إطاحة الشاهد من "نداء تونس": عقد دستورية و"أخلاقية" وسياسية

إطاحة الشاهد من "نداء تونس": عقد دستورية و"أخلاقية" وسياسية

16 سبتمبر 2018
الشاهد اليوم لا ينتمي لأي حزب (Getty)
+ الخط -

وسط تصاعد خلافه مع حافظ قائد السبسي، زعيم حزب "نداء تونس" ونجل رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، قرّر حزب "نداء تونس"، مساء الجمعة، تجميد عضوية رئيس الحكومة يوسف الشاهد من الحزب، وإحالة ملفه إلى لجنة التنظيم، بعد رفضه الإجابة على استجواب داخلي للحزب يتهمه فيه بالخروج عن الخطّ الحزبي. ويطرح هذا الإجراء، الذي هو بمثابة بوابة لخروج الشاهد نهائياً من الحزب، أسئلة كثيرة حول تداعياته السياسية والدستورية خصوصاً.

وينصّ الدستور التونسي على أنه "يتمّ تعيين مرشّح الحزب أو الائتلاف الانتخابي المتحصّل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب، في منصب رئيس الحكومة، والحزب هو الذي يقترحه على رئيس الدولة للتعيين"، وهو ما يعني أنّ الشاهد لم يعد يمثل الحزب أو الائتلاف الأغلبي، ما سيقود ربما إلى أسئلة دستورية وسياسية جديدة.

وفي هذا الإطار، أكّد أستاذ القانون الدستوري، جوهر مبارك، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّه "لا مشكلة دستورية مطلقاً، لأن هذا الفصل لا ينطبق على الشاهد، وإنّما على أوّل رئيس للحكومة ما بعد الانتخابات، أي الحبيب الصيد، أمّا شرعية الشاهد فمتأتية من تصويت البرلمان".

ويشير الفصل 98 من الدستور التونسي إلى أنه "تُعدّ استقالة رئيس الحكومة استقالة للحكومة بكاملها. وتُقدّم الاستقالة كتابة إلى رئيس الجمهورية الذي يُعلِم بها رئيس مجلس نواب الشعب. ويمكن لرئيس الحكومة أن يطرح على مجلس نواب الشعب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها، ويتم التصويت بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب. فإن لم يجدّد المجلس الثقة في الحكومة اعتُبرت مستقيلة". وفي الحالتين يكلّف رئيس الجمهورية الشخصية الأقدر لتشكيل الحكومة، وفق مقتضيات الفصل 89، وهو ما فعله السبسي باختياره لـ"الشخصية الأقدر" وقتها، عبر تعيين الشاهد بعد سحب الثقة من الصيد.

وربّما لا يطرح خروج الشاهد من "النداء" أزمة دستورية بالمعنى القانوني، ولكنّه يطرح أسئلة "دستورية أخلاقية"، باعتبار أنّ رئيس الحكومة يُفترض أن يكون منتمياً للحزب الأول بعد الانتخابات، في حين أنّ الشاهد اليوم لا ينتمي لأي حزب. وفي هذا السياق، أكّد أستاذ القانون الدستوري، عبد الرزاق المختار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "تسمية رئيس الحكومة تتمّ بناءً على النتائج الانتخابية، وفي الحالة التونسية تمّ التركيز على جهة الاقتراح، أي رئيس الجمهورية، ولم تكن نابعة من المشرف على الحزب المعني أو الفائز في الانتخابات. فالحبيب الصيد مثلاً لم يكن ابن نداء تونس، والشاهد لم يكن بدوره في الصفوف القيادية للحزب".

وأوضح المختار أنّ "الشاهد ليس عضواً في الهيئة التسييرية أو في الهياكل العليا للنداء، وبالتالي فإنّ قرار إبعاده من الحزب لن يكون له مفعول مباشر على الشخص، بل على الجهة التي اقترحته وهي رئاسة الجمهورية". وبيّن أنّ "نزع الغطاء السياسي عن الشاهد بقدر ما سيضره، سيضرّ النداء أيضاً، بوصفه حزباً تشقّه تناقضات، ومن المفترض أن يدافع عن مرشّحه، وقراره بإبعاد الشاهد سيؤزّم وضعية الأخير، ولكنه سيؤزم بصفة أكثر النداء"، موضحاً أنّ "الإقالة دستورياً تتمّ عبر آليات واضحة، فإمّا أن يستقيل إرادياً، وهو أمر مستبعد ولن يقوم به الشاهد، أو توجّه إليه لائحة لوم وتتضمن الكثير من الشروط كطرح بديل، ومن ثمّ جمع عدد من النواب لتمرير اللائحة، وهو ما يصعب حالياً في ظلّ الكتلة البرلمانية الجديدة وموقف حركة النهضة الذي يبدو غير واضح تماماً".

