سينما الانتفاضات العربية (3/ 3): لا لأفلام الأزمات

سينما الانتفاضات العربية (3/ 3): لا لأفلام الأزمات

19 فبراير 2021
يسري نصرالله في "بعد الموقعة": إعادة بناء الحراك ومساءلته (خالد دسوقي/ فرانس برس/ Getty)
+ الخط -

 

بعد حلقتين، أولى (15 فبراير/ شباط 2021) وثانية (17 فبراير/ شباط 2021)، تنشر الحلقة الثالثة والأخيرة رأيين اثنين للناقدين الجزائري فيصل الشيباني والمغربي مصطفى العلواني، في إطار القراءات النقدية التحليلية لسينما الانتفاضات/ الثورات العربية، المندلعة في دولٍ عربية مختلفة منذ 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010.

قراءات تبغي نقاشاً، يتمنّى البعض أن يستمرّ كحوارٍ مفتوح على مزيدٍ من القراءات، فالنتاج الموجود كثيرٌ، وبعضه القليل أهمّ من غيره في التأريخ السينمائي لوقائع وتحدّيات، والرغبة في "استثمار" الغليان الشعبي العربي حاضرةٌ بقوّة في وجدان وتفكير، لعلّها تُحرّض سينمائيات وسينمائيين على إنجاز أفلامٍ جديدة، لغةً ومعالجةً وتوثيقاً ونبضاً.

 

 

فيصل شيباني:

تحدّيات جمّة

هل كان العالم، أو على الأقل الوطن العربي، يتوقّع أنْ تكون صفعةُ شرطيّةٍ لصاحب عربة خضار، يُدعى محمد البوعزيزي، شرارةً لاندلاع انتفاضات عربية، أسقطت أنظمةً عمّرت طويلاً في الحكم؟ إقدام التونسي البوعزيزي على حرق نفسه (17 ديسمبر/ كانون الأول 2010) شكّل نقطة تحوّل، وبادرة أمل في التغيير عند التونسيين، انطلقت من مسقط رأسه في محافظة سيدي بوزيد (وسط غرب تونس)، ثم انتقلت إلى مدنٍ أخرى، قبل أنْ تُسقط نظام حكم زين العابدين بن علي. بعدها، انتقلت الشرارة إلى مصر وسورية وليبيا واليمن. انتفاضاتٌ ألهمت سينمائيين، عرباً وأجانب، لتوثيق لحظاتها، وثائقياً أو روائياً.

تناولت عشرات الأفلام تلك الأحداث، خاصة في تونس ومصر وسورية. لامستها كاميرا المخرجين، وسردت قصص الانتفاضة على الظلم والاستبداد، وانتقدت سلبيات الحكّام، وحتّى الثورات وإفرازاتها وإرهاصاتها ونتاجاتها، والتحوّلات التي عرفتها المجتمعات العربية بعد ذلك؛ وصارت ثيمة "الثورة" مطلباً فنياً في السينما.

التجارب السينمائية العربية، المُواكبة للثورات والناقلة لصُورها، كثيرةٌ، حتّى باتت السينما لصيقة بالسياق السياسي للمجتمعات، وخرجت من دائرة الترفيه والمتعة السينمائية، وتعدّتها إلى الجوانب الأيديولوجية، التي خدمت، أحياناً كثيرة، توجّهات المخرج، أو بدرجةٍ أكثر مسايرة، (خدمت) متطلّبات الجهات الإنتاجية، وفقاً لما يخدم أجندتها ومصلحتها، التجارية أو السياسية. الأمثلة عديدة، في صورة أفلام "المؤسّسة العامة للسينما" (دمشق)، التي تُنتج فقط أفلاماً تخدم أجندة النظام السوري، وتُبيِّض صورته.

التحدّي الأكبر للسينما العربية، في الأعوام العشرة الأخيرة، وبعد ثورات الربيع العربي، كامنٌ في مدى قدرة المخرجين على تقديم مادة فيلمية، من دون تسرّع، وانتظار نضوج الأفكار، بعيداً عن الهرولة، لاستغلال توقيت الأزمة، والبحث عن استغلالها فنياً، وعدم ركوب موجة "سينما الأزمات".

