الشاهد يشهر قوته البرلمانية: ضربة إضافية لـ"نداء تونس"

الشاهد يشهر قوته البرلمانية: ضربة إضافية لـ"نداء تونس"

10 سبتمبر 2018
اتهم "النداء" الشاهد بشق وحدة الأحزاب (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
مع افتتاح العام الأخير من ولاية البرلمان التونسي قبل انتخابات 2019، سيكون مجلس النواب مختلفاً تماماً عما أنتجته انتخابات 2014، وسيعكس الوجه الجديد للبرلمان عند افتتاح دورته في 2 أكتوبر/تشرين الأول المقبل عمق التحوّلات السياسية التي شهدتها تونس خلال السنوات الأربع الماضية بسبب حسابات وتكتيكات أطاحت بأحزاب وأضعفت أخرى وصعدت بمكونات وشخصيات سياسية لم يكن يعرفها التونسيون بشكل كبير وقتها. غير أن تسارع التطورات في الأيام الأخيرة يعكس رغبة جامحة في إعادة توزيع الأوراق والتموضع على خط السباق قبل الانتخابات المقررة في خريف العام المقبل.

ويبدو أن العامل الأهم والتطور الأكبر في الأسابيع الأخيرة، يتمثّل في تشكل قوة برلمانية جديدة داعمة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد، على الرغم من إنكار أصحابها لذلك، إذ وُلدت كتلة "الائتلاف الوطني" لتتصدّر الأحداث وتتحوّل إلى ثالث أكبر كتلة في البرلمان حتى الآن.
وتشكّلت الكتلة من اندماج حزب "الوطني الحر" و"الكتلة الوطنية" (مستقيلون سابقون من نداء تونس ومن مشروع تونس) ومن مستقيلين من حزب "آفاق تونس" ومستقيلين حديثاً من "نداء تونس"، ليبلغ عدد نوابها حتى الآن 41، مع توقع انضمام آخرين إليها، إذ كشفت تسريبات عن اجتماع سيجري قريباً في سوسة ربما ينجح في إقناع نواب آخرين من "النداء" بالانضمام إلى الكتلة. وباتت الكتلة الجديدة الثالثة عددياً بعد "النهضة" بـ68 نائباً وكتلة "نداء تونس" بـ45 نائباً، وتأتي بعدها في الترتيب كتلة "الجبهة الشعبية" (الوحيدة التي لم تشهد أي استقالات) بـ15 نائباً، ثم كتلة "الحرة لمشروع تونس" بـ14 نائباً، وكتلة "الولاء للوطن" بـ12 نائباً و"الكتلة الديمقراطية" بـ12 نائباً أيضاً.

تطورات الأيام الأخيرة عكست عملية استباقية ليوسف الشاهد لحسم أمره، بعد ما حدث في غيابه عندما كان في الصين للمشاركة في القمة الأفريقية- الصينية، إذ أقال وزير الطاقة ومعاونيه قبل السفر، مما فُهم منها أنها رسالة لرئيس البلاد الباجي قائد السبسي وللاتحاد العام التونسي للشغل. وفور عودته، اجتمع الشاهد بعدد من النواب، ليعلنوا مباشرة بعد الاجتماع انسلاخهم من "النداء" وانضمامهم لـ"الائتلاف الوطني"، وهو ما يمثّل إعلاناً صريحاً من الشاهد باستعداده لمرحلة الصراع الأخيرة قبل الانتخابات، وإقناع الجميع بأنه رقم صعب في المشهد السياسي الجديد، وليس مجرد مسؤول يمكن إقالته بسهولة.

واستنكر "نداء تونس" في بيان ما وصفه بـ"إقدام رئيس الحكومة يوسف الشاهد على استقبال مجموعة من نواب كتلة نداء تونس في مقرات الدولة في قصر الضيافة بقرطاج، ليطلب منهم الاستقالة من كتلة نداء تونس والالتحاق بكتلة الائتلاف الوطني". وندد الحزب بما اعتبره "ممارسات تؤكد أن رئيس الحكومة الحالي يضع الاهتمام بالمناورات السياسية وشق وحدة الأحزاب والكتل البرلمانية في صدارة اهتمامه وشغله عوض التركيز على مشاكل البلاد المتراكمة".
واعتبرت قيادة "نداء تونس" في ردها على الاجتماع "أن تلقي رئيس الحكومة لتواقيع عدد من النواب الذين اختاروا الاستجابة لضغوطه في مقرات الدولة التونسية، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن المعني بالأمر قد رهن الحكومة والأدوات التنفيذية للدولة لخدمة مشروعه السياسي الشخصي في استهتار كامل بمصلحة الدولة وحساسية الظرف الذي تعيشه البلاد".

