دعوات الحوار الوطني في تونس: الانفجار الاجتماعي أولوية

دعوات الحوار الوطني في تونس: الانفجار الاجتماعي أولوية

08 نوفمبر 2020
أزمات كثيرة ترهق المواطن التونسي (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

توالت الدعوات في تونس لعقد حوار وطني يجمع الفرقاء السياسيين والمنظمات الوطنية لبحث الحلول والآليات التي تُخرج البلاد من أزماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخانقة. وتقدم "التيار الديمقراطي" أخيراً بمبادرة لحوار وطني اقتصادي واجتماعي، طرحها على رئيس الجمهورية قيس سعيّد، خلال استقبال الأخير الأمين العام لـ"التيار" غازي الشواشي ونائبه محمد الحامدي، في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي. كما أن "الاتحاد العام التونسي للشغل" يعمل على طرح مبادرة شاملة لحوار وطني، سيقدمها أيضا لسعيّد بحسب تصريحات للمتحدث باسمه، سامي الطاهري. ولفت الطاهري إلى أن هذه المبادرة يعمل على إعدادها فريقٌ من الخبراء المختصين، وتشمل مقترحات وتشخيصاً للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ولا تعتبر مثل هذه الدعوات لعقد حوار وطني جامع، الأولى من نوعها في تونس. إذ كانت أربعة أحزاب، وهي "الحركة الديمقراطية" و"حزب أمل" و"مشروع تونس" و"بني وطني"، قد دعت في يونيو/حزيران الماضي، إلى العمل على إطلاق مبادرة لمؤتمر وطني للحوار.

يعمل "الاتحاد العام التونسي للشغل" على طرح مبادرة شاملة للحوار يعدها خبراء مختصون

وأكد الأمين العام لـ"التيار الديمقراطي"، غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن أحد أبرز أسباب دعوة "التيار" لمثل هذا الحوار، هي الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد، والتي تهدد تونس بالإفلاس إن استمر تعطيل مواطن الإنتاج والاعتصامات والتلويح بمزيد من الإضرابات. وحذّر الشواشي من أن الانفجار الاجتماعي قد يحصل في أي لحظة، إلى جانب أن الوضع غير المستقر على الحدود، وانتشار الجريمة، وموجات الهجرة المتتالية، من شأنها جميعها أن تُضّر بصورة وعلاقات تونس الخارجية. ويأتي ذلك برأيه، فضلاً عن العمليات الإرهابية التي ينفذها شباب من المفترض أنهم يبحثون عن قوتهم وفرص عملهم، لكنهم يقترفون جرائم في الخارج.

واعتبر الشواشي أنه حان الوقت للابتعاد عن الصراعات السياسية العقيمة في الداخل، والتي ساهمت في تعميق الأزمات، والذهاب إلى إصلاح أوضاع التونسيين الاقتصادية والصحية. وأشار إلى أن "التيار الديمقراطي" أطلق مبادرة وطنية اقتصادية واجتماعية تحت إشراف رئيس الجمهورية، لأن الأخير هو الجهة الوحيدة القادرة على الجمع، وبالتالي فإن عليه التدخل في فترة الأزمة وفرض الأمن العام، خصوصاً أنه رئيس المجلس الأعلى القومي. ولفت إلى أن "التيار" طرح خلال اللقاء مع سعيّد هذه المبادرة التي ستجمع منظمات وخبراء وأطرافا فاعلة عدة، من أجل رسم استراتيجية شاملة للإصلاحات الكبرى للسنوات المقبلة، لافتاً إلى أن المسؤولية جماعية، وقد حان الوقت ليجمع الرئيس التونسيين، ويجسد التوافق، ويدفع نحو إخراج تونس من أزمتها، مع وضع حدّ للصراعات السياسية التي تعطل الإصلاحات. وحول اللقاء مع سعيّد، أشار الأمين العام للتيار الديمقراطي إلى أن الرئيس التونسي رحّب بالمبادرة وتفاعل إيجابياً مع مقترحهم، واعداً بدراسته جيداً، وبحث آليات تفعيله.

وأوضح الأمين العام لـ"التيار الديمقراطي"، أن الثورة التونسية هي أساساً ثورة اجتماعية، وخرجت ضد التهميش والبطالة وحرمان الشعب من ثرواته الطبيعية، وبالتالي فقد حان الوقت لتحقيق كرامة التونسي. ورأى الشواشي أن هذا الأمر لن يتحقق، في ظلّ حكومة ضعيفة ومرتبكة، وغير قادرة على القيام بالإصلاحات المطلوبة. لكن الشواشي نفى أن تكون مبادرة "التيار" تهدف إلى خلط الأوراق السياسية مجدداً، مؤكداً أنهم يتطلعون لإبعادها عن الصراعات السياسية، ولأن تواصل الحكومة عملها، لأنه لا معنى لإسقاطها أو القيام بتعديل حكومي، وإنما يجب دفعها لتحسين أدائها، وإيضاح بوصلتها. وذكّر الشواشي بوجود دعوات عدة صدرت لعقد حوار وطني من جهات مختلفة، وذلك نظراً لدقة المرحلة، لكن الاختلاف هو أن دعوتهم ليست لعقد حوار سياسي، بل لحوار اقتصادي واجتماعي، أي دون الدخول في الصراعات السياسية.

من جهته، رأى المتحدث باسم "قلب تونس"، الصادق جبنون، أن البلاد تحتاج إلى حوار وطني، على ألا يكون لمجرد الحوار أو فرصة جديدة للسجال السياسي، محذراً في حديث لـ"العربي الجديد"، من أن هناك أزمة صحية واجتماعية واقتصادية، لا بد أن يجري التعامل معها بروح الوحدة الوطنية والتفاعل الإيجابي بين كل السلطات، من رئاسة جمهورية وحكومة وبرلمان ومنظمات وأحزاب. وأكد جبنون، أن هذه المعطيات توجب حصول حوار تكون له مخرجات عملية، ويركز على القضايا الأساسية من إصلاح المؤسسات العامة، ووضع برنامج تنموي واضح، وتمرير الإصلاحات السياسية المعطلة. ورأى أن تحقيق ذلك لا يكون إلا تحت مظلّة "الرباعي" الراعي للحوار (الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة رجال الأعمال وعمادة المحامين والرابطة التونسية لحقوق الإنسان)، الفائز بجائزة نوبل للسلام.

ترى تيارات سياسية أنه لا معنى لإسقاط الحكومة أو إجراء بتعديل حكومي، إنما يجب دفعها لتحسين أدائه

وحول ذلك، رأى المتحدث باسم "قلب تونس"، أن "الرباعي" سبق ونجح في الحوار الوطني، معتبراً أن المسألة قد تكون أيسر حالياً، بحكم وجود حكومة. ولفت بدوره إلى أنه "لن يجري الحديث عن تشكيل حكومة جديدة، بل عن إيجاد حلول عملية لقضايا مصيرية بالتعاون مع الحكومة والبرلمان للوصول إلى اتفاق سياسي واسع". ورأى جبنون أن الحوار وفق هذه الطريقة سيكون إيجابياً، لكن وفق آجال واضحة ومواضيع محددة. وإذ أشار إلى ضرورة أن يحصل ذلك تحت مظلّة الرباعي الراعي للحوار، إلا أنه يمكن لرئيس الجمهورية أن يشرف عليه، لكن كطرفٍ محايد، لأن المخاوف هي من أن يكون الرئيس طرفاً في الصراع السياسي بينما "الرباعي" هو طرف محايد. وشدّد على أن المطلوب هو حوار هادئ، مع تغليب الجانب التقني على الحسابات الضيّقة.

من جهته، رأى رئيس "الكتلة الوطنية"، حاتم المليكي، أن الدعوات لحوار وطني تبين أن الأزمة التي تعيشها تونس كبيرة، معتبراً أن الظروف الحالية تختلف عن الظروف التي أقيم فيها الحوار الوطني الأول في العام 2013. ولفت المليكي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن الأزمة أصبحت أكثر تعقيداً، لذا لا بد من حلول مستعجلة، مشدداً على أن الجهة التي يجب أن تشرف على الحوار، يجب أن تحظى بثقة جميع الأطراف، وتكون محايدة. وأشار رئيس "الكتلة الوطنية"، إلى أن الدعوة إلى حوار وطني، ولئن كانت مطلباً قديماً متجدداً، إلا أن المهم هو الطريقة التي يجب أن يُدار بها الحوار، والأولويات التي ستتم مناقشتها.
ولاحظ المليكي وجود خيارات عدة، فإما عقد حوار ذي طابع سياسي، يناقش الاستقرار على مستوى البرلمان والحياة السياسية، أو حوار اقتصادي واجتماعي يبحث الإصلاحات الضرورية على المديين القصير والطويل. ورأى أن أي حوار يجب أن يركز على الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، ما قد يمنح إشارة إيجابية، حتى على المستوى الدولي، خصوصاً أن تونس في حاجة إلى هذا الدعم. وبرأيه، فإنه من الأفضل أن تشرف رئاسة الجمهورية على قيادة الحوار، وأن يكون بمشاركة المنظمات والأحزاب السياسية والمصرف المركزي. أما بالنسبة إلى الحوار حول النظام السياسي، وهو برأي المليكي الأكثر تعقيداً، فيمكن تأجيله على أن يكون في مرحلة لاحقة، حيث يتم التطرق لطبيعة النظام السياسي.
وأكد المليكي أخيراً، أن المخاوف موجودة من أن يتحول الحوار إلى صراع سياسي، لأن كل الأطراف متورطة في التجاذبات السياسية ومسؤولة عن الأوضاع التي تمر بها البلاد، لكن من الناحية المؤسساتية، تبقى رئاسة الجمهورية هي الأنسب، برأيه، خصوصاً لما يحظى به الرئيس من ثقة شعبية واسعة. وأعاد رئيس "الكتلة الوطنية"، التذكير بأن الأولويات