وأضاف المختار أنّه في ظلّ تعقّد الفرضيتين الأولى والثانية، "فإنّ الفرضية المتبقية هي قرار من رئيس الجمهورية بعرض الحكومة على الثقة، ولكن الإشكال يكمن في نتائجها غير المضمونة والمحفوفة بالمخاطر. ففي حال الخسارة، ستكون التداعيات وخيمة، أي خسارة الموقع التحكيمي. فآثار هذا الاحتمال خطيرة وهو عبارة عن طلقة لا يعرف اتجاهها، وقد تكون مرتدّة وتؤثّر على صورة رئيس الجمهورية". وتابع المختار أنّ "المتضرّر الرئيسي من خلال هذه الفرضيات المختلفة هما النداء ورئيس الجمهورية، في حين أنّ الأقل تضرراً، هو الشاهد".


ويبدو أنّ هذا القرار سيطرح أسئلة أخلاقية سياسية على بقية الفرقاء، فقد سبق لـ"حركة النهضة" مثلاً أن أكّدت أنّ مشكلة الشاهد هي حزبية، وأنه إذا ما أراد حزبه إبعاده، فعليه أن يبادر لذلك بنفسه وليس بأيادي غيره، في انتظار أن يؤكّد الشاهد قطعياً عدم ترشحه للانتخابات المقبلة، كما اشترطت "النهضة". ولكن يبدو أنّ هذه المتغيّرات الجديدة ستخلط الأوراق من جديد، وربّما تطرح إمكانيات لتحالفات جديدة.

ومع دعوة "الجبهة الشعبية اليسارية" إلى إسقاط الحكومة سريعاً وتضامنها مع "الاتحاد العام التونسي للشغل"، وبيان "النداء" الذي تضامن بدوره مع الاتحاد، وطرح الأخير إمكانية مشاركته في الانتخابات المقبلة، يتّضح أنّ هناك تجمعات وتحالفات جديدة قد تطرأ على المشهد التونسي، في انتظار أن يوضح الشاهد مساره السياسي بشكل علني، ويعلن عن الخطوات المقبلة التي قد ترجح تأسيسه حزبا جديدا بعد أن أصبحت عودته لـ"النداء" صعبة جداً.

وكانت الهيئة السياسية لـ"نداء تونس" قد حدّدت للشاهد، مهلة أربع وعشرين ساعة، لتوضيح علاقته بالحزب وبالكتلة البرلمانية الجديدة (الائتلاف الوطني) الداعمة له، وبـ"حركة النهضة" التي ساندت بقاءه على رأس الحكومة. ومع انتهاء المهلة مساء الخميس، ورفض الشاهد الإجابة على توضيحات الحزب، قرّرت الهيئة السياسية، بناءً على ذلك، تجميد عضويته في الحزب.

وكان الشاهد قال في تصريح إعلامي على هامش إشرافه، الجمعة، على افتتاح الندوة الوطنية حول مشروع قانون المالية 2019، إنه لم يهتم بالاستجواب لأنه كان منشغلاً بقانون المالية والعودة المدرسية.

وكانت مصادر متقاطعة أكّدت لـ"العربي الجديد" أنّ الشاهد لم يكن مستعداً للإجابة على هذا الاستجواب، وقال إنه لا يمانع في إبعاده من الحزب. وأكد مقربون من رئيس الحكومة أنّ طريقة توجيه الرسالة "حملت الكثير من الإهانة" له وللحزب في الوقت نفسه، ووضعت الجميع في موقف محرج أمام الرأي العام، فيما اعتبرت قيادات من "النداء" أنّ هذا التصريح للشاهد يحمل بدوره استهتاراً بالحزب وبمؤسساته.

ولم تلفح اجتماعات الساعات الأخيرة في تفادي الحرج وإيجاد طريقة لتطويق الأزمة. وقد التقى الشاهد برئيس البرلمان محمد الناصر، الخميس، وبالرئيس الباجي قائد السبسي، الجمعة، كما التقى أمين عام حزب "مشروع تونس"، محسن مرزوق، في اجتماع بدا غريباً في توقيته.

ولكنّ مرزوق أشار إلى أنّ حركته تسعى للمساهمة في إيجاد حلّ للأزمة الراهنة وتجميع القوى السياسية المختلفة التي تنتمي إلى "النداء التاريخي". وقال في حوار مع إذاعة "موزاييك" إنّ "هناك اختلالا كبيرا في التوازن السياسي، لأنّ العائلة الوطنية مشتّتة، والمنافس السياسي (في إشارة لحركة النهضة) يتلاعب بالجميع". ودعا مرزوق الجميع إلى "بحث كيفية إعادة بناء النداء، بمن فيهم يوسف الشاهد، لأنه ابن النداء، وما زال ينتمي إليه إلى اليوم".

واعتبر مراقبون أنّ هذه المساعي جاءت متأخّرة جداً، لأنّ مرزوق بصدد التفاوض على العودة إلى "النداء" من ناحية، في حين أنه يفاوض الشاهد، الذي أصبح يملك كياناً سياسياً واضحاً، من ناحية أخرى، وربما يكون يفاوض على الطريقة الأجدى لحزبه في الخريطة الجديدة، خصوصاً أنه أصبح مهماً جداً في المعادلة الندائية والبرلمانية الجديدة.