من يملك القرار العربي؟

من يملك القرار العربي؟

24 سبتمبر 2015
+ الخط -
عيد أضحى مبارك على كل الأمة الإسلامية. وكعادة كل عام، سيتبادل ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية والإسلامية برقيات التهنئة به، بعد أدائهم صلاة العيد، تحيط بهم الحاشية من الأمراء والوزراء والكبراء، وفي مقدمتهم كبار رجال الدين وهيئات علماء المسلمين. وتجري المراسم تحت حماية الجند والحرّاس، ولا اعتراض على ذلك، فتلك هيبة السلطان ومهابة الحكام. 

هذا جانب من المشهد، تعرضه شاشات الفضائيات، ويشاهده المواطن العربي، بعد عودته من أداء صلاة العيد في أقرب مسجد إلى بيته، أو في إحدى الساحات المفتوحة، حسب الأحوال في بلده، وهو جانب إيجابي، يعطينا انطباعاً أننا نعيش فى دول قوية، متماسكة، يتولى أمرها حكام أقوياء، تجمعهم روابط الود والتعاون، والرغبة في إعلاء شأن الأمة، والحفاظ على مقدّراتها، والأهم صيانة مقدساتها. ويبتهج المواطن، وهو ينتقل بين القنوات، ويتابع مشهد حجاج بيت الله الحرام، وهم فرحون مستبشرون بإتمام مشاعر الحج، ويطوفون طواف الوداع بالكعبة المشرفة، قبل مغادرتهم المسجد الحرام. وفي أثناء التنقل بين القنوات، يتوقف المواطن أمام مشهد خارج السياق، مشهد المسجد الأقصى، أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى الرسول الكريم، أسيراً بيد ثلة من الصهاينة، تحت الاحتلال الإسرائيلي، يحولون بين أهل بيت المقدس وساحات المسجد وباحاته، ولا يسمحون لغير عدد محدود من كبار السن بالدخول لأداء صلاة العيد، ويقف المرابطون والمرابطات من أهل القدس على مداخل "الأقصى"، يواجهون عصي جنود الاحتلال وهراواتهم، في صمود أسطوري، ويتصدون لمشاريع تقسيم المسجد مكانياً وزمانياً.
علينا أن نتوقف طويلاً أمام هذا المشهد المأساوي، ونتساءل: من يملك اتخاذ قرار عربي للتعامل مع هذا العدوان والصلف الإسرائيلي؟
سيصاب المواطن العربي بدهشة شديدة، عندما يدرك أنه، وعلى مدى سنوات الصراع الطويلة، لم يُواجه العدو الصهيوني بقرار عربي موحد في أيٍّ من مراحل الصراع، والأمثلة على ذلك واضحة.
بعد قرار الأمم المتحدة 181 في 29 نوفمبر/تشرين ثاني 1947، بتقسيم فلسطين بين اليهود
والعرب، اجتمع وزراء الخارجية العرب في بيروت، واتخذوا قراراً بدعم المقاومة الفلسطينية، من دون الدخول بقوات عسكرية نظامية، ولم يحدث. وبعد إعلان قيام دولة العدو في مايو/أيار 1948، لم يكن هناك قرار عربي من جامعة الدول العربية بالحرب، كان قراراً مصرياً، أردنياً، ومعهما دعم من سورية والعراق وبعض الدول، كالسعودية ولبنان بوحدات رمزية. وفي 1956، كان العدوان الثلاثي من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، وواجهته مصر، بعد تأميمها قناة السويس. أما عدوان يونيو/حزيران 1967، فقد جاء بعد تداعيات الموقف الذي كانت تديره مصر وسورية، بصفة أساسية، وتحالف الملك حسين مع عبدالناصر في اللحظات الأخيرة، وأيضاً في غياب أي قرار عربي، على الرغم من وجود جامعة الدول العربية.
وجاءت حرب أكتوبر 73، بقرار مصري - سوري، وبدأ الدعم أو المساندة من بعض الدول العربية بعد بداية الحرب. وعند استعراضنا تطورات الأوضاع في المنطقة العربية، عقب الحرب، فوجئنا بحقائق عدة، أهمها أن عملية السلام مع العدو الإسرائيلي بدأتها مصر وسورية حتى مرحلة الفصل بين القوات، ثم تخلفت عنها سورية عام 1974، بعد اتفاق الجولان، وأكملتها مصر منفردة حتى كامب ديڤيد 1978، ومعاهدة السلام 1979. وهنا برز قرار عربي، لكنه لم يكن موجهاً إلى العدو الإسرائيلي، بل إلى مصر. وأعلن صدام حسين أن بغداد عاصمة القرار العربي في مواجهة مصر، وبقيت بغداد عاصمة للقرار العربي في مواجهة إيران، وحتى غزو الكويت. لكن، لا شيء عن العدو الإسرائيلي.
ومر العالم العربي بمرحلة تاه فيها القرار العربي، واختلت فيها البوصلة العربية تماماً، منذ الغزو الأميركى للعراق، وسقوط إحدى أكبر العواصم العربية التاريخية، بغداد، تحت جنازير الدبابات الأميركية في 2003، وطرح المشروعات الأميركية حول الشرق الأوسط الجديد، وإطلاق يد العدو الإسرائيلي، والنفوذ الإيراني، والاقتراب التركي، في المنطقة، واختلت المعايير، وارتبكت المفاهيم بين العدو الواضح اللئيم والجار الحميم.
وفاجأتنا المملكة العربية السعودية، في 26 مارس/آذار 2015، بإطلاق عاصفة الحزم، بقيادتها تحالفاً خليجياً في البداية، انضمت إليه بعض الدول العربية لاحقاً، لضرب النفوذ الإيراني في اليمن، المتمثل في جماعة الحوثي وتحالفاتها، حفاظاً على الأمن القومي العربي، متمثلاً في أمن الخليج، وبعدها سمعنا من يقول إن الرياض عاصمة القرار العربي، وليس لدينا اعتراض على ذلك.
لكن، يبقى السؤال بشأن المشهد في بيت المقدس، والمسجد الأقصى، واستيطان الضفة الغربية، وحصار 1.7 مليون فلسطيني في قطاع غزة. هل هناك قرار عربي يتعلق بذلك كله، وإذا كان، فأي عاصمة عربية ستكون عاصمة له؟

2FABA6BB-F989-4199-859B-0E524E7841C7
عادل سليمان

كاتب وباحث أكاديمي مصري في الشؤون الاستراتيچية والنظم العسكرية. لواء ركن متقاعد، رئيس منتدى الحوار الاستراتيجى لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية - العسكرية.