"نداء تونس"... في انتظار المؤتمر

"نداء تونس"... في انتظار المؤتمر

01 أكتوبر 2015

مستقبل حزب نداء تونس مفتوح على احتمالات شتى (22ديسمبر/2014/Getty)

+ الخط -
على الرغم من فوزه في الانتخابات الرئاسية، واحتلاله موقع الصدارة في الانتخابات التشريعية، ظل حزب نداء تونس يراكم مشكلاته الداخلية المتوالية، والتي اتخذت شكلاً معلناً في أفق المؤتمر الموعود، والذي لم ينعقد منذ التأسيس، بسبب التجاذبات الداخلية الحادة، وصراع الأجنحة المتفاقم. وتكشف تصريحات القيادات النافذة في "نداء تونس" عن مدى الاحتقان الداخلي المتصاعد داخل أجهزة الحزب المتنافرة، من حيث التوجهات المتضاربة على مستوى التحالفات والمصالح.
وإذا كان الصراع داخل الأحزاب أمراً اعتيادياً، فإن وضعية "نداء تونس" تظل استثنائية، لعوامل متعددة، أبرزها أن الحزب لم يعقد مؤتمره التأسيسي إلى اليوم، على الرغم من حصوله على التأشيرة القانونية منذ يوليو/تموز 2012، بالإضافة إلى غياب قانون أساسي يحدد المسؤوليات، وينظم العلاقات بين القوى المختلفة والروافد المتعددة التي تشكل الحزب، وهو أمر أقرّ به نائب رئيس الحزب نفسه، حافظ قائد السبسي، عندما أكد أن "ما يحدث اليوم داخل النداء منتظر، لسبب افتقار الحزب لهيئات قيادية منتخبة، من أوسع قاعدة حزبيّة في الداخل والخارج"، وأن الحزب "سيكون له قانون داخلي، وستحدد المسؤوليات حتى يعلم كل ندائي ما له وما عليه".
وتكشف الوقائع أن أزمة "نداء تونس" المعلنة والمتشعبة حملت ميسم صراع المصالح بين متنفذين ماليين وأجنحة سياسية غير متجانسة، في ظل حزب يفتقد، في ما يبدو، آليات لحل النزاعات الداخلية، وإدارة الصراع ضمن أطر منضبطة، فهذا الحزب تأسس حول شخصية الباجي قائد السبسي، وجعل برامجه مرتهنة بإطاحة خصم سياسي، لم يتشكل بصورة طبيعية، فهو يفتقر إلى رابط فكري عام، يجمع منخرطيه، كما أنه لا يملك هياكل منتخبة، أو مرجعيات واضحة، يمكن الرجوع إليها، لحسم هذا الصراع، وهو أمر تجلى في تصريحات نارية لبعض قياداته التي حذرت من فكرة التوريث (توريث قيادة الحزب لنجل الباجي قائد السبسي)، وقد قال الأمين العام الحالي للحزب، محسن مرزوق، في حواره مع "هافنغتون بوست"، إن المواقع داخل الحزب ينبغي أن تؤخذ بالجدارة والاستحقاق، وليس بأشياء أخرى، ملمحاً بذلك إلى خصمه المعلن، حافظ، نجل الرئيس الباجي قائد السبسي، وهو ما رد عليه الأخير بتأكيده في أكثر من تصريح "إن كل من يحاول خدمة أجندته الشخصية على حساب الحزب سيُقطع أمامه الطريق، وكل من يحاول التّلاعب بمصلحة الوطن لأجندته الشخصية فهو زائل، ويبقى الوطن". وامتدت حالة التجاذب بين الأطراف المتنازعة في الحزب نحو القواعد، حيث شهدت
اجتماعات أشرف عليها الأمين العام للحزب، محسن مرزوق، حالة من الفوضى، ما دفع أحد أتباعه في الحزب، عبد المجيد الصحراوي، إلى توجيه الاتهام صراحة لحافظ قائد السبسي، بالوقوف وراء الأجواء المشحونة والمتوتّرة في اجتماعين، أشرف عليهما محسن مرزوق، في باجة وفي العاصمة. وصرّح الصحراوي أن قائد السبسي استأجر منحرفين لإفشال الاجتماع الذي عقده محسن مرزوق في العاصمة، وقال مستنكراً إن عهد الميلشيات انتهى. وصرّح إن حافظ قائد السبسي يعقد اجتماعات غير قانونية، على غرار الاجتماع الذي أشرف عليه يومي 19 و20 سبتمبر/أيلول في سوسة، واتّهمه بمحاولة تقسيم الحزب وبث الفتنة داخله.
لقد بدا واضحاً أن الصراع يسير نحو مزيد من الحدة، كلما اقترب موعد المؤتمر المفترض، والذي لم يتحدد موعده رسمياً (مبدئياً ديسمبر/كانون أول 2015)، حيث شملت الخلافات تحديد من يحق لهم التصويت في أثناء المؤتمر، وهو ما يكشف عن مخاوف حقيقية لدى الجناح اليساري والنقابي الذي يخشى اكتساح المؤتمر من الجناح الدستوري المتنفذ في قواعد الحزب، وصاحب الحضور الشعبي المتوارث. وعلى الرغم من التطمينات التي ترسلها بعض القيادات عن ضرورة الحفاظ على التوازن بين مختلف الأجنحة (من دساترة ويساريين ونقابيين)، فإن ما تشف عنه التصريحات المتناقضة لقيادات الحزب تدل على أن الصراع أخذ منحى حاداً، وأن التناقضات التي ظلت متوارية، قبل انتخابات 2014، أصبحت اليوم معلنة في ظل التنازع على المواقع.
غير أن المشكل الحقيقي الذي تثيره صراعات "نداء تونس" الداخلية هو تأثيرها السلبي على الأداء الحكومي، فهذا الحزب الذي يهيمن على غالبية برلمانية، ويحظى بالقسم الأكبر من المواقع الوزارية، انعكست صراعاته الداخلية على عمل الحكومة المكبلة بخلافات حزبية حادة، فلازالت قيادات داخل النداء تطمح إلى منصب رئاسة الحكومة، وتسعى إلى مزيد من الاستئثار بالمناصب السلطوية. وبالنظر إلى الحضور القوي للرافد اليساري في قيادة الحزب حالياً، فإن نتائج المؤتمر المقبل، إذا أفضت إلى إبعادهم عن مواقعهم الحالية، قد تؤدي فعلياً إلى مراجعة طبيعة المحاصصة الوزارية، أو إلى انشقاقٍ قد يصيب الحزب في بنيته العامة. وفي ظل مشهد سياسي عام غير مستقر، فإن فوضى حزب نداء تونس ستكون عاملاً لمزيد عدم الاستقرار.
وبالإجمال، سيكون المؤتمر المقبل لنداء تونس حاسماً في تحديد طبيعة تحالفات المرحلة المقبلة، خصوصاً في ظل الطموحات المعلنة لبعض قياداته من أجل تصدر المشهد السياسي، ما يعني أن فشلها في افتكاك القيادة في الحزب قد يمثل نكسة فعلية لمثل هذه الطموحات. وفي الوقت نفسه، قد تفضي إلى تشكل جديد لحزب نداء تونس الذي يفتقر إلى التماسك الفعلي والبرامج الواضحة، بما يعني أن مستقبله مفتوح على احتمالاتٍ شتى، ستكون أحد أهم مفاعيل المشهد السياسي في الأشهر المقبلة.

B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.