تعذيب وأوضاع مزرية ولا احترام للمواثيق الدولية في سجون تونس

تعذيب وأوضاع مزرية ولا احترام للمواثيق الدولية في سجون تونس

17 ابريل 2021
630 إشعاراً بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان في السجون (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

أكّد رئيس الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب فتحي الجراي، خلال جلسة عامة مخصّصة للحوار حول الوقاية من التعذيب في تونس أمس الجمعة، أنّ "ظروف السجون لا تحترم  المعايير الدولية، وهي غير مطابقة لضمانات القانون التونسي المكفولة للسجناء".
وتابع الجراي، في ردّه على انتقادات النواب من مختلف الكتل البرلمانية، أنّ أغلب السجون التونسية، ما عدا سجن النساء بمنوبة، تجاوزت طاقة استيعابها، مؤكداً أنّ التعذيب يطاول كلّ الفئات العمرية.
وحذّر الجراي من خطورة تواصل إفلات أعوان الأمن من العقاب، ما ساهم في تواصل الاعتداءات وتكرارها.
وأضاف أنّ هناك تعذيباً معنوياً صعب الإثبات، لكنه يترك أثراً عميقاً على السجناء، مشيراً إلى أنّه من بين أشكاله، ما تمّ رصده في مركز الإيقاف ببوشوشة في العاصمة، حيث أنّ موقوفين من الكهول ينامون على الأرض في ظروف سيئة، وهذا لا يحفظ كرامة المواطنين، مشيراً إلى تسجيل اكتظاظ كبير في معظم الوحدات السجنية.
وأضاف الجراي أنّ الهيئة لاحظت اهتراء في البنية التحتية لمعظم السجون، وأنّ نسبة الاكتظاظ بأماكن الاحتفاظ فاقت ضعفي طاقة استيعابها، لا سيما إثر الإيقافات الأخيرة.
وأشار الجراي إلى أنّ كلفة وجبة السجين في تونس تقدّر بدينارين اثنين (أقل من دولار واحد)، ما يعكس رداءة الوجبات وعدم احترام شروط حفظ الصحة، وسوء احترام البروتوكلات الصحية وضعف الرعاية الصحية، ومحدودية برامج التكوين والتأهيل والإعداد للإدماج في المجتمع، ما جعل نسب العود مرتفعة، تصل إلى 40%.
وأضاف الجراي أنّ 1700 سجين أصيبوا بفيروس كورونا، توفي ستة منهم، فيما تماثل البقية للشفاء، وقال إنّ 1800 عون من أعوان السجون والإصلاح أصيبوا بدورهم بالفيروس، وتماثلوا جميعهم للشفاء، منذ بداية الجائحة في الفترة الممتدة من مارس/ آذار 2020 إلى مارس 2021.
وكشف الجراي أنّ الهيئة تلقّت 630 إشعاراً بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان في السجون ومراكز الإيقاف والاحتفاظ، وبعد التقصي، قامت الهيئة بـ600 إحالة إدارية إلى السلطات المختصّة وأكثر من 70 إحالة قضائية إلى محاكم تونس وبن عروس وبنزرت والقصرين. 
وقال رئيس الهيئة إنّ تونس أرست أول هيكل للوقاية من التعذيب في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، مشيراً إلى أنّ تونس بإمكانها أن تكون بلداً خالياً من التعذيب مثل ما كانت أول بلد ألغى العبودية والرق.