ووجه الحزب رسالة مباشرة إلى "النهضة"، إذ حمّل البيان "الجهات السياسية التي شجعت ولا تزال رئيس الحكومة الحالي على المضي في هذا الطريق المستهتر بالمصالح العليا للدولة والبلاد لحسابات حزبية ضيقة، المسؤولية كاملة في ما يمكن أن يحصل من مزيد من تواصل الأزمة السياسية الحالية ما سيكون له تداعيات خطيرة على البلاد واستقرارها".
وعلمت "العربي الجديد" أن المجتمعين من قيادة "النداء"، تباحثوا أيضاً إمكانية طرد الشاهد من الحزب، وسحب الثقة منه في البرلمان والإعلان عن هذا القرار قريباً.


وشكّل انسحاب النواب ضربة قوية لـ"النداء"، إذ ضمّت القائمة كلاً من زهرة إدريس، ومنصف السلامي، وأحمد السعيدي، وعصام المطوسي، ولمياء الدريدي، وجلال غديرة، ومحمد الراشدي، ومروى بوعزي. وتمثّل سيدة الأعمال زهرة إدريس قوة حقيقية في مدينة سوسة المؤثرة تاريخياً في القرار السياسي التونسي، وتنتمي إلى عائلة ثرية وكبيرة لها تأثيرها وعلاقاتها الواسعة في الساحل التونسي. كما أن رجل الأعمال منصف السلامي، هو من مدينة صفاقس الحاسمة في النسيج الصناعي ومناخ الأعمال الوطني، وهما قد يتوصلان إلى إقناع نواب آخرين بالانضمام إليهما.
وأعلنت إدريس، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية، أن سبب الاستقالة يعود إلى ما وصفته بـ"خيبة أمل" لدى هؤلاء النواب من طريقة إدارة "نداء تونس"، معتبرة أن "المدير التنفيذي لحركة نداء تونس، يستحوذ على قرار الحركة بشكل فردي ولا يقيم أي اعتبار لهياكل الحزب وقيادييه"، وأن قرار الاستقالة تم اتخاذه منذ حوالي أسبوع.

وتبقى النقطة الأساسية في هذه التحوّلات موقف حركة "النهضة"، وكيف ستتعامل مع هذا المعطى الجديد، فالكتلة الجديدة ستبقى بلا وزن إذا لم تتحالف مع القوة الأولى في البرلمان لتشكيل أغلبية جديدة قادرة على حسم مجريات العمل البرلماني.
وقالت مصادر حزبية لـ"العربي الجديد"، إن حركة "النهضة" ستختبر قريباً جداً هذا التكتل السياسي الجديد وسترى إذا كان يمكن أن يشكل حليفاً جديداً بديلاً عن "النداء". وسيكون انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية في افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة، وقانون المساواة في الإرث إذا عُرض على البرلمان، اختباراً حقيقياً لمدى التعاون الممكن مع التكتل الجديد، أم أن "النهضة" ستحافظ على حليفها القديم الذي حققت معه نجاحات كثيرة على الرغم من كل الخلافات، أهمها المحافظة على حد أدنى من الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد، وفق ما قاله السبسي سابقاً.

ولكن بعض الشخصيات في "النداء" تحاول تنبيه "النهضة" إلى أن الشاهد، بصدد التحوّل إلى قوة حقيقية، وقد يكرر معها ما فعله مع حزبه الأصلي "نداء تونس"، ويتنكر لحزبه الأم، خصوصاً أنه لم يعلن حتى الآن عدم ترشحه للانتخابات المقبلة كما اشترطت عليه "النهضة". وتبقى هذه الخيارات صعبة على "النهضة" وربما تدفع ثمناً غالياً مع أي منها، وهي ستبقى في موقف المراقب للأحداث إلى أن يستقر المشهد المتحرك والمضطرب، ولو نسبياً.

المساهمون