ألبسة مغربية مُقاومة للبرد... من "تُورْغِيوينْ" إلى"الحبّة السايسية"

ألبسة مغربية مُقاومة للبرد... من "تُورْغِيوينْ" إلى "الحبّة السايسية"

14 نوفمبر 2023
جلابية "الحبة السايسية" الملائمة لفصل الشتاء (العربي الجديد)
+ الخط -

يتفنّن الحرفي المغربي عبد المجيد الكبيري وسط محلّه لبيع الملابس التقليدية بمدينة الدار البيضاء (وسط غرب)، في وضع اللمسات الأخيرة على طلبية زبونة جلابية "الشخمة الوزانية" المنسوجة من الصوف، في حين يعرض مُساعده أمام الزبائن عدداً من الجلابيب مختلفة الألوان والأشكال، والتي تناسب فصل الشتاء وتقي من لسعات البرد.
يقول لـ "العربي الجديد": "هناك زبائن، رغم قلّتهم، يُحافظون على العادات القديمة المتعلقة باقتناء الجلابيب التقليدية المقاومة لبرد الشتاء، فيطلبون جلابية الكشمير أو الشخمة الوزانية. أسعى لتلبية الطلبات مع الاجتهاد في التصاميم رغم الصعوبات المادية التي نواجهها منذ جائحة كورونا".
يتحدر عبد المجيد من مدينة وزان في شمال غربي المغرب، وقد ورث عن والده هذه الحرفة، ويتذكر حجم الإقبال على الجلابية الوزانية خلال فصل الشتاء، فهي تحصن من يرتديها من البرد أولاً، وتجعل منه سفيراً لهندام مغربيّ أصيل صامد منذ قرون.
ويوضح أن الأسعار تتفاوت تبعاً لجودة القماش المستعمل والخياطة والتطريز، وأنّ "الجلابية المنسوجة بأنامل الحرفيين تختلف عن نظيرتها التي تصنع بالماكينة، فسعر الأولى يتراوح من 700 إلى 1500 درهم (ما بين 70 و150 دولارا)، في حين يتفاوت سعر الثانية ما بين 500 و700 درهم (50 إلى 70 دولارا)".
تعدّ جلابية "الحبة السايسية الدكالية" سلاحاً ضدّ برودة الطقس، ويكثر عليها الطلب في فصل الشتاء، بحسب سعيد أسليم، وهو صاحب محل لبيع الجلباب الأصيل بمدينة القليعة جنوبي أغادير. تسمى الحبّة السايسية نسبة إلى الجماعة القروية لزاوية سايس التابعة لدائرة سيدي إسماعيل بإقليم الجديدة، وتضطلع نسوة حرفيات بتهيئة الصوف المستعمل.

الصورة
يرتدي جلابية تقليدية (يوريكو ناكاو/ Getty)
يرتدي جلابية تقليدية (يوريكو ناكاو/Getty)

يضيف أسليم أن "الثوب يُصنع على منسج خشبي تقليدي يدوياً قبل الانتقال إلى مرحلة الخياطة بالبرشمان، وسعر الجلباب يبدأ من 700 درهم، وقد يصل إلى 2000 درهم (70 إلى 200 دولار). الجلابة السايسية لها عُشاقها، والزبائن، خصوصاً في المدن الساحلية، يطلبون جلابة المليفة والكشمير الناعم بخياطة عصرية، ومنهم من يُفضل الثوب المحلي، بالإضافة إلى السلهام المفتوح من الأمام والذي يضفي على اللباس لمسة عصرية".

ويشير إلى أنه يحرص على تشجيع الشباب على الإقبال على هذا المنتج، متابعاً كل جديد وعصري، مستعيناً بوسائل التواصل الاجتماعي، حيث ينشر جديد الأثواب والموديلات، كما يشارك صوره مرتدياً الجلابية المغربية المختلفة الأشكال والأنواع والتطريزات، عبر حساب "جلباب أصيل"، ويطالب بضرورة الاهتمام بهذا الموروث الذي ينتقل عبر الأجيال بكل ما يعكسه من معاني رمزية تاريخية ودينية ووجدانية.

يوضح الباحث في التاريخ والحضارة المغربية هشام الأحرش، أن كلمة جلابية كانت تعني اللباس الخاص بالرجال، وأن بعض أعيان المغرب، وخصوصاً في فاس، كانوا يرتدون في الشتاء ملابس من الصوف المستورد، تتكون من سترة ضيقة لها نصف أكمام تسمى البدعية، وتوضع فوق قميص، وفوقها عباءة واسعة مخيطة من الأمام، ويغطون كل ذلك ببرنس (سلهام)، ويضعون على رؤوسهم قلنسوة، ويلفون حول القلنسوة عمامة من الكتان.
يضيف الأحرش: "من عادات العلماء والأعيان المتقدمين في السن أن يلبسوا سترات عريضة الأكمام على غرار نبلاء البندقية، بينما لباس الفقراء والعامة خلال القرن الـ 16 كان عبارة عن ثوب من نسيج صوف البلاد الخشن، وبرانسهم (السلهام) من نفس النسيج". 
يتربع الصوف على رأس المواد المستعملة في الملابس التقليدية المغربية التي يمكن وصفها بـ "سلاح الشتاء" نظراً لقدرته على مد الجسم بالدفء والصمود في وجه الظروف المناخية، ورغم تراجع غزل الصوف تقليدياً في المنازل، إلا أن أشغالاً يدوية عديدة تنشط بحلول فصل الشتاء بطلاتها نساء تعلمن مهنة الجدات وفن الكروشيه، وأبدعن أشكالاً تشق طريقها بثبات في السوق، رغم موجة العصرنة والمصانع الكبيرة.