ولفت الجراي إلى أنّ موازنة الهيئة ضعيفة، بلغت مليوني دينار، مخصّصة لسداد الأجور والرواتب، ولا تكفي للقيام بالوظائف الرقابية المطلوبة منها والحملات التحسيسية والتوعوية.
وقامت الهيئة بزيارات ميدانية لمراكز الاحتجاز والإيقاف والمعابر الحدودية والمراكز الاجتماعية ومراكز المهاجرين، وكلّ أنواع الأماكن السالبة للحرية، وجميع اللّجان تشتغل بشكل متواصل. 
وقال الجراي إنّ جميع زيارات الهيئة فجائية، وقد رصدنا العديد من التجاوزات والخلل في التقارير، مشدداً على أنّ الهيئة لا يمكنها قانوناً أن تتدخل في حالات التعذيب الخارجة عن الأماكن السالبة للحرية.
وفي مداخلته، أكّد النائب عن الكتلة الديمقراطية المعارضة، سالم قطاط، أنه لا يوجد أيّ مبرر لقيام الأمن بالتعذيب، ولا ينبغي أن يكون تحقيق الأمن الوطني مطية لاستخدامه. وأشار إلى أنّ الدولة، بالرغم من مصادقتها على الاتفاقيات والمعاهدات الحقوقية المناهضة للتعذيب، ما زالت تمارسه وتستعمل التعذيب ضدّ خصوم الحكم، وليست الاتفاقات الموقعة سوى تجميل لصورتها في المحافل الدولية.
وأضاف أنّ الهيئة يجب أن تقوم بدورها بفاعلية وأن تكون أكثر حضوراً وأن تجسّد دورها الرقابي، وأن تعيد الحقوق للمواطنين الذين تمّ الاعتداء عليهم بالتعذيب.
وأضاف النائب عن النهضة، محمد القوماني، أنّ الصمت عن التعذيب مشاركة فيه، وأنّ تقرير هيئة الوقاية من التعذيب بالغ الأهمية، ولكنه مخيّب للآمال، مشيراً إلى النقص المسجّل في حالات الوفاة المشبوهة في السجون ومراكز الإيقاف.
وأضاف القوماني أنّ شهادات الشباب الموقوفين على خلفية قضايا المخدرات، وبسبب أغاني الملاعب والراب، تدلّ على تواصل التعذيب والانتهاكات التي ينتهجها الأمنيون، والتقرير دليل على الفشل في الوقاية من التعذيب وأنّ الدولة لم تنجح في هذا المجال.
وشدّد القوماني على أنّ "الانسان يبقى إنساناً، مهما كانت جريمته"، مستنكراً تصريحات الأمنيين بأنّ ثقافة حقوق الإنسان ومناهضة التعذيب ساهمت في انتشار الجريمة.
واعتبرت النائبة عن حزب قلب تونس، مريم السعيدي، أنّه يجب، اليوم، تعويض العقوبات السالبة للحرية بعقوبات بديلة والتخفيف منها، للحدّ من التجاوزات والإخلالات المسجلة ولتخفيف الاكتظاظ والضغط على السجون.
وأضافت أنه لا يمكن الحديث، اليوم، عن استراتيجية لمناهضة التعذيب من دون مراجعة المنظومة السجنية وهيكلتها، داعية إلى مراجعة قانون هيئة الوقاية من التعذيب وتمكينها من الإمكانيات والاعتمادات للقيام بدورها.
واعتبر النائب عن ائتلاف الكرامة، عبد اللطيف العلوي، أنّ آفة التعذيب أكبر بكثير من أية هيئة مهما كانت صلاحياتها، مشيراً إلى أنّ "التعذيب صناعة ازدهرت منذ ما سمي كذباً بدولة الاستقلال"، حسب قوله.
وأشار إلى أنّ الحديث عن التعذيب لا يمكن أن يكون محايداً، وتبييض التعذيب لا يقلّ خطورة عن التعذيب، مضيفاً إلى أنّ أهم مموّل وصانع للإرهاب هو التعذيب.
وأضاف العلوي أنّ "الإجراء الحدودي أس 17" هو نوع من أنواع التعذيب، ولم نسمع للهيئة صوتاً يدافع عن ضحاياه، داعياً إلى ألا تكتفي بالعمل الإداري وأن يكون تحرّك الهيئة ميدانياً أكثر.

المساهمون