التأنّي مطلوب، لاعتباراتٍ عدّة، أوّلها، معرفة مآلات هذه الثورات وإفرازاتها، والمحطّات التي ترسو عندها في الأخير. فالتوقيت مهمٌّ جداً، والسينما المصرية ـ التي عالجت موضوع الثورة بعد اندلاعها مباشرة ـ مختلفة عن تلك التي جاءت بعد الانقلاب على حكم الرئيس محمد مرسي (3 يوليو/ تموز 2013)، فتغيّرت الطروحات، وانقلبت زوايا المعالجة، وحدث نفورٌ من موضوع الثورة وما آلت إليه الأوضاع بعد ذلك، لأنّ الرقابة صارت أشدّ مما كانت عليه سابقاً. هنا، يقع السينمائي المصري رهينة نظام حكم عبد الفتاح السيسي، الذي يحدّد له الجانب السياسي المتاحة معالجته، ولا يقدِم على أيّ خطوة في هذا الاتجاه من دون رقابة ذاتية قبلية.

الحديث عن هامش الحرية في التعاطي مع المواضيع السياسية، التي أعقبت ثورات الربيع العربي، تختلف من دولة إلى أخرى. في مصر، يمكن الإشارة إلى "بعد الموقعة" (2012) ليسري نصرالله، الذي تناول "موقعة الجمل" (2 فبراير/ شباط 2011)، عندما هوجم الثوار في ميدان التحرير من رجال يمتطون الجمال والخيول. يغوص نصرالله في نفسية أحد المُشاركين في تلك الموقعة، الذي يعيش حالة إنكار، حتى يعي في النهاية أنّ ما قام به فعلاً جريمة، ثم يستعيد إنسانيته. معالجة ذكية لنصرالله، المنتقل من العام إلى الخاص، مركّزاً كاميرته على هامش من الثورة المضادة.

تجارب سينمائية أخرى في مصر، دارت في فلك الثورة، تُعتبر ناضجة: "نوارة" (2015) لهالة خليل، و"أبداً لم نكن أطفالاً" (2015) لمحمود سليمان و"اشتباك" (2016) لمحمد دياب، الذي رفع التحدّي بتصويرٍ داخل عربة، وبلغة سينمائية قوية، وبتحوّلات درامية واتّكاء على تكثيف بصري وسردي. رغم المكان الضيّق للحدث، استطاع دياب تقديم تجربة بصرية توثيقية مهمّة عن للثورة المصرية. ولعلّ "آخر أيام المدينة" (2016) لتامر السعيد، المحمّل برسائل سياسية، من أحسن التجارب السينمائية المواكبة للثورات، من دون خطابية فجّة، وبعيداً عن التناول المباشر. استطاع العمل تصوير مدينة صارت خانقة وأشبه بالسجن، وقابعة تحت شعور الحصار والاختناق، وجوّ تطغى عليه مظاهر الرقابة.

تُعتبر السينما التونسية، ومقاربتها "ثورة الياسمين"، الأنضج كَمّاً ونوعاً، مع هامش حرية أكبر. هذا مرتبط أساساً بالتحوّل السياسي للبلد، وبالتنوّع من ناحية المواضيع في إنتاجاتها، ما انعكس إيجاباً على صنّاع السينما في هذا البلد، ومَكّنهم من تقديم طروحاتهم ورؤيتهم للثورة في 10 أعوام، مع اختلاف أسلوب التناول بين أوائل غاصوا في هذه التيمة، وآخرين اختاروا التأنّي، ومعالجة إرهاصات الثورة، وما آلت إليه من تحوّلات سياسية.

تبرز في التجربة السينمائية التونسية أسماء قديمة وجديدة، انتقدت النظام البوليسي، في أعمال لم يكن ممكناً إنجازها في عهد النظام السابق. الأمثلة عديدة، وثائقية وروائية: "الربيع التونسي" (2014) لرجاء عماري، و"على حلّة عيني" (2015) لليلى بوزيد، و"على كف عفريت" (2017) لكوثر بن هنيّة، و"ولدي" (2018) لمهدي بن عطية". أفلامٌ دارت في فلك البطالة والفساد السياسي والابتزاز والتهميش، وأيضاً في إفرازات الثورة، وما تبعها من حروبٍ، خاصة في سورية، وتأثيراتها على دول عربية، لا سيما بعد ظهور تنظيم "داعش"، وانضمام جهاديين من تونس إليه.

