نبرة دولية حادة تجاه لبنان وحركة دبلوماسية لانتخابات رئاسية بموعدها

نبرة دولية حادة تجاه لبنان وحركة دبلوماسية لانتخابات رئاسية بموعدها

20 سبتمبر 2022
تنتهي ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر المقبل (Getty)
+ الخط -

شهدت الساحة اللبنانية، اليوم الثلاثاء، حركة دبلوماسية موسَّعة أجمعت كلّها على أهمية التزام لبنان بالاستحقاقات الدستورية على رأسها رئاسة الجمهورية مع اقتراب انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول، علماً أن رئيس البرلمان نبيه بري لم يوجّه حتى اليوم دعوة إلى مجلس النواب لعقد جلسة انتخاب رئيسٍ جديدٍ للبلاد، رغم بدء المهلة مطلع سبتمبر/أيلول، بانتظار "التوافق لا الإجماع" وفق تعبيره.

واستقبل الرئيس اللبناني ميشال عون، اليوم، في مقرّ الرئاسة اللبنانية - قصر بعبدا، سفراء الاتحاد الأوروبي في لبنان برئاسة السفير رالف طراف، حيث تم بحث الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الراهنة في البلاد، في حين أجمعت المواقف الدولية، على ضرورة تشكيل حكومة جديدة كاملة الصلاحيات، وانتخاب رئيس للجمهورية في الموعد الدستوري، وقيام المجلس النيابي بدوره في إقرار القوانين الإصلاحية.

وسادت نبرة دولية عالية لناحية تأجيل السلطات اللبنانية الإصلاحات التي تعهّدت بها أيضاً في اتفاقها الأولي مع صندوق النقد الدولي، بذرائع يعتبر الحاضرون أنها ليست عذراً للتأخير، غامزين مرة جديدة من قناة عدم تقديم أي دعم مالي للبنان رغم الانهيار الكبير، وبأن العمل على اعتماد برنامج خاص بصندوق النقد يمثل الخيار الوحيد الذي سيسمح بإعادة ضخ الأموال في المؤسسات اللبنانية ويشكل مؤشر ثقة.

يأتي ذلك بالتزامن أيضاً مع جولة حالية تقوم بها بعثة صندوق النقد الدولي على المسؤولين اللبنانيين، في وقت لم تقم الحكومة أو مجلس النواب بأي خطوة إصلاحية جرى التعهّد بها في إبريل/نيسان الماضي، أي عند توقيع الاتفاق على مستوى الخبراء، في حين أن المصارف مقفلة أيضاً بفعل الإضراب العام، وأموال المودعين لا تزال محتجزة منذ أواخر عام 2019.

وربط الرئيس اللبناني الأزمة التي تشهدها البلاد بأسباب كثيرة منها "اللاجئون السوريون، تظاهرات 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، جائحة كورونا، كارثة انفجار مرفأ بيروت، الفساد الذي اعترى المنظومة التي كانت حاكمة في السابق، الأخطاء في إدارة المال في المصرف المركزي"، وغيرها من الأسباب، لافتاً، في المقابل، إلى أنه "من الصعب إدارة دولة بثلاثة رؤوس، لذلك نشهد اليوم هذا النوع من الفوضى الدستورية في ظل وجود حكومة تصريف أعمال ومجلس نواب منتخب حديثاً لكنه متشعب الانتماءات".

كذلك، أوضح عون أنه يعمل على تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات تتولى في حال حصول شغور رئاسي بعد 31 أكتوبر/تشرين الأول صلاحيات الرئيس كاملة، وذلك في وقتٍ تؤكد الأوساط السياسية المطلعة على المناقشات الحكومية، حصول تقدّم جدي، مع تذليل عقبات أساسية من شأنها أن تؤدي إلى تشكيل حكومة قبل نهاية الشهر الحالي.

من جانبه، قال السفير طراف: "نعلم أن صانعي القرار اللبنانيين يعملون في سياق بالغ التعقيد وأن هناك بيئة إقليمية ودولية جيوسياسية مليئة بالتحديات، تضاف إليها الجائحة القائمة وتواجد عدد كبير من اللاجئين بالإضافة إلى المنظومة المجتمعية والسياسية الطائفية، والانتخابات النيابية التي جرت، وكذلك الرئاسية، وموضوع الحكومة، لكن كل هذه الأمور لا يمكن أن تكون عذراً لتأجيل الإصلاحات".

وشدد طراف، وفق ما نقل بيان الرئاسة اللبنانية عنه، على "ضرورة الاهتمام أكثر بإعادة بناء المساحة الاقتصادية والمالية والنقدية في لبنان كخطوة أولى لوضع الاقتصاد من جديد على مسار التعافي، وأنه ليس هناك من حل أفضل من صندوق النقد الدولي".

