تدريس الأمازيغية... جدل قديم يتجدد في المغرب

تدريس الأمازيغية... جدل قديم يتجدد في المغرب

07 نوفمبر 2022
معوقات تواجه تدريس الأمازيغية في المغرب (عبد الحق سنا/ فرانس برس)
+ الخط -

رغم مرور 19 سنة على انخراط وزارة التربية المغربية بشراكة مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في اعتماد تدريس اللغة الأمازيغية في المرحلة الابتدائية، كمقدمة لتعميمها تدريجياً في بقية المستويات، إلا أن تدريس الأمازيغية ما زال يواجه تحديات وصعوبات عدة.
تقول فاطمة، وهي أستاذة بمدرسة ابتدائية في إقليم شيشاوة (وسط)، لـ"العربي الجديد"، إن "تدريس اللغة الأمازيغية الذي بدأ في سبتمبر/ أيلول 2003، لا يزال يواجه صعوبات بسبب قرارات عشوائية وارتجالية، من بينها تكليف أساتذة الأمازيغية بتدريس مواد أخرى، أو اعتبارها نشاطاً إضافياً أو ترفيهياً، وليس مادة أساسية على غرار اللغتين العربية والفرنسية".
وتضيف المدرسة المغربية: "تتكرر الاحتجاجات في كل سنة، وكل مرة نجد أنفسنا في موقف الحائر بسبب التضارب بين المذكرات الوزارية بشأن التصريف المنهجي لحصص اللغة الأمازيغية، وبين اجتهادات المدراء والمفتشين التربويين، إلى جانب أزمة العدد المحدود لمدرسي الأمازيغية، وكلها أمور تعرقل تدريسها وتعميمها في المدارس".

لا يوجد إحصاء أو دراسة حول حصيلة تعميم تدريس اللغة الأمازيغية، سواء من قبل وزارة التربية الوطنية أو المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، غير أنه مع بداية كل عام دراسي تتجدد انتقادات واحتجاجات بالمؤسسات التعليمية، رغم المجهودات التي تبذلها الوزارة.
يقول الباحث في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية كمال أقا، لـ"العربي الجديد"، إن "تجربة تدريس الأمازيغية راكمت خلال مدة قصيرة نسبياً مكتسبات كمية ونوعية عدة، تمثلت أساساً على المستوى البيداغوجي في الاستناد إلى منهاج صدر في (الكتاب الأبيض) سنة 2002، وأعيد تنقيحه ومراجعته في 2021، وحدد الغايات والتوجهات العامة المؤطرة لتدريسها باعتبارها لغة وثقافة وإرثاً مشتركاً لجميع المغاربة".
وأضاف أنه "تبعت ذلك إجراءات في مضامين المنهاج التعليمي، من إعداد الكتب الدراسية للسنوات الست من التعليم الابتدائي، وتهيئة اللغة خطياً ونحوياً ومعجمياً عبر إعداد كتب خاصة معيرة بحرف (تيفيناغ)، وكتب خاصة بقواعد الكتابة والإملاء الأمازيغية، كما تمت على مستوى تكوين الموارد البشرية بلورة خطة عمل من أجل تخصيص دورات مكثفة للتدريب المستمر للكوادر، وإعداد مجموعة من مسوغات التكوين الخاصة بمديري المؤسسات التعليمية، وأيضاً المفتشين التربويين".
ويحدد أقا الأسباب التي تحول دون تعميم اللغة الأمازيغية بالمدارس في نقاط، من بينها "النقص الكبير في الموارد البشرية، والتي ما زالت في حدود 1200 أستاذ متخصص، وهو رقم لا يمكن أن يغطي المدارس العمومية، وأيضاً غياب تشريعات وقوانين ملزمة للجميع، فضلاً عن غياب رؤية موحدة لتدبير الزمن المدرسي، وعلى المستوى اللوجيستي هناك غياب لفضاءات وأقسام خاصة باللغة الأمازيغية، كما أن الأمازيغية ليست بعد ضمن مواد التقويم الرسمي في الشهادات، وتغيب درجاتها المفصلة عن الكشوف الوطنية للنقاط".
ويضيف أن "بعض الفاعلين التربويين يسبحون عكس تيار الدستور المغربي الصادر سنة 2011، حتى وإنت كانت بعض تلك الممارسات فردية، لكنها ما زالت تخالف الدستور الذي أقر اللغتين الرسميتين، العربية والأمازيغية، واعترف بالتعدد اللغوي والثقافي كمقوم من مقومات الشخصية المغربية".
من جهته، يقول الكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم (نقابة)، عبد الرزاق الإدريسي، لـ"العربي الجديد "، إن "تعميم اللغة الأمازيغية على المدارس يجب أن يكون وفق استراتيجية واضحة المعالم، وعبر تكوين عدد كاف من مدرسي الأمازيغية المتخصصين بشكل سنوي، ويجب أن يكون هذا التعميم مرفقا بتأطير مناسب للحاجيات، والنقابات التعليمية كان من ضمن مطالبها الأساسية الاهتمام بتدريس الأمازيغية باعتبارها اللغة الأم لكثير من التلاميذ على الصعيد الوطني، والإدارة والوزارة مفروض عليهما احترام هذا، واحترام مدرس اللغة الأمازيغية".

