زينة الميلاد... شجرة تكلف ثروة في لبنان

زينة الميلاد... شجرة تكلف ثروة في لبنان

23 ديسمبر 2020
لا بدّ من الاحتفال (حسين بيضون)
+ الخط -

بينما يستعد العالم للاحتفال بعيد الميلاد المجيد بالزينة وإضاءة شجرة العيد، تحلّ هذه المناسبة على اللبنانيين وسط انهيارٍ ماليّ حادّ وغلاءٍ فاحش طاول سعر شجرة الميلاد وما يرافقها من مستلزمات الزينة والمغارة، بعدما تخطت كلفة بعضها الحدّ الأدنى للأجور، لارتباطها بالارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار الأميركي، علماً أنّ الحدّ الأدنى للأجور، وهو 675 ألف ليرة لبنانية، يعادل 450 دولاراً بسعر الصرف الرسمي، لكنّه لا يتجاوز 82 دولاراً وفق سعر الصرف الفعلي في السوق السوداء، وهو المعتمد لدى التجار، فيما يستمر تقاضي معظم الموظفين والعمال رواتبهم بالليرة.
العيد الذي ترافق العام الماضي مع انتفاضة شعبية، يعود حزيناً هذه السنة، سواء في بيوت اللبنانيين أو خارجها. وبعدما بات المواطنون عاجزين عن شراء أو تجديد أيّ من مظاهر الميلاد، يكتفي العديد منهم بإضاءة شجرة العام الماضي، إذا وُجدت، أو تشييد المغارة بما بقي من شخصياتها التقليدية، لتتحوّل من شجرةٍ تجسّد الخلود والحياة، إلى شجرة تدبّرت أمرها بأبسط السبل، ومن زينة ومغارةٍ تمثّل باكتمالها معاني الميلاد والأمل والرجاء، إلى الاكتفاء بما تيسّر منها.
"الشجرة قد تغيب، لكنّ المغارة لا تغيب" هكذا تختصر تريزيا أسمر، من منطقة المتن الأعلى (جبل لبنان، وسط)، واقع الحال. وتقول لـ"العربي الجديد": "شجرتنا عمرها 20 عاماً، لكوننا نحافظ عليها دائماً، وكنّا كلّ عام نجدّد الزينة، لكنّنا هذا العام لم نجدّدها. فالنجمة مثلاً ارتفع سعرها أربع مرات، وشريط الإضاءة تضاعف سعره أكثر من خمس مرات، بل يرجّح ارتفاعه أكثر وفق سعر صرف السوق. أمّا الكرات، فكنّا نختار كلّ عام نمطاً معيّناً من الأحجام والألوان، لكنّنا اليوم لم نتمكن من ذلك".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وترى أنّه "عوضاً عن تجديد الشجرة وتكبّد كلفة الزينة، نفضّل هذه السنة إطعام عائلة فقيرة. ولنفترض أنّنا سنستغني عن الشجرة وسنكتفي بالمغارة، فالمغارة تتضمّن شخصيات، من بينها الطفل يسوع والسيدة مريم ويوسف والراعي والمجوس، وفي حال عدم توافرها من العام الماضي، هل يمكن الحصول عليها في ظلّ الغلاء؟ كذلك إنّ تعرّض أيّ من هذه الشخصيات للكسر، بات مكلفاً بدوره". وتؤكّد أسمر أنّ "من الصعب التفكير اليوم في القصص الجمالية للعيد... يبقى فقط جوهر الميلاد وفرحته وجَمعته، لكن لا يمكننا حتّى عيش هذا الجوهر، ولا يمكننا جمع العائلة بسبب جائحة كورونا، فالفرحة غير مكتملة، والحزن يخيّم على اللبنانيين جميعاً، منهم من ألحق به انفجار بيروت الأضرار الجسيمة، ومنهم من فقد عمله ولا طاقة له على تحمّل الأزمة". وتشير إلى أنّ "شجرة الميلاد تحمل أكثر من معنىً، فهي تدلّ على الخلود والصمود، لكن أيّ صمود بعد اليوم؟ فيما شريط الإضاءة يدل على التشابك والتضامن، لكن أين هي إمكانيّة التشابك والتضامن؟ أمّا الجرس، فهو دعوة إلى الصلاة، وحتّى هذا حُرمناه داخل الكنيسة، بعدما أُغلقت أبوابها بسبب الجائحة. إذاً، ما من مظاهر توحي بالعيد على الإطلاق، لكن تبقى رمزية الميلاد في القلب".