وقال: "نلاحظ أنه بعد مضي أكثر من 3 سنوات على بدء تراجع النظام الاقتصادي وأكثر من سنتين ونصف على تخلف لبنان عن تسديد ديونه السيادية وتقديم الحكومة خطة التعافي المالي، ما زال صانعو القرار اللبنانيون عاجزين عن تنفيذ التدابير الضرورية لإخراج لبنان من المأزق الذي يمرّ به".

كذلك، رأى أنه رغم مضي حوالي نصف سنة على توقيع الحكومة اللبنانية الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وسنتين ونصف على تحديد الحكومة للتدابير الضرورية لمعالجة الوضع، لم يتم تنفيذ الخطوات تمهيداً للموافقة على برنامج خاص بالصندوق، واصفاً ذلك بـ"الأمر غير الجيد".

من جانبها، تحدثت السفيرة الفرنسية آن غريو عن ضرورة قيام السلطات اللبنانية بالإصلاحات، وأن العمل على اعتماد برنامج خاص بصندوق النقد الدولي يمثل الخيار الوحيد الذي سيسمح بإعادة ضخ الأموال في المؤسسات اللبنانية، ويشكل مؤشر ثقة.

كما رأت ضرورة أن تكون هناك حكومة كاملة الصلاحيات إلى جانب المجلس النيابي وضرورة احترام الاستحقاقات الدستورية وفي مقدمها الاستحقاق الرئاسي، معبّرة عن الخشية من أن يؤدي عدم احترام مواعيد الاستحقاقات إلى مفاقمة الأزمات والانقسامات في البلاد.

وكانت للسفيرة الفرنسية اليوم زيارة لرئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، بحثت الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية، في وقتٍ تتجه الأنظار أيضاً إلى نتائج لقاء الرئيس ايمانويل ماكرون مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وذلك في وقت يظهر فيه دور فرنسي في لبنان خصوصاً على صعيد الاستحقاقات المنتظرة ومنها ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية.

وقال مصدرٌ دبلوماسي فرنسيٌّ لـ"العربي الجديد"، إن فرنسا حريصة على استقرار لبنان، والتزامه بالاستحقاقات الدستورية، وتعتبرها ممراً مطلوباً لوقوف المجتمع الدولي إلى جانبه، رغم إخفاقات كثيرة تحدث، ومماطلة غير محبذة على مستوى التأخر في تشكيل الحكومة، والقيام بأبسط الإصلاحات، مؤكداً أن فرنسا لا تطرح أسماءً لرئاسة الجمهورية، ولا تتدخل في الشأن الرئاسي، لكنها في المقابل تدعو القوى السياسية اللبنانية إلى إجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده، لأن تداعيات الفراغ ستكون كبيرة وسيقع ضحيتها الشعب اللبناني، واختيار شخصية جامعة تكون على مستوى التحديات.

مواصفات السعودية للرئيس اللبناني الجديد

في سياق متصل، برزت جولات للسفير السعودي في لبنان وليد بخاري على عدد من المسؤولين السياسيين، أبرزهم رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع، ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، وكان هناك تأكيد على أهمية إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، والتحذير من تداعيات التأخير أو الفراغ الرئاسي.

وقال جعجع بعد اللقاء، إنه لم يتم التطرق إلى الأسماء المرشحة للانتخابات الرئاسية، لكن ما تم التداول به المواصفات المطلوبة، "ففي طبيعة الحال، لن يقبلوا بالتعاطي مع رئيس يميل للفساد أو يقوم بتعزيز اللادولة على حساب الدولة".

ويعتبر موقف جعجع، الذي عبّر فيه عن الموقف السعودي من مواصفات الرئيس المنتظر، موجهاً إلى باسيل الذي هو على لائحة العقوبات الأميركية، ورئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية الذي يعد من الأسماء المطروحة بجدية لرئاسة الجمهورية بدعم من "حزب الله" و"حركة أمل" (يرأسها نبيه بري)، وكان واجه مشكلة مع المملكة على خلفية مواقف وزير الإعلام السابق جورج قرداحي ضد السعودية، والذي كان محسوباً عليه حكومياً، في مقابل أيضاً قائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي يتردّد أنه يحظى بتأييد عربي ودولي، أميركي خاصةً.

وقال جعجع إن "ما استشفيته من الاجتماع هو أن القيادة في المملكة حضّرت للبنان حزماً كبيرة من المساعدات، والمهم أن يكون لدينا رئيس جمهورية ورئيس حكومة وحكومة ودولة جديرة بالثقة، لأن المملكة ليست على استعداد لأن تتعاطى مع أي مسؤول لبناني منغمس بالفساد المالي أو السياسي".

كذلك، قال جعجع إنه "إذا طلبت مني أكثرية نواب المعارضة الترشح للانتخابات الرئاسية فأنا جاهز لطرح برنامجي من جديد، ولكن هذا الأمر غير مطروح حالياً".

المساهمون