الصورة
جلبت تجربة تدريس الأمازيغية مكتسبات (فريديريك سطان/ Getty)
جلبت تجربة تدريس الأمازيغية مكتسبات (فريديريك سطان/ Getty)

ولتجاوز السلبيات المسجلة في مسار تدريس الأمازيغية، يؤكد كمال أقا على "ضرورة التطبيق السليم لمواد الدستور في مجال التعليم، وخصوصاً حصول الأمازيغية على مكانة اللغة الرسمية للدولة في المدارس، واحترام الآجال المسطرة في خريطة طريق تعميم الأمازيغية"، لافتاً إلى ضرورة العمل على زيادة الموارد البشرية، وإدراج الأمازيغية ضمن مواد الشهادات الرسمية، وإبراز مكوناتها في كشوف النقط بشكل صريح، والعمل على إدراجها في المستويين الثانوي الإعدادي والثانوي التأهيلي، وتوسيع مسالك وشعب الدراسات الأمازيغية، وإدراجها في مختلف الجامعات المغربية.
إلى جانب كل الإجراءات السابقة، يدعو الباحث المغربي إلى "إصدار مذكرات وزارية ملزمة لمختلف المتدخلين في تدريس اللغة الأمازيغية، بما يضمن السير السليم لها داخل الفضاءات المدرسية، وتثمين مجهودات الأساتذة المتخصصين في اللغة، ورفع نسب ترقياتهم على المستوى الوطني عبر إحداث (كوتا) خاصة، وإدراج تخصص مفتش اللغة الأمازيغية ضمن تخصصات مركز تكوين مفتشي التعليم، وكذا إدراج كتاب اللغة الأمازيغية ضمن كتب برنامج (مليون محفظة)، الذي يتم بموجبه توزيع مليون محفظة مدرسية سنوياً على التلاميذ المتحدرين من فئات اجتماعية فقيرة في كافة مدارس المغرب".
وتعهد رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، خلال تقديمه برنامج حكومته أمام البرلمان في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بإحداث صندوق خاص لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بحلول عام 2025، كما تعهد بموازنة تفوق 100 مليون دولار لهذا الغرض، والتزم بمسؤولية هذا الصندوق عن "إدماج الأمازيغية في مجالات التعليم والتشريع والمعلومات والاتصال والإبداع الثقافي والفني، فضلاً عن استعمالها في الإدارات وفي جميع المرافق العمومية".

في حين كان لافتاً إعلان وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى، في سبتمبر/ أيلول الماضي، أن وزارته ترغب في توسيع شبكة المؤسسات التعليمية التي تدرس الأمازيغية، وهي تعمل على تطوير النماذج البيداغوجية والعنصر البشري لتطوير تدريسها.

المساهمون