ما يعاب على السينما التونسية إفراطها في تناول الإسلام السياسي، وإغراق المتن السينمائي بالكليشيهات، ما أثّر على الجماليات الفنية للأفلام، كـ"زهرة حلب" (2016) لرضا الباهي و"تونس بالليل" (2017) لإلياس بكار.

إجمالاً، يُمكن القول إنّ السينما التونسية تملك الهامش الأكبر من الحرية في الطرح، مقارنة بنظيرتها في البلدان العربية. تجاوزت مرحلة الرصد إلى طرح تساؤلات عن الهوية، وعن تونس ما بعد الثورة، وناقشت الفساد الذي لا يزال يعمّ البلد.

أما السينما السورية، فغرقت في الدعاية المغرضة للنظام، وبروباغندا مفضوحة. هذا تجلّى واضحاً في أفلام "المؤسّسة العامة للسينما"، التي لم تخرج من دائرة نظرة النظام للثورة، وتجريم المعارضة، وتحميل مسؤولية ما يجري لجهة معينة، والتنصّل من مسؤولية السلطة عنه. كما تتشارك تلك الأفلام في لغة سينمائية واحدة، وخطاب مباشر، وتزييف حقائق كثيرة. كما اتّخذت من الخراب السوري ديكوراً.

 

 

في الوقت نفسه، ظهرت تجارب مستقلّة لشبابٍ عديدين، نقلوا واقعاً مأسوياً فضح ممارسات النظام السوري. أفلامٌ كهذه وصلت إلى مهرجانات سينمائية كبيرة، حقّقها مخرجون عديدون، كزياد كلثوم ووعد الخطيب وفراس فياض وغيرهم. بالإضافة إلى أفلام أجنبية، كـ"في سوريا" (2017) للبلجيكي فيليب فان ليو، الذي حاكى ـ بموضوعية كبيرة وبفنية عالية ـ ما يجري في سورية. العين الحيادية للكاميرا ترصد ما يجري في منزلٍ تُقيم فيه عائلة محاصرة، ومخرجه ومؤلّفه البلجيكي اقتنص لحظة صعبة، ومُغرقة في الواقعية، عن مآسي الحرب الأهلية السورية، مُحمّلاً المسؤولية للأطراف كلّها. ويعكس فان ليو قدرة على إحداث التأثير الكامل للحرب، من قصف جوي وتفجيرات، من دون مشهد واحد لطائرة أو دبابة أو جندي. المَشاهد كلّها تقريباً مُصوّرة في منزلٍ. الفيلم يقترب كثيراً من "مطر حمص" (2014) للسوري جود سعيد، لكنْ مع اختلاف الروايات والتوجّهات السياسية.

 

مصطفى العلواني:

الحاجة إلى نقدٍ هادئ

المتابع للحياة السينمائية العربية يُلاحظ أنّ العقد الأخير تميّز بحضور مشهودٍ للأفلام العربية من أقطار مختلفة، على نحو غير مسبوق، في أهمّ المهرجانات السينمائية العالمية. معظم هذه الأفلام تميّز بتناوله ـ من قريب أو بعيد ـ "الربيع العربي"، الذي أرخى ظلاله على العشرية الأخيرة.

لذا، يُطرح سؤال عمّا إذا كان الفيلم العربي عرف طفرة نوعية، موازاة مع عشرية "الربيع العربي"؛ أم أنّ الأمر محض اهتمامٍ عابر، أملته الحاجة إلى تأثيت هذه المهرجانات بما يُثير حبّ الاستطلاع عمّا يجري في مناطق ساخنة من المعمورة. صحيحٌ أنّ للسينما قدرة عجيبة على القبض على الزمن، وإعادة تركيبه، والتحكّم في تدفّقه وفق منظورٍ يستند إلى رؤية مبتكرة، تساهم في فهم لحظات تاريخية مهمّة، والفعل فيها، كـ"الربيع العربي"، الذي يرسم واقع عالمٍ عربي في مهبّ الريح، ومصيره. فما مدى تمكّن السينما العربية من إنتاج أفلامٍ سليمة، فنياً وجمالياً ودرامياً وتوثيقياً وبصرياً؟ هل هذه الأفلام صادقةٌ أخلاقياً، كما فنياً وسينمائياً؟