الصورة
تزيين شجرة الميلاد في منزل لبناني- حسين بيضون

تيودور الحريكي، ابن مدينة جونيه (جبل لبنان، وسط)، يستذكر كيف كانوا يشترون كلّ عام ورقاً لتشييد مغارة كبيرة، ويقول لـ"العربي الجديد": "كنا نشتري زينة جديدة، أو على الأقلّ مستلزمات الزينة بالمفرّق (بالتجزئة) ونجمعها بأيدينا. كانت هناك ميزانية لذلك، لكن اليوم لا قدرة لنا أبداً". ويتابع: "لقد خفّفنا الزينة كثيراً، وصغّرنا حجم المغارة، واخترنا مفهوم الاستدامة في تشييدها، إذ اعتمدنا على ما هو متوافر في المنزل، من طاولة وضعنا عليها القليل من القطن ليبدو وكأنّه ثلج، وما توافر من زينة". ويشدّد على أنّ "روحية العيد ورمزيّته موجودة، بغضّ النظر عن الزينة والمظاهر المعتادة".
أما تالين الحاج، من جنوب لبنان، فتقول: "العيد هذه السنة مختلف جداً، فلا فرحة أو بهجة له، وحتى إن وُجدت الزينة لدى البعض، فالقلوب ليست صافية... هناك مَن هو غير قادر على تأمين الطعام والشراب لعائلته، فالوضع صعب على جميع عائلات لبنان. أضف إلى ذلك عدم إمكانيّة التجمّع وإقامة الاحتفالات الميلادية بسبب فيروس كورونا. كنّا ننوي تغيير الزينة أو تجديدها كعادتنا، لكنّ الوضع لا يسمح بذلك، ولا حتّى بتكبير الشجرة أو باستكمال شخصيات المغارة". وإذ تذكّر بأنّ "رمزيّة شجرة الميلاد دائماً موجودة"، تأسف لكون "الظروف لا تسمح لنا بالفرح أو بعيش طقوس الميلاد وسط أجواء عائلية تجمع الأقارب والأصدقاء، للصلاة والسهر وتبادل التهاني بولادة يسوع، كما اعتدنا طوال حياتنا".

الصورة
تزيين شجرة الميلاد في منزل لبناني- حسين بيضون

أمّا المحال التجارية المخصّصة لبيع شجرة الميلاد ومستلزماتها، فقد نشطت في إعلان عروضها وحسوماتها لجذب ما أمكن من الزبائن، في ظلّ ركودٍ اقتصادي متفاقم. من بينها ما كتبه أحدهم في صفحته على "فيسبوك": "أكبر تشكيلة لعيد الميلاد وأرخص الأسعار فقط لدينا"، وآخر طمأن بالقول: "كرمال (لأجل) أعيادكن تكون أحلى وأحلى، أوسع تشكيلة من الزينة، ليكون عيدكن بالقلب وتحت أجمل شجرة...".

وفيما يتفاوت سعر شجرة الميلاد الاصطناعية وفق قياسها ونوعيتها، فهو يبدأ في أغلب المحال من 90 ألف ليرة لبنانية (نحو 11 دولاراً بسعر السوق)، ويصل في محال أخرى، بعد الحسم إلى مليون و500 ألف ليرة (نحو 183 دولاراً بسعر السوق)، وحتّى إلى أسعارٍ خيالية تفوق التوقع، وكل ذلك من دون كلفة الزينة. أمّا الشجرة الطبيعية، فأرخص شجرة بطول 80 سنتمتراً سعرها 15 دولاراً بسعر السوق، لكونها مستوردة، كما يفيد صاحب أحد المحال، ويصل السعر إلى 250 دولاراً، أي نحو أربعة أضعاف الحد الأدنى للأجور بسعر الصرف الفعلي.

واللافت أنّ بعض المحال عمد إلى عرض أسعاره بالدولار، مطمئناً زبائنه إلى أنّ دولاره محدّد بسعر صرف 6500 ليرة (أقل بنحو 1700 ليرة من سعر صرف السوق السوداء). وغيره كان قد "تفوّق" عليه باشتراطه الدفع فقط بالدولار.
واقع اللبنانيين المرير تعرّيه شبكات التواصل الاجتماعي، حيث بلغ الحال بالبعض إلى عرض أشجار ميلاد للبيع أو أدوات الزينة، إمّا بالدولار أو بأبخس الأسعار، طلباً لرغيف الخبز. بل وصل الأمر إلى حدّ عرض شريط إضاءة الشجرة للبيع، الذي رغم الغلاء لا يتجاوز سعره في أغلب المحال، دولارين.

المساهمون