خطورة أن يكون القضاء خصماً

خطورة أن يكون القضاء خصماً

26 ابريل 2015

محمد ناجي شحاتة وجه المشين للعدالة المصرية

+ الخط -
كيف تحولت الاغتيالات من حوادث متناثرة إلى ظاهرة متنامية؟ وكيف يمكن، بعد غرق صندل الفوسفات التابع للقوات المسلحة، أن تكون هناك رقابة صحية وبيئية على أنشطة القوات المسلحة الصناعية والتجارية، إذا يئسنا من وجود رقابة مالية وإدارية؟ وإلى متى سيظل هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للحسابات، يصرخ في البرية، شاكياً من رفض الأجهزة السيادية والأمنية ونادي القضاة لمحاولات الرقابة المالية والإدارية على أنشطتهم؟ وكيف نضمن سلامة مساعد الشرطة، عبد العزيز ربيع الذي قرر أن يشهد ضد الضباط الذين تسببوا في قتل 37 سجيناً بسيارة ترحيلات سجن أبو زعبل؟ ولماذا تتضارب تقارير الطب الشرعي، بخصوص كل جريمة يرتكبها رجال الشرطة؟ وكيف يمكن أن يحصل محمد مرسي على حكم بسجنه عشرين سنة في قضية قتل المتظاهرين، التي حصل فيها حسني مبارك على البراءة، ويستحق عبد الفتاح السيسي أن يحاكم أيضاً عليها، وقد قتل أضعاف ما قُتل من المتظاهرين في عهدي مبارك ومرسي؟ وهل يمكن أن ينتظر جميع المصريين إجابات حاسمة، على مئات الأسئلة الخطيرة التي تحيل تفاصيل حياتهم إلى كوابيس، إذا لم يستعيدوا، أولاً، ثقتهم في القضاء ومنظومة العدالة؟
كنت أتحدث مع صديق قضى عمره في دراسة النظام القضائي المصري، عن ظاهرة محمد ناجي شحاتة التي أصبحت تشكل أبرز تجليات الوجه المشين للعدالة المصرية أخيراً، ففاجأني بقوله إن خطورة ما يجري في ساحة القضاء، لا تكمن في شخص ناجي شحاتة أو قاضي المنيا المشهور بأحكام الإعدام الجماعي، لأن الأخطاء القانونية التي يرتكبها قضاة من هذا النوع، تسهل نقد ونقض أحكامهم، سواء في درجات التقاضي الأعلى، أو أمام المنظمات الدولية التي تراقب أحوال العدالة في مصر، وإنما الأخطر من وجهة نظره، هو غياب جوهر العدالة ومعناها، عن كثير من الممارسات القضائية اليومية في مئات المحاكم، بحيث أصبحت تجد قضاة يبررون إهدارهم لكثير من حقوق المتهمين، ويدافعون عن اعتمادهم على تحريات الأمن المهلهلة والمتناقضة، بدعوى حماية الدولة من الإسقاط، من دون أدنى اعتبار لحق المتهم، أيا كانت خطورة اتجاهه السياسي، أو فداحة الاتهامات الموجهة إليه، في محاكمة عادلة، تفترض أنه "بريء حتى تثبت إدانته"، ذلك المبدأ القانوني الذي بات يلقى مصرعه كل يوم على أيدي المصريين داخل المحاكم وخارجها.
حتى قيام ثورة يناير، كانت أغلب مشكلات المصريين المعلنة مع القضاء تتركز في بطء إجراءات التقاضي، واهتراء أحوال المحاكم، لكن لم يكن هناك إحساس جمعي معلن، بفقدان الثقة في القضاء، خاصة أن كثيراً من الأحكام القضائية المهمة، كانت تصدر على خلاف رغبات السلطة، فتقوي الإحساس باستقلال القضاء، وتصعب مهمة من كانوا ينبهون إلى وجود اختلالات جوهرية في بنية النظام القضائي، بدأت منذ مذبحة القضاء في عهد عبد الناصر، وما تلاها من تشريعات ساداتية ومباركية، أتاحت للدولة التدخل المستتر والمتزايد في سير العدالة، وحتى حين كانت تصدر أحكام مثيرة للجدل في قضايا لها علاقة بكبار الفاسدين، كانت الانتقادات الشعبية تنصب على أشخاص القضاة، لا على النظام القضائي الذي كانت مجمل ممارساته توحي بوجود مسافة بينه وبين الجميع، بدءاً من أجهزة الدولة ومروراً بالمواطن العادي، ووصولاً إلى المتهمين في القضايا السياسية، وهو ما كان يجعل كثيرين يتسامحون مع الأحكام الصادمة، معلقين آمالهم على عدالة تجلبها لهم الدرجات القضائية الأعلى.
لم يعد الأمر كذلك في السنوات الأخيرة، فقد أصبح إعلان القاضي خصومته مع من يحاكمهم أمراً طبيعياً يشجعه مواطنون مصريون كثيرون، من دون أن يدركوا خطورة ذلك الوضع، الذي يمكن أن يكتووا بناره، إن دخلوا، لأي سبب، في حالة خصومة، مع قرارات الحكومة التي ستجد بالقطع قضاة ينحازون لها، وبالمبررات نفسها التي سبق أن أعلنها القضاة الذين يخاصمون الماثلين أمامهم، ويحرمونهم من حقوقهم القانونية، بدعوى حماية الدولة من الإسقاط.
للأسف، حين تشاهد حرص عدد من القضاة داخل المحاكم وخارجها، على تصدير وتأكيد صورة صاحب السلطة العليا، الذي لا يهتم بآراء أحد، ولا يخاف رقابة أحد، ولا يتورع عن خوض معركة مع كل من يهدد مصالحه وامتيازاته، تتعجب كيف لا يدرك عموم القضاة خطورة ذلك، ليس فقط على مستقبل البلاد، بل وعلى شخوصهم وامتيازاتهم وكيانهم القضائي بأكمله، لأن تحول صورة القاضي من حكم يرتضيه الجميع، إلى خصم متورط في الصراع، يهدم فكرة العدالة من أساسها، ويكرس لقانون الغابة الذي لا يبقى فيه إلا الأقوى، سواء كان يحمل طبنجة ميري أو كاتما للصوت أو بندقية جيش أو عبوة ناسفة، ولا عزاء للعدالة والشعب.
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.