المغرب: تحديات تعرقل مكاسب تدريس اللغة الأمازيغية

المغرب: تحديات تعرقل مكاسب تدريس اللغة الأمازيغية

04 مارس 2024
يدرس 400 ألف تلميذ الأمازيغية في المرحلة الإبتدائية (عبد الحق سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال تدريس اللغة الأمازيغية يواجه تحديات كثيرة في المغرب رغم مرور أكثر من 20 عاماً على دمجها في نظام التعليم، في وقت تؤكد وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة تحسّن مؤشرات تدريسها وتعميمها.
يقول رئيس "العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان" (غير حكومية)، بوبكر أونغير، لـ"العربي الجديد": "تعميم تدريس اللغة الأمازيغية من أولويات نضال الحركة الأمازيغية بالمغرب منذ عقود، وكل البيانات التي تصدرها الجمعيات الأمازيغية تطالب بتسريع إطلاق ورش تدريسها وتعميمها في كل المراحل الدراسية، باعتبار أن تعميم تدريسها يشكل مدخلاً طبيعياً وأساسياً لمصالحة المواطنين والمواطنات مع تاريخهم وحضارتهم ولغتهم".

واعتمد المغرب اللغة الأمازيغية في عدد محدود من المدارس منذ عام 2003، ثم تبنى في عام 2019 قانوناً ينظم استخدام اللغة الأمازيغية في الوثائق الإدارية وتعميم تدريسها تدريجياً، لكن جمعيات أمازيغية تنتقد الوتيرة البطيئة لتطبيق التعميم.
وهنا يتساءل أونغير عن قلّة الأطر البشرية المؤهلة لتدريس اللغة الأمازيغية، وحصر التدريس في بعض المؤسسات التعليمية الابتدائية الذي يشير بحسب قوله إلى "عدم وجود رغبة سياسية في إنجاح ورش التدريس، وصولاً ربما إلى مقاومة مسؤولي القطاع التعليمي تعميم تدريس الأمازيغية، وجعله إجبارياً".
يضيف: "تعبّر خطابات الملك محمد السادس حول إنصاف الأمازيغية بوضوح عن اعتزازه وغيرته الكبيرة على مستقبل اللغة الأمازيغية باعتبارها مكوناً أساسياً للهوية الوطنية المغربية، كما تعهدت الحكومة الجديدة بإنجاح ورش تدريس اللغة الأمازيغية، لكن الواقع العملي لا يعكس ذلك، ويضرب عرض الحائط بالإرادة الملكية والدستور".
والعام الماضي، أقرّ البرلمان المغربي الإلمام باللغة الأمازيغية شرطاً لحصول الأجانب على الجنسية المغربية. وكان دستور 2011 أورد أنّ "المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوّع مقومات هويتها الوطنية، الموحّدة بانصهار كلّ مكوّناتها، العربية-الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية". 
وأعلن وزير التربية الوطنية، شكيب بنموسى، في جلسة لمجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان) في 31 يناير/ كانون الثاني الماضي، أن عدد مؤسسات التعليم الابتدائي في المغرب التي تدرّس اللغة الأمازيغية جزئياً أو كلياً يبلغ 1803 مدرسة، تتوزع بين 930 في مناطق حضرية و873 في مناطق قروية، وبنسبة 31 في المائة من مؤسسات التعليم الابتدائي، ويبلغ عدد المدرّسين 1860، والتلاميذ المستفيدين 746 ألفاً، ما يمثل  19.5 في المائة من عدد تلاميذ المرحلة الابتدائية، مؤكداً أن الوزارة تعمل لتعزيز دينامية تدريس الأمازيغية لتحقيق نسبة تغطية تصل إلى 50 في المائة خلال العام الدراسي 2025 - 2026، و100 في المائة في العام الدراسي 2029 - 2030.
وفي شأن تنفيذ استراتيجية تسريع وتيرة تعميم تدريس الأمازيغية، أعلن بنموسى أن وزارة التربية الوطنية زادت عدد الوظائف الخاصة بمدرسي اللغة الأمازيغية بنسبة 50 في المائة هذه السنة (600 وظيفة مقابل 200 في عام 2022).

