الاحتلال وموجة المقاومة في فلسطين

الاحتلال وموجة المقاومة في فلسطين

09 فبراير 2018
+ الخط -
قال وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، "إنَّ موجة العمليات، في الأسابيع الأخيرة، زادت وسنوقف هذه الموجة". ورأى أنّ العملية، طعن مستوطن، عند مستوطنة أريئيل، جاءت نتيجة مباشرة للتحريض من كبار مسؤولي فتح والسلطة الفلسطينية. وقد جاءت هذه العملية بعد أخرى سبَقَتْها، الشهرَ الماضي (يناير/ كانون الثاني) في منطقة نابلس، قُتِل فيها مستوطنٌ آخر، اتهمت أجهزةُ الاحتلال الأمنية أحمد جرار بالمسؤولية عنها. وواجهت دولة الاحتلال خيبة قرابة ثلاثة أسابيع، قبل أن تتمكّن من جرّار، فردا، شهيدا، وهي في كامل استنفارها، وتنظيمها، وبكامل نُخَبِها الأمنية والاستخبارية، وهي المواجهة التي صنعت من جرّار أيقونة فلسطينية، جديدة، ومُلهِمة، مؤلمة وخطيرة عند الاحتلال. لا سيما أن إسرائيل تحاول أنْ تكرّس في الضفة الغربية حالةَ إجهاض سريع لأيّ بوادر لتشكّل بؤر مقاومة، وبالذات المقاومة المسلحة، تساعدها في ذلك طبيعةُ الضفة الغربية، حيث انعدام القدرة على تهريب السلاح من الخارج، بالإضافة إلى كثافة الوجود الاحتلالي، الأمني والاستيطاني، بالإضافة إلى التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية.
وكانت التقديرات الأمنية الاحتلاليَّة قد حذّرت، في الفترة الأخيرة، من أنَّ الوضع الأمني في الضفة الغربية غير واضح، وأنَّ مخاطر انفلاته قائمة، بالتوازي مع تحذيراتٍ من المسّ بالسلطة الفلسطينية، أو من الضغط عليها، لأن رئيسها محمود عباس ضعيف، بعد الهجوم الأميركي الإسرائيلي، السياسي الخطير، والمستفز، باعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل، بتشجيعٍ من حكومة نتنياهو، وتثمينٍ كبير منها، ثم بالهجوم الذي استهدف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) على الرغم من التحذيرات الدولية، وتحذيرات وكالة الغوث نفسها، من المآلات الخطيرة والمباشرة، على اللاجئين الفلسطينيين، وليس أقلهم تضرّرا اللاجئون في قطاع غزة الذي يتعرض أهله عموما لأصعب حدود المعاناة.
ولعل دولة الاحتلال لم تجنح إلى إجراءاتٍ ضد السلطة الفلسطينية بسبب هذه التقديرات؛ 
فالاحتلال ليس معنيا، كما يبدو، في هذه المرحلة، بتصعيد في الضفة الغربية، وهي محلّ استفحال المشروع الصهيوني الاستيطاني، كما أكّدت ذلك، مثلا، تصريحات رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في افتتاحه، أخيرا شارعا استيطانيا على أراضي قرية النبي إلياس، شمال الضفة الغربية، إذ قال: "عدنا إلى السامرة". وقال: "هنا قلب إسرائيل". وأوضح أنّ هذا الشارع جزء من مشروع كبير تعمل إسرائيل على إنشائه، سيضمُّ عدَّة شوارع التفافية تُستخدم للمستوطنين في الضفة الغربية.
ولذلك لم تحجب إسرائيل أموالَ السلطة، وانتظمت رواتب الموظفين، بل سمحت بإطلاق الجيل الثالث للأجهزة الخلوية، وأبرز مبعوث الرئيس الأميركي الخاص للسلام، جيسون غرينبلات، ذلك في صورة الإنجاز الاقتصادي، والمُمهِّد لحياة فلسطينية واعدة، ورآه أحدَ الأمثلة على تعاون إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مع الإسرائيليين والفلسطينيين لتحسين الاقتصاد المحلي الفلسطيني، والاتجاه نحو تمكين مبادرات الابتكار والريادة.
وتدرك دولةُ الاحتلال مدى الاحتقان والغضب الفلسطيني، واليأس من العملية السياسية، بعد كلّ التجاوز الذي أصابها، سياسيا، وفي العمق، حيث لا قدس، ولا عودة لللاجئين، أو حتى اعتراف بمعاناتهم، ولا انسحاب عن الحدود مع الأردن، (مع تعزيز الاستيطان في منطقة غور الأردن) بل الحديث عن ضمِّ الضفة الغربية، أو مناطق "ج" منها التي تشغل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية.
وهنا تزداد التساؤلات عن دور السلطة الفلسطينية، وعن واجباتها، وهي، بالطبع، تستشعر هذا 
المكان الضيّق الذي أُلجِئتْ إليه؛ فلذلك راحت تعلن عن تموضع جديد، عنوانُه الانفكاك السياسي والأمني والاقتصادي والإداري عن إسرائيل، وهو القرار الذي اتخذه المجلس المركزي الفلسطيني، أخيرا، ثم كلّفت اللجنةُ التنفيذية للمنظمة حكومةَ الوفاق بإعداد الخطط والمشاريع الكفيلة بتحقيق ذلك. علما أنَّ التقديرات الإسرائيلية ظلَّت، بعد انعقاد المجلس المركزي، وخطاب أبو مازن فيه، على حالها، فبحسب صحيفة معاريف، يبدو أن قادة كلٍّ مِن الجيش والاستخبارات في تل أبيب مطمئنون إلى أنّ تغييرًا على نمط تعاطي السلطة مع سلطات الاحتلال لن يحدث في أعقاب خطاب عباس. وأوضحت الصحيفة أنّ ما يمنع عشرات الآلاف من عناصر حركة فتح الذين يمتلكون السلاح، ويحول دون توجيه بنادقهم صوب إسرائيل، هي التوجيهات القاطعة التي تصدر عن عباس.
وهنا النقطة الحاسمة، حاليا، ومستقبلا: هل تنضمُّ حركةُ فتح بثقلها، وتأثيرها، ولا سيما في الضفة الغربية، إلى هذه الموجة المسلَّحة، ضد الاحتلال ومستوطنيه: بالطبع، بعد كلِّ التغييرات التي طاولت الحركة، ليس مِن السهل أنْ يحدث ذلك، وأنْ تخرج الحركةُ عن موقف رئيسها (ومعه قيادات فتح)، المصرّ على رفض النضال المُسلَّح. وإلى أن تقرِّر حركةُ فتح ذلك، أو يُغيِّر الرئيس عباس موقفَه، تبقى دولة الاحتلال في حالة قياس دائم، تُعدّل بموجب المعطيات من الوتيرة الاحتلالية، ظاهريا، ولا توقفها، وتشفع ذلك، بين حين وآخر بـ "تلطيفاتٍ" اقتصادية معيشية، هذا المسارُ الرفيع هو الذي يُراد له، أميركيا وإسرائيليا، وربما عربيا (!) أنْ يكون تعويضا وطامسا كلِّ الهدم والانسدادات في المسارات بالغة الحيوية والمصيرية في حياة الفلسطينيين ومستقبلهم وجودا، واستقلالا.