل حال حتى إذا كانت مثقفة، إذ لا بدّ أن يساندها الرجل".

المساهمون