تسابق المغربية سميرة أيت هاني الزمن لإنجاز مجموعة من الجوارب والقبعات والقفازات الصوفية لزبوناتها، بعدما تحول الأمر من مجرد هواية إلى مصدر لكسب الرزق، وتطمح إلى تطوير مشروعها وافتتاح محل خاص بالأعمال اليدوية. تقول لـ "العربي الجديد"، إنها قررت أن توسع مشروعها بالعمل من المنزل على الرغم من ضعف الإمكانيات واعتمادها على رأس مال بسيط، وإنها طورت موهبتها في فن الكروشيه بحضور عدة دورات عبر الإنترنت، مشيرة إلى أن أمها وجدتها كانتا تحيكان ملابس الشتاء من الصوف، وأن الجوارب الصوفية تحظى بطلب كبير، تليها القبعات مختلفة الألوان والأشكال، ثم القفازات، وأن الأسعار تبدأ من 20 درهما ولا تتعدى 150 درهماً. 

الصورة
تدفئهما شتاء (جورج فرنانديز/ Getty)
تدفئهما شتاء (جورج فرنانديز/Getty)

ولا جدال في كون الجلابية المغربية النسائية لباساً دائم التجدد لمواكبة تطورات العصر ولمواجهة قساوة المناخ، وخصوصاً لدى سكان المناطق الجبلية، وجلابية الصيف تختلف عن جلابية الشتاء، وعن الكيمونو الذي لم يعد حكراً على الملابس اليابانية، بل دخل بقوة إلى خزانة المغربيات.
وتوضح مصممة الأزياء سلمى بنموسى، لـ "العربي الجديد"، أنها تسعى للحفاظ على هوية الجلابية المغربية باعتبارها رمزاً مغربياً أصيلاً، غير أنها لا ترى مانعاً في إضافة لمسات عصرية تزيد من جماليتها، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بجلابية شتوية من ثوب المليفة أو الكشمير. وتوضح أنها تحرص على تزيين تصاميم الجلابة الشتوية بالعقيق والخرز، فضلاً عن تطريزات ولمسات تواكب العصر، بهدف تشجيع جميع الأعمار على ارتدائها. وتشير أيضاً إلى أن الكاب والكومينو، وهو قطعة من الثوب مفتوحة من الأمام بأكمام واسعة ويشتهر بكونه اللباس التقليدي في اليابان، دخل غمار المنافسة مع تعديلات مختلفة على الثوب المستعمل ليواكب الإطلالة الشتوية.
بدورها، تقول الباحثة في التاريخ والتراث المحلي لواحة دادس -إمكون بالجنوب الشرقي المغربي، فاطمة عمراوي، لـ "العربي الجديد"، إن اللباس في منطقة دادس عرف عدة تحولات، وبات الكساء الشتوي حالياً ينسجم مع تطورات السوق والقدرة الشرائية للمستهلكين، ويمكننا الحديث عن الكنزات الصوفية والمعاطف التي ظهرت بديلاً عن الملابس التقليدية المندثرة. 

تضيف: "قديماً، كانت (تَاحْرُويْتْ) بمثابة بطاقة هوية للمرأة الأمازيغية، وهي قطعة بيضاء تُحاك من الصوف الأبيض، بمترين طولاً ومتر ونصف المتر عرضاً، تلبس فوق اللباس المحلي المعروف باسم (تاشطات) وتستر سائر الجسد، كما أنها تدفئ النسوة والفتيات في الواحة، غير أن هذا اللباس اختفى حالياً بسبب منافسة المنسوجات العصرية الأقل تكلفة، ولعدم نقل المهارات اليدوية في مجال النسيج للأجيال اللاحقة. أما لباس الذكور، فنجد (تَجلاّبيتْ) أو الجلابة، و(أَزنَّارْ) أو (السلهام)، وكليهما ثوبان ينسجان من قطعة واحدة بغطاء الرأس (أكونون). وإذا كانت تاجلابيت مغلقة، فإن أزنار يكون مفتوحا من الأمام. وفي البرد، يلبس أزنار فوق تاجلابيت. أما القدمين فتدفأ بـ(تورغيوين) أي الجوارب، وهي مشتقة من (تيرغي) أي الدفء".
وتشير المصادر التاريخية إلى أن المغاربة قديماً كانوا يلفون أرجلهم وسيقانهم بخِرَق من الصوف لحمايتها من الثلج والبرد القارس، قبل أن يتعرفوا على الجوارب الصوفية التي تتميّز بوجود زخارف من الألوان بأشكال هندسية مختلفة.

المساهمون