لبنان: سنة على استقالة حكومة دياب... انهيار شامل وتنصّل من المسؤولية

لبنان: سنة على استقالة حكومة دياب... اعتكاف وانهيار شامل وتنصّل من المسؤولية

10 اغسطس 2021
استقالت حكومة دياب في 10 أغسطس 2020 بعد انفجار مرفأ بيروت (حسين بيضون)
+ الخط -

سنة مرّت على استقالة حكومة حسان دياب في العاشر من أغسطس/ آب 2020، عقب انفجار مرفأ بيروت، يمكن تلخيصها بـ"إنجازات وهمية"، ثم اعتكافٍ طويلٍ ومسار استكماليٍّ لممارسات المنظومة التقليدية، التي أودت بالبلاد إلى انهيار شاملٍ، في ظلِّ تدهورٍ غير مسبوقٍ لليرة اللبنانية.

وخرج رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، اليوم الثلاثاء، ببيانٍ لمناسبة مرور عام على الاستقالة، ينأى بنفسه ووزرائه عن المسؤولية، ويتحدث فيه عن إنجازات حكومته وخططها الإصلاحية التي "أحبط انفجار مرفأ بيروت تنفيذها"، على حدّ قوله، فالاستقالة، وتوقف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وانقطاع المساعدات الخارجية التي اقتصرت على "معالجة تداعيات الانفجار"، وفق تعبيره، والمراوحة في تشكيل حكومة جديدة، وغيرها من العوامل والمداخلات.

وقال دياب: "كانت الحكومة قد تعاملت مع الأزمة بواقعية. وعلى مدى ستة أشهر من عمرها الفعلي تمكّنت من رسم صورة مكتملة للواقع المالي، وبالأرقام الدقيقة، وحدّدت بشفافية حجم الفجوات الهائلة، والخسائر المتراكمة، ثم وضعت خطة علمية وعملية قادرة على إخراج لبنان من المأزق. ومع أن بعض المداخلات تسبّب في تأخير تطبيق الخطة ولم يستطع إيقافها، إلا أن الانفجار أحبط تنفيذ تلك الخطة، ودخل البلد في المجهول السياسي والمالي والاقتصادي والاجتماعي والمعيشي".

وتابع: "على مدى سنة كاملة، وهي أطول فترة تصريف أعمال في تاريخ لبنان، تعاملت الحكومة المستقيلة مع هذا النفق، على الرغم من ضعف إمكاناتها، وضيق صلاحياتها، وفي غياب أي مساعدة خارجية مؤثرة، وفي ظل تجاذبات سياسية داخلية حادة"، مشيراً إلى أن "حكومة تصريف الأعمال تمكّنت من إبطاء مسار الانهيار".

وشدّد دياب على أننا "محكومون بالرهان على نجاح المحاولات الجارية لتشكيل حكومة قادرة على التعامل مع الأزمة العميقة التي يرزح لبنان تحت وطأتها".

ويقول أدهم الحسنية في مجلس الشؤون الإعلامية في "لِحَقّي"، وهو تنظيم سياسي اجتماعي من مجموعات الحراك المدني، لـ"العربي الجديد"، إن "حكومة حسان دياب هي حكومة الواجهة لمنظومة ونظام 4 أغسطس، وكذلك فشلت في إدارة الكارثة التي تلت جريمة تفجير مرفأ بيروت، عدا عن رفض دياب للمساءلة والمحاسبة والخضوع للتحقيق بعد الادعاء عليه والوزراء السابقين، بجرم الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وإيذاء مئات الأشخاص، متلطياً بالعباءة الطائفية".

ويشير الحسنية إلى أننا "كنّا قد أصدرنا تقييماً منذ حوالي العام قبل التفجير، بعد تصريح دياب الشهير الذي ذكر فيه أن حكومته حقّقت 97% من وعودها خلال مائة يوم، إذ إنّه على الصعيد الإداري فشلت حكومة دياب في تحقيق كل وعودها، كإصدار مرسوم التعيينات والتشكيلات القضائية، وكانت قد وعدت بحماية الحريات العامة والحقوق الأساسية، لا سيما حق التعبير والتظاهر، ولكن النتيجة كانت القمع والبلطجة التي وصلت إلى حدّ قتل وجرح متظاهرين".

ويلفت الحسنية إلى أنه "لم يتحقق أي شيء ممّا ورد في البيان الوزاري في ما خصّ حضّ النيابات المختصّة وكافة أجهزة إنفاذ القانون على تحريك وملاحقة الملفات المتعلقة بالجرائم التي تعتريها شبهة فساد، ولا سيما الجرائم المالية والبيئية والعقارية، ونشر جميع القرارات الصادرة عنها، كما كانت وعدت بإعداد مشروع قانون حول معالجة مخالفات الأملاك العامة البحرية، ولم تنفذ شيئاً".

ومن الوعود الأخرى التي لم تنفذ، يقول الحسنية، "ملء الشواغر في مراكز الفئة الأولى المُلحَّة، وإنشاء مجلس أعلى للتخطيط، وذلك لدراسة ومتابعة الخطط الوطنية ولتعزيز التنسيق بين الوزارات والإدارات، وإجراء مسح وظيفي شامل لقطاعات الدولة كافة، ومكافحة التهريب، وإقرار الاستراتيجية الوطنية للنقل البري، واستكمال خطة الطوارئ في وزارة العمل لمعالجة حالات الصرف الجماعي والإفرادي، وغيرها الكثير".

ويشدّد المتحدث ذاته على أنه "باختصار، حكومة حسان دياب كانت حكومة دمى سياسية، مهمّتها الالتفاف على غضب الناس وتحمّل الانهيار".

اقتصادياً، تؤكد الخبيرة الاقتصادية ليال منصور، في حديثها مع "العربي الجديد"، أنّ حكومة حسان دياب لم تقم بأي إجراءٍ إصلاحيٍّ، أو تكافح "فساد التوظيف"، ولم تتمكن من وقف التهريب رغم أنه لم يعد وجهة نظر، بل أصبح مرئياً وملموساً ومشهوداً عليه.

وتقول منصور: "هذه الحكومة لا هيبة لها، لا خطة لها ولا رؤية، حتى عند قرارها تعليق سداد سندات يوروبوند (سندات خزينة صادرة بالدولار)، لم تقم في المقابل بأي مشاورات جدية ومكثفة لتظهر للجهات الدولية قدرتها على إدارة الأزمة ومعالجتها، أو تلقّفها بالحدّ الأدنى، أو نيّتها إجراء أي إصلاح يعيد بعضاً من الثقة الخارجية".

وتضيف: "كل القرارات التي اتخذت كانت آنية وربطاً بموضوعٍ معيّن، في حين أن المطلوب خطة واضحة على مستوى وطن ومقسمة زمنياً، في ظلّ ظروف اقتصادية حادة لا تعرف استقراراً، بل على العكس تشتدّ مع الوقت وفي ظلّ غياب التدابير اللازمة".

وتشير الخبيرة الاقتصادية إلى أن "ما يمرّ به لبنان معروفٌ ومتوقّعٌ، ونحن كخبراء اقتصاديين نبّهنا منه قبل فترةٍ طويلة، وحذّرنا من تبعاته، خصوصاً على صعيد ارتفاع سعر صرف الدولار وتدهور قيمة العملة الوطنية، وملف رفع الدعم، الذي قلنا منذ سنة بضرورة الاستعاضة عنه ببطاقات تموينية، ولم يفعلوا شيئاً، إذ فشلوا حتى في ترشيد الدعم، في حين ارتدت البطاقة التمويلية التي أقرّت العباءة الانتخابية، وبدأ يُرفع الدعم تدريجياً من دون تأمين بديل، لنصبح أمام غلاء فاحش، وانحدار للقدرة، والفشل مستمرّ، وكل الإجراءات التي اتخذت وتتخذ صوتية وغير حقيقية".

وتتوقف الخبيرة الاقتصادية عند المؤتمرات الدولية التي خُصّصت لمساعدة لبنان والاستجابة لحاجات الشعب اللبناني، آخرها في 4 أغسطس/ آب، وقررت جميعها مع الدول المشاركة تقديم الدعم عبر المنظمات غير الحكومية والدولية من دون مرور أي دولار عبر السلطات اللبنانية، وهذا بحدّ ذاته "إهانة ومسّ بكرامة الدولة وهيبتها، ودليل على مدى انعدام الثقة الدولية بها". وتقول منصور: "أحياناً تبعد الحكومة الحالية عنها تهمة الفساد، ولكن يجب أن تعلم أن نتيجة الفشل هي تماماً كالفساد، موت المريض، وبالتالي البلد".

حكومياً، ما زال نجيب ميقاتي، الرئيس المكلف "الثالث" منذ استقالة حكومة دياب، يشدد على أنه لن يعتذر الآن، ويرتقب أن يحدّد لقاءه الجديد مع الرئيس ميشال عون مصير الملف الحكومي، علماً أن العقد هي نفسها ولم تحلّ بعد، رغم كل الأجواء الإيجابية التي تنشَر، خصوصاً على صعيد وزارتي الداخلية التي يتمسّك بها عون ويريدها ميقاتي أن تبقى للطائفة السنية، والمالية التي يرفض رئيس البرلمان نبيه بري التخلي عنها لعون أو حتى شملها في المداورة.