مصر من العرس الديمقراطي إلى العرس الاقتصادي

مصر من العرس الديمقراطي إلى العرس الاقتصادي

19 مارس 2015
+ الخط -

هل انتهى زمن الأعراس الديمقراطية التي عاش فيها الشعب المصري سنوات؟ لا أحد يعرف، على وجه الدقة، متى كانت المرة الأولى التي انطلق فيها مصطلح العرس الديمقراطي، وعشنا زمناً لا حديث لنا سوى عن هذا العرس الذي تعيشه مصر، وقد اقترن هذا المصطلح مع مصطلح آخر، هو أزهى عصور الديمقراطية، وتلك المصطلحات بدأت تتردد منذ التسعينيات مع اتجاه حسني مبارك إلى الخروج من عباءتي جمال عبدالناصر وأنور السادات، ويؤسس نظاماً جديداً خاصاً به، وإن كان يستند على الركائز نفسها، لم يقتصر استخدام هذا المصطلح على عصر مبارك. ولكن، امتد استخدام تلك المصطلحات البراقة عن أزهى عصور الديمقراطية، والأعراس الديمقراطية، إلى ما بعد 25 يناير 2011، فخرج علينا من يقول إن مصر عاشت أزهى عصور الديمقراطية في ظل حكم المجلس العسكري في المرحلة الانتقالية التي أعقبت تخلي مبارك، مرغماً، عن منصبه، وهو الذي تم انتخابه في "عرس ديمقراطي"، وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد، والذي كانت باكورة قراراته إلغاء الدستور الذى تم الاستفتاء عليه في "عرس ديمقراطي"، وحل البرلمان بمجلسيه، متناسياً أنه جاء عبر "عرس ديمقراطي"، حدث في تلك الفترة الانتقالية أيضاً. أعراس ديمقراطية، جاء ذكرها على لسان رئيس حزب الحرية والعدالة في مداخلة تليفزيونية، بمناسبة أحداث مجلس الوزراء الدامية "ديسمبر/كانون الأول 2011"، عندما قال إن أحداث مجلس الوزراء محاولة لتشويه العرس الديمقراطي، وكان يقصد الانتخابات البرلمانية. وتكرر استخدام المصطلح في الانتخابات الرئاسية التي جرت في الفترة الانتقالية، وكذلك عند الاستفتاء على الدستور في 2012.

وبعد أحداث 30 يونيو و3 يوليو، حيث تم عزل الرئيس الذي انتخب في "عرس ديمقراطي"، وتم تعطيل الدستور الذي تم الاستفتاء عليه في "عرس ديمقراطي"، وتم حل البرلمان الذي تم انتخابه، أيضاً، في عرس من أعراس الديمقراطية التي أقيمت في واحد من أزهى عصور الديمقراطية. تكرر استخدام مصطلح العرس الديمقراطي مع الاستفتاء على التعديلات الدستورية 2014، ثم مع الانتخابات الرئاسية التي أعقبتها في يونيو/حزيران 2014، ثم اختفى الحديث، فجأة، عن الأعراس الديمقراطية، ولم نعد نسمع هذا المصطلح. وحتى الحديث عن انتخابات برلمانية، كان يجرى في إطار أنها استكمال لخارطة المستقبل التي تم إعلانها في 3 يوليو من العام 2013. وعندما تم الإعلان عن بدء العملية الانتخابية، تصورنا أننا سنستمتع من جديد بالاستماع إلى نغمة العرس الديمقراطي التي افتقدناها. ولكن، توقف كل شيء، مرة أخرى، بعد تعطيل الانتخابات، بقرار من المحكمة الدستورية العليا. ويبدو أننا لن نشهد أعراساً "ديمقراطية" في وقت قريب، ولم يعد هناك حديث عن أزهى عصور الديمقراطية.

ولأن الشعب المصري لا يمكن تركه من دون الأعراس، كان لابد له من عرس جديد، ينشغل به، على أن يكون مختلفاً، فكان، هذه المرة، عرساً اقتصادياً، يحمل شعاراً جديداً براقاً "مصر المستقبل".

وحتى يكون عرساً حقيقياً، اختارت له الدولة أجمل المدن والمنتجعات المصرية وأروعها، شرم الشيخ، على خليج العقبة، ووفرت له أفضل الخبرات الدولية والمحلية في التنظيم والإعداد والترويج، وتمت دعوة نخبة من الملوك والأمراء، والرؤساء والوزراء، وأباطرة المال والأعمال، ورؤساء الشركات متعددة الجنسيات، عابرة القارات، بالإضافة إلى مشاركة واسعة من الخبراء والمستشارين والمطورين والمسوقين، وأحاطت ذلك كله بجو من الإبهار الإعلامي، والثقافي، والفني، شاركت فيه كل الرموز والمؤسسات الإعلامية والفنية والثقافية، تحوط بالجميع إجراءات أمنية محكمة، أشاعت جواً من الطمأنينة لدى جميع المشاركين.

وفي التوقيت المحدد، الرابعة من مساء الجمعة 13 مارس 2015، انطلقت فعاليات العرس/ المهرجان تحت شعار "مصر المستقبل"، ورمزه مفتاح الحياة الفرعوني، دلالة على البعث من جديد. وكانت البداية موفقة، وتتميز بقدر كبير من الذكاء، والمهارة، كلمة بليغة من رئيس الجمهورية لم تخلُ من لمساته العاطفية في مخاطبة المشاعر، إلى جانب العقول، ثم كانت رمية البداية، إذا جاز التعبير، وهى ما قدمه أمراء الخليج من على المنصة، أمير الكويت، وولي عهد السعودية، ونائب رئيس الإمارات، حيث قدم كل منهم أربعة مليارات من الدولارات، بأشكال مختلفة، بين ودائع في البنك المركزي المصري ومبالغ مرصودة لتوظيفها في استثمارات متنوعة، ثم أعقبهم رئيس مجلس الدولة وممثل سلطان عُمان، فأعلن تقديم نصف مليار دولار، نصفه مساعدات ونصفه استثمارات.

كانت تلك الافتتاحية بمثابة دعوة وتحفيز لكي تمضي فعاليات العرس/ المهرجان بالروح والأريحية نفسيهما. ولكي يُدلي باقي المدعوين كل بدلوه، ويعرض ما يمكن أن يقدمه. وهذا ما جرى على مدى الأيام الثلاثة، لم يكن هناك حديث سوى حديث المشروعات، وانهالت المليارات من الدولارات، والتي بلغت أرقاما فلكية، تجاوزت الـ150 مليارا من الدولارات، عبر مانشيتات الصحف بطبيعة الحال.

ولكن، ما لم يلتفت إليه أحد، وما لم يقله لنا أحد أيضاً، ما هو المقابل الذي سنقدمه لكل هؤلاء في مقابل ما يعرضونه من مئات مليارات الدولارات، إن كانوا جادين؟ عموماً، لا داعي لطرح مثل هذه الأسئلة حتى لا نفسد بهجة العرس. وجاءت مشاهد ختام العرس، ولا أروع، بتعبير الإخوة في الشام، كلمة شكر وعرفان من الرئيس، ألقاها وهو محاط بشباب المستقبل من فتيات وفتيان مصر (في زمن فات، كان يُطلق عليهم جيل المستقبل)! ثم جاءت كلمة رئيس الوزراء التي ودع فيها الحضور وأعلن فض العرس، والتي لم يتمالك فيها مشاعره الفياضة.

وانصرف الجميع سعداء، تودعهم الفرق الفنية في مطارات شرم الشيخ والقاهرة. كان عرساً بكل ما يعنيه العرس من بهجة وفرح. وبقي أهل الدار يراجعون حساباتهم، ويتساءلون: هل يمكن أن تتحقق كل تلك الوعود، وتُفعل كل البروتوكولات والعقود؟ هل سنعيش لنسكن عاصمة أجمل من باريس، وأروع من مانهاتن، وتضم هايد بارك أكثر براحاً من هايد بارك لندن؟ هل سيكون لدينا فائض من الطاقة وفائض في الميزانية أيضاً، وهل.. وهل ...؟

وخرجت علينا صحف الصباح، لنجد أن سعرها ارتفع! وتحمل مانشيتات واحدة تقريباً تقول: مصر تستيقظ.. الآن. ويطرح المانشيت سؤالاً مهماً: هل تستيقظ مصر، الآن، من أحلام عرس الأيام الثلاثة، العرس الاقتصادي، كما استيقظت قبل ذلك من أحلام العرس الديمقراطي، لتكتشف أن العرس قد انفض؟

2FABA6BB-F989-4199-859B-0E524E7841C7
عادل سليمان

كاتب وباحث أكاديمي مصري في الشؤون الاستراتيچية والنظم العسكرية. لواء ركن متقاعد، رئيس منتدى الحوار الاستراتيجى لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية - العسكرية.