أهذا لقاء وحوار، أم مجرّد استدعاء؟

أهذا لقاء وحوار، أم مجرّد استدعاء؟

26 فبراير 2021
استديو تلفزيوني ينتظر التحقيق مع نقّاد سينمائيين (لاري إلّيس/ دايلي إكسبرس/ أرشيف هولتون/
+ الخط -

غالبية العاملين في محطّات تلفزيونية عربية غير منتبهة إلى "خطأ" ترتكبه بحقّ نقّاد وصحافيين سينمائيين، تحديداً. الغالبية تعمل في مجالات مختلفة، وبرامجها مفتوحة على مواضيع عدّة. تحتاج إلى من يملأ الوقت، لكنّها تتأخّر دائماً في إجراء اتصالات هاتفية، وعند الاتصال تبدو الغالبية كأنّها "رجل أمن"، يستدعيهم إلى التحقيق في جريمة ما.

يظنّ هؤلاء أنّ نقّاداً وصحافيين سينمائيين لا عمل لهم، فينتظرون اتصالاً هاتفياً كهذا للظهور على شاشة، والتحدّث عن موضوعٍ، فيُصبحون معروفين وإنْ لدقائق عابرة. يظنّ "التلفزيونيّون" أنّ لديهم سلطة مطلقة، فيستخدمون نبرة وأقوالاً غير مختلفة كثيراً عن أوامر أمنية أو عسكرية. يريدون كلّ شيء لهم، فهم غير مكترثين بهذا الضيف أو ذاك، لأنّهم ينظرون إلى الضيف/ الضيفة كمادةٍ لا أكثر لبرنامج أو حلقة، أو لبضع دقائق في نشرة إخبارية ما. هؤلاء يتعاطون مع ما يفعلون كوظيفة، فهم غير مهتمّين بالسينما، ولا بثقافتها وانشغالاتها ومسائلها وأسئلتها. هم غير منتبهين إلى أنّ ترشيحاتٍ ما لجوائز معينة يُحدَّد موعدها قبل وقت، فإذا بإعلان الترشيحات أو الجوائز يوتّرهم، فيبدأون اتصالاتهم بلهجة آمرة، كأنّهم يقولون بصراحة فجّة: "مطلوبون أنتم إلى الاستديو في الساعة كذا"، وهذا قبل وقتٍ قليل للغاية على موعدٍ يُحدّدونه هم.

 

 

هذه مسائل أساسية، تكشف انعدام كلّ احترام للمهنة وللضيوف وللفضاء الإعلامي. المهزلة حاصلة بسبب كمٍّ كبيرٍ من برامج وحلقات سياسية، تعكس رداءة وتشنّجات وارتباكات مستلّة كلّها من وقائع العيش في عالم عربيّ مضطرب. لكنّ السينما مختلفة، بل يجب أنْ تكون مختلفة؛ والسينما مُحترَمة، بل يجب أنْ تكون محترَمة؛ وحضورها غير عابر، بل يجب ألاّ يكون عابراً. التعامل التلفزيوني مع السينما مزعج ونافر، وإنْ تُخصَّص فضائيات بأفلامٍ تُعرض على شاشاتها فقط لا غير، بينما الغالبية الساحقة من البرامج "المخصّصة" بالفن السابع ساذجة ومسطّحة، تندرج في الترويج كأنّها "مكتب إعلامي" لنجمٍ أو فيلمٍ أو شركة إنتاج أو توزيع. أمّا "الاستدعاء"، فمنبثق من ادّعاءِ عاملٍ تلفزيونيّ، يقول إنّ للناقد أو الصحافي السينمائي حضوراً، و"علينا الاستفادة منهما لدقائق ستمرّ بأي شكل".

نادرةٌ اللحظات، في التاريخ الحديث للتلفزيونات العربية، التي تعكس شفافية تعاطٍ مع السينما وشؤونها، ومع العاملين في السينما وقضاياها وأحوالها. أصلاً، لا مشاركة عربية في الإنتاج إلاّ نادراً، لأسبابٍ يغلب عليها السياسي والجغرافي والاجتماعي، وتكون النتيجة عادية، وأحياناً سيئة. لا مساحات محترمة لبرامج سينمائية تخرج عن الترويج إلى ثقافة ونقاش وتواصل وتعليق. لا حوارات مع سينمائيين تتحرّر من السذاجة والتسطيح. وبعد هذا كلّه، يتصل تلفزيونيّون بنقّاد وصحافيين سينمائيين لاستدعائهم إلى لحظاتٍ مخصّصة بجوائز وترشيحات، من دون أدنى انتباه إلى أنّ معظم النقّاد والصحافيين السينمائيين غير مكترثٍ بجوائز وترشيحات، فالسينما ـ نقداً وتحليلاً وثقافة ومعرفة واشتغالات ـ أهمّ من جوائز وترشيحات، بالنسبة إليهم.

حالٌ كهذه مُصيبة، تُضاف إلى مصائب جمّة تتحكّم بالعلاقات المضطربة بين التلفزيون والنقد السينمائيّ.

المساهمون