الصورة
ينتظر المغاربة تعزيز هذه المؤشرات الإيجابية لنشر الأمازيغية (عبد الحق سنّا/ فرانس برس)
ينتظر المغاربة تعزيز المؤشرات الإيجابية لنشر الأمازيغية (عبد الحق سنّا/ فرانس برس)

لكن بوبكر أونغير يرى أن "عدم تعميم اللغة الأمازيغية، وجعلها مادة اختيارية غير مدرجة ضمن مواد التقييم الإجبارية، وعدم وجود مفتشين متخصصين فيها، وتعليم مواد أخرى على حساب ساعات اللغة الأمازيغية، تجعل ورش تعميم تدريس الأمازيغية طلباً مؤجلاً يتطلب مواصلة التحرك المدني والسياسي لعرض الموضوع ومناقشته".
يتابع: "أصبح تدريس الأمازيغية لجميع التلاميذ المغاربة في القطاعين العام والخاص قضية ملحة، ولن يحصل ذلك الا باتخاذ إجراءات عاجلة منها توفير عدد كافٍ من الأطر التدريسية المتخصصة في اللغة الأمازيغية، وإنشاء هيئة تفتيش متخصصة، وإعداد مديرية خاصة بتتبع تدريس الأمازيغية لدى المصالح المركزية في الرباط، والأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية من أجل تتبع آليات ونسب إدراج الأمازيغية في التعليم، وأيضاً ضمن مواد الامتحانات".
من جهته، يقول الباحث في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (حكومي) كمال أقا، لـ"العربي الجديد": "بعد مرور 20 سنة من إدراج اللغة الأمازيغية فعلياً في منظومة التربية والتكوين، سجل التربويون والحقوقيون والمدنيون الذين يتابعون ملف تدريسها تراجعاً كبيراً في الحصص ونوعية التدريس ما ساهم في تعثر تعميمها، وأيضاً غيابها عن مشاريع تحديث كثيرة باشرت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة تنفيذها بعد إصدار القانون رقم 51-17".
ويوضح أنه "رغم تأكيد القانون أن اللغة الأمازيغية بين مواد المراحل الابتدائية في المدارس، وتعميمها، لا يزال تدريس اللغة الأمازيغية يواجه تحديات عدة، أهمها عدم إدراجها في مشاريع التجديد الخاصة بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، خاصة مشاريع المدرسة الرائدة، والتدريس بمستوى مناسب، والتعليم الأولي. كما أنها مفقودة في برامج تدريس الثقافة المغربية للمغتربين، ومؤسسات التعليم الخاصة ومدارس البعثات الأجنبية، وكذلك في امتحانات شهادة السنة السادسة ابتدائي، ومنصة تيفيناغ الإلكترونية للتدبير المدرسي".
ومن بين التحديات أيضاً النقص الحاد في عدد الموارد البشرية الذي يناهز 1800 أستاذ متخصص، والذي قلّص عدد التلاميذ والتلميذات الذين يدرسون اللغة الأمازيغية، وهو حالياً 400 ألف من أصل 5 ملايين.
إلى ذلك، يواجه تدريس الأمازيغية تحدي إلزام بعض الأساتذة المتخصصين بتدريس مواد أخرى، أو تكليفهم بحصص دعم في غير اللغة الأمازيغية، وعدم انتظام حركة نقل هؤلاء الأساتذة، وتجاهل تعويض المناصب الشاغرة، ما ينعكس سلباً على خطط تعميم اللغة، ويهدر فرص التلاميذ في الحصول على دروس في سنوات التعليم الابتدائي على الأقل. 

أيضاً يُسجل أقا غياب الكتاب المدرسي للغة الامازيغية في حقيبة "المليون محفظة"، ما يمنع توفره في كل الأقسام التي تحتضن مناهج تدريس اللغة الأمازيغية. ويقول: "نأمل في أن تعمل وزارة التربية الوطنية لتجاوز التحديات، وفتح ملف تدريس اللغة الأمازيغية على آفاق أخرى تُنجح تجربة تدريسها باعتبارها لغة رسمية للدولة وإرثاً لكل المغاربة من دون استثناء، وتعكس أهمية المبادرات الملكية الحميدة وآخرها إقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية، والمساعي الوزارية المشجعة، وبينها توظيف عشرة متصرفين معنيين بالأمازيغية، من دون أن ننسى إحداث شعبة للتخصص باللغة الأمازيغية في مركز تكوين المفتشين عبر انتقاء 12 مفتشة ومفتشاً متدرباً، ورفع عدد الأساتذة المتخصصين إلى 600 هذه السنة".

المساهمون