معبد هيليوس... بهاء وشموخ جبل حرمون في لبنان

معبد هيليوس... بهاء وشموخ جبل حرمون في لبنان

راشيا (البقاع)

عمر يحيى

avata
عمر يحيى
17 مارس 2022
+ الخط -

رغم ما مرّ عليه من ويلات وحروب وعوامل طبيعية وإهمال قلّ نظيره، لا يزال معبد هيليوس يحافظ على موقعه وآثاره وطلّته التي تسحر القلوب بما تعكسه من بهاء وشموخ على ارتفاع نحو ألف متر عن سطح البحر. ويقع المعبد أسفل جبل حرمون أو جبل الشيخ شرقي بلدة عين حرشا بقضاء راشيا الوادي في البقاع الغربي، جنوب شرقي لبنان.
يضم المعبد الذي يمتد على مساحة نحو عشرة آلاف متر مربع، بحسب ما يوضح نائب رئيس بلدية عين حرشا، محمد شديد لـ"العربي الجديد"، مئات من قطع الحجارة والأعمدة، التي تناثرت عبر الزمن، ونواويس محفورة في الصخر ومنحوتات تمثل رأس إله تحيطه الشمس، وغيرها من النقوش والكتابات اليونانية التي تؤرخ لحقب وقرون خلت.

يعتبر معبد هيليوس من المعابد الأيونية (نموذج هندسي يوناني) النادرة في لبنان، وهو مثل غيره من المعابد والحصون والقلاع الأثرية الموغلة في القدم في هذا البلد، منسي ومهمل من الجهات المعنية ويحتاج إلى إنقاذ، رغم قيمته التاريخية والحضارية والسياحية. ويتطلب الوصول إليه حالياً سلوك طريق وحيد ووعر باستخدام سيارة دفع رباعي أو مشياً على الأقدام لمسافة تزيد عن ثلاثة كيلومترات، والذي كانت شقته البلدية على نفقتها الخاصة عام 2004، بعدما ملّت من مطالبة الجهات والوزارات المعنية التي لم تحرك ساكناً.

الصورة
إطلالة ساحرة من الأعلى (العربي الجديد)
إطلالة ساحرة من الأعلى (العربي الجديد)

ويقول شديد: "المنظر السائد في محيط هذا المعبد الأثري القديم هو حجارته المحطمة والمتناثرة على أرضه، ما يدل على عدم اهتمام المسؤولين في الدولة اللبنانية، وفشلهم في التعامل مع المعالم الأثرية لوضعها في واجهة الخريطة السياحية للبلاد التي تحقق أهداف جذب عدد كبير من الزوار من داخل لبنان وخارجه معاً. وحين يتولى وزير أو مسؤول مسؤوليات منصبه يؤكد اهتمامه بالسياحة والاقتصاد والآثار، لكن كل ذلك يبقى كلاماً بلا فعل".
يتابع: "طالبت بلديتنا عام 1998 الجهات المعنية بشق طريق للمعبد، ووعدنا مرات بتنفيذ هذا الأمر من دون أن يحصل ذلك، ثم بادرت البلدية برئاسة منصور فارس، وهو الرئيس الحالي للبلدية، بالتعاون مع الأهالي في شق طريق للوصول إلى المعبد مشياً على الأقدام".
وناشد شديد رئيس الجمهورية اللبنانية ورئيس الحكومة والوزراء المعنيين العمل لإنقاذ هذا المعبد الأثري الذي يقع على مساحة نحو عشرة آلاف متر مربع، ويمكن إقامة منطقة سياحية حوله.

الصورة
منحوتة تمثل رأس إله تحيطه الشمس (العربي الجديد)
منحوتة تمثل رأس إله تحيطه الشمس (العربي الجديد)

ذكريات وأساطير
وتروي الأستاذة الجامعية في الأدب العربي الدكتورة سلام حداد، ابنة بلدة عين حرشا، لـ"العربي الجديد" بعض ذكرياتها عن هذا المعبد حين كانت تقصده مع رفاقها مشياً على الأقدام للهو واللعب في محيطه ولا سيما خلال أيام الربيع، وحكايات وأساطير نقلها الأهل والأجداد الذين اعتقدوا بأن مكان معبد هيليوس مرصود، ويضم الكثير من الكنوز والأواني الفخارية، وأن مَنْ يمد يده إلى أيّ من موجودات المعبد يمسّه السحر".
وتطالب حداد الجهات المعنية والمختصة، ولا سيما وزارتي السياحة والثقافة ومديرية الآثار، بالاهتمام بإبراز القيمة الأثرية والثقافية للمعبد، وليس الأسطورية فقط من خلال الحكايات التي يتداولها العامة، والتي لا تستند إلى دراسات وأبحاث علمية.

الصورة
نقوش بحروف اليونانية (العربي الجديد)
نقوش بحروف يونانية (العربي الجديد)

من جهته، يتحدث الأستاذ الجامعي في مادة التاريخ وعلم الآثار والتراث الوطني اللبناني الدكتور أنطوان خوري حرب لـ"العربي الجديد" أنّ "معبد هيليوس في عين حرشا أحد معابد جبل حرمون، وهو الجبل المحرّم أو المقدّس. وتعني كلمة هيليوس باليونانية الشمس، وهي رمز للإله الأكبر، ورغم أنه تعرّض لعوامل وكوارث طبيعية كثيرة وغيرها، يعد أحد المعابد المهمة في جبل حرمون والذي أعطى هذا الجبل الطابع المقدس. كما أنه من المعابد النادرة التي ما زالت تحافظ على بقاياها، ومن الضروري ترميمه، خاصة أن معظم عناصر هيكل بنائه لا تزال موجودة، وهناك نقوش وكتابات ومنحوتات تمثل إله الشمس والقمر". ويعزو حرب غياب الجهات المعنية بإعادة ترميم معبد وأماكن أثرية أخرى إلى جهلها أهمية الآثار الموجودة في لبنان.

الصورة
أحجار قيّمة في محيط المعبد (العربي الجديد)
أحجار قيّمة في محيط المعبد (العربي الجديد)

الصخور بيت الإله
وفي الصفحة 200 من كتابه "حرمون من آدم إلى المسيح... حقائق لم تكشف بعد"، يتطرق الدكتور نبيل أبو نقول، وهو أستاذ جامعي وباحث في الشؤون الحضارية والديانات القديمة والميثولوجيا، إلى معبد هيليوس، ويكتب: "أقيم في عين حرشا معبد لإله شمس هيليوس وأخته سيلين ابنة هيبريون. وكان الحجر بيتا لهيليوس ومكاناً لعبادته، والشمس صورته المرئية ومثالا له وهو يقرب من الله، ويطابق هيليوس أبولو اليوناني إله النور والفنون الجميلة".
ويلفت أبو نقول في حديثه لـ"العربي الجديد" بأن "ديانة هيليوس تعتبر أن الصخور هي بيت الإله، لذا نرى المعبد محاطاً بالصخور. وبعدما بنى الفينيقيون وأسسوا هذا المعبد جاء الفراعنة واحتلّوا المنطقة، وفرض رعمسيس الثالث ضرائب وجزية للفرعون من بلاد لبنان وسورية وفلسطين، فكان هذا المعبد مركزاً لتجميع هذه الضرائب والجزية، فسمّيت البلدة باسم عين حرشا، وهو تحريف لكلمة عين إرشاك أو إرساك، أي قرية الكنوز المرصودة. فكانت الأموال تجمع وتدفن في هذه الأرض قبل نقلها إلى مصر، وكان كل سكان المنطقة الذين كانوا يتعبّدون الإله هيليوس يقدمون النذور ضمن المعبد أو بين الصخور المحيطة به".
ويتابع: "تاريخياً، بقيت كلّ الشعوب القديمة في هذه المنطقة التي لم تعتنق المسيحية حتى القرن الخامس ميلادياً تحجّ إلى هذا المعبد، أو إلى معبد إله الشّمس أو إله شوب في جبل الشيخ".

ويأسف أبو نقول لعدم إعادة ترميم المعبد الذي لا يزال يحافظ على كثير من معالمه الأساسية من نقوش وكتابات بالحرف اليوناني تؤرخ لزمنه وتاريخه. ويقول: "حال الإهمال في المعبد حالياً سببه عدم اهتمام الدولة اللبنانية ومديرية الآثار ووزارة السياحة، لكن المؤسسات الرسمية يجب أن تعاود الاهتمام بهذا المعبد وتعيد ترميمه وبعثه إلى الحياة من جديد، فهو فعلاً من المعابد الضخمة والقيّمة جداً في لبنان والمنطقة".

ذات صلة

الصورة
بات شغوفاً بعمله (العربي الجديد)

مجتمع

أراد ابن جنوب لبنان محمد نعمان نصيف التغلب على الوجع الذي سببته قذائف وشظايا العدو الإسرائيلي على مدى أعوام طويلة فحولها إلى تحف فنية.
الصورة
وقفة تضامن مع جنوب أفريقيا في لبنان 1 (سارة مطر)

مجتمع

على وقع هتافات مناصرة للقضية الفلسطينية ومندّدة بحرب الإبادة التي تشنّها قوات الاحتلال الإسرائيلي على غزة، كانت وقفة أمام قنصلية جنوب أفريقيا في بيروت.
الصورة
تضررت مخيمات النازحين السوريين في لبنان من الأمطار الغزيرة (فيسبوك/الدفاع المدني)

مجتمع

أغرقت الأمطار التي يشهدها لبنان والتي اشتدت أول من أمس (السبت)، العديد من مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان، لا سيما تلك الواقعة في المناطق المنخفضة.
الصورة
اغتيال صالح العاروري في ضاحية بيروت الجنوبية

سياسة

وقع، اليوم الثلاثاء، انفجار في ضاحية بيروت الجنوبية، ليُعلن لاحقًا اغتيال القيادي في حركة "حماس" صالح العاروري واثنين من قادة كتائب عز الدين القسّام.

المساهمون