السؤال عريض. لعلّه جدول أعمال مُناسب، يُفترض بالنقد السينمائي العربي الاضطلاع به، لمواكبة الأفلام العربية والسينمائيين العرب، وللوفاء بمسؤوليتهم التاريخية في إنتاج صورة سينمائية تشبه الإنسان العربي، وتتجاوب مع رهاناته وهمومه وتطلّعاته.

عملٌ مستعجل وملحّ، لكنّه أيضاً عملٌ يقتضي تحليلاً دقيقاً للمتن السينمائي العربي في العشرية الأخيرة، ولن يتأتّى هذا التحليل بغير تحقيق وتوثيق ومواكبة لصيقة وتفاعلية حقيقية.

في هذا الاتجاه، نقترح على الـ"سينيفيليّ" العربي، وعلى القارئ العربي عامة، قراءة سريعة في بعض عناصر هذا الحضور السينمائي العربي في علاقته بـ"الربيع العربي".

البداية من مصر، مع "بعد الموقعة" (2012)، لاعتبارين اثنين: أوّلهما أنّ مخرجه يسري نصرالله يُعتبر من المخرجين العرب المكرّسين، وثانيهما أنّ الفيلم إياه اختير للمسابقة الرسمية لمهرجان "كانّ"، بكلّ ما يمثّله المهرجان من حظوة ومكانة اعتبارية في المخيال السينمائي الجمعي. في "موقعة الجمل"، اختار نصرالله الانزياح عن "ميدان التحرير" والمجرى العام للحراك ومركزه الساخن، للتحكّم بإعادة بناء الحراك ومساءلته. يتأسّس الفيلم على لقاء غير منتظر، بعد الواقعة، بين شابّة ناشطة وشاب خيّال من العمالة الرثّة بالأهرامات، التي تمّ تجييشها للقيام بموقعة الجمل (2 فبراير/ شباط 2011) والتنكيل بالمتظاهرين.

انزاح المخرج إلى المنطقة الرمادية، بتكسير الجدار بين الأبيض (الفتاة بما هي بطل إيجابي) والأسود (الشاب بما هو بطل سلبي)، وهذا تأزيم درامي وسباحة ضد التيار لاتّخاذ مسافة من النزعة الانتصارية، التي كثيراً ما تُنتج الجاهز والنمطي، وتُخفي من الحقائق أكثر مما تُظهر. ولئن ثَمّن النقّاد والمهتمون الرؤية الفكرية التي أطرت الفيلم، والتي أسهب المخرج في شرحها في غير مناسبة، ظلّ هناك خلافٌ بين النقّاد حول مدى نجاح المعالجة السينمائية في ترجمة هذه الرؤية واقعياً.

التجربة التونسية مهمّة أيضاً، لأنّ تونس منطلق اندلاع "الربيع العربي". مقاربة 3 أفلام: "على حلّة عيني" (2015) لليلى بوزيد، و"غدوة حي" (2016) للطفي عاشور (إنّهما أول فيلم لمخرجيهما)، و"على كفّ عفريت" (2017) لكوثر بن هنيّة.

المُلاحظ أنّ هذه الأفلام لا تعدم طراوة وصنعة، في الكتابة وفي مختلف الأبعاد التقنية والفنية. إلاّ أنْ ما يجعلها محدودة في الزمان والمكان، غلبة البُعد الاحتجاجي، وبناء حبكة ـ مُهيّأة عن سبق إصرار وترصّد ـ لفضح نظام بوليسي قائم على القمع وكبت الحريات. ولئن كان هذا المسعى مشروعاً، فإنّه لم يرتقِ بالرؤية السينمائية إلى مساءلة الحراك، إذْ تمضي إلى رسم صورة سميكة وغنية بما يتجاوز المرئي إلى اللامرئي، بناء على مجازات فنية تضمن ديمومة الأثر الفني.

الأفلام الثلاثة أعمال شبابية منحازة إلى الحراك. لكنْ: هل وصلت مثلاً إلى مستوى "صفايح ذهب" (1988) للنوري بوزيد؟ هل تمثّل نقلة نوعية في مسار السينما التونسية؟

في المغرب، مع أنّ حدّة الحراك لم تكن بالحدّة نفسها في تونس ومصر، يُشار إلى تجربة معتبرة لهشام العسري، تتلخّص في 3 أفلام: "هُم الكلاب" ( 2012)، الذي يقوم على تقابل صُور بين "انتفاضة الخبز" (1981) و"حركة 20 فبراير" (2011)، واستدعاء التاريخ لنقد السلطة ومساءلتها عن ممارسات ممتدة في الزمن؛ و"جوّع كلبك" (2015)، عن أسطورة الصدر الأعظم إدريس البصري، في عهد الملك الحسن الثاني؛ و"ضربة في الرأس" (2017)، عن التقاليد "المرعية" التي تقوم على الإذلال والتحقير.

 

 

أفلامٌ تندرج، بالفعل والقوة، في سياق الحراك العربي، باعتبارها تساءل تاريخ المغرب الحديث من منطلق الحاضر، ومن خلال رؤية إخراجية تمزج بين الفانتاستيك والسخرية، والتركيز على المفارقات التي تمعن في تعرية استثناء مغربي مزعوم، يُخفي تجذر التقليدانية، التي تشدّه الى الوراء، وهو يرزح تحت ديمقراطية شكلية، وانتقال ديمقراطي مزعوم طال أمده.

من الربع الخالي من السينما، هناك "مرشّحة مثالية" ( 2019) لهيفاء المنصور. يمكن المجازفة بالقول إنّ هذا الفيلم، الذي رأى النور في مجتمع سعودي يفتقر بتاتاً إلى أي نوع من التقاليد السينمائية، يُعتبر مؤشّراً لإمكانية أنْ تكون السينما أداة لخلخلة مجتمع مغلق مند الأزل. مجتمع تقليداني، يخاف الديمقراطية والمساواة، التي ما إنْ يلوّح بها كشعار، حتى يلتفّ عليها في الواقع.

في سياق الفعل السينمائي الذي نريد، هناك واقعة مغربية نستمد منها استنتاجاً عاماً لهذه المقالة: تقدّم مخرجٌ مغربيّ معروفٌ بسيناريو فيلم اقتبس عنوانه من "هاشتاك" الحراك المغربي "ما مفاكينش" (بلا هوادة)، فحصل على منحة بقيمة 400 ألف دولار أميركي، لكنّه أحجم عن تنفيذ المشروع بحجّة أنّ الاعتماد غير كافٍ. هكذا تبخّر الشعار.

هذه الواقعة تجعلنا نستنتج أنّ العقل السينمائي العربي مُجبرٌ على مساءلة نفسه، والقطع مع الفقه السينمائي السائد، ليكون في مستوى تمثّل الحراك العربي. فالواقع العربي لا يزال بعيداً عن السينما بما هي صناعة ومنظومة متكاملة، وعلى السينمائي أنْ يعي ذلك، وينتصر لسينما مستقلّة، قادرة على التعامل الخلاّق مع حالة الاستعجال العربية.

ما يدعم هذا الاستنتاج أنّ أفلاماً عربية عدّة نوّه بها النقاد، كـ"الشتا للي فات" (2013). ليس غريباً أنْ يكون هذا الفيلم للمخرج إبراهيم البطوط، المتشبّع بمبادئ السينما المستقلّة، المتلائمة مع واقع الخصاصة الذي لا يرتفع. سينما تعتمد أساليب طليعية غير مسبوقة، وتنتصر لحساسية وحدس فنيّين، يذهبان إلى العمق، والتركيز على ما تمليه الانتظارات العربية المحلية، التي وحدها السبيل إلى العالمية المنشودة، وليس أبداً التوسّل بالمواصفات التي يمليها عرّابو المهرجانات العالمية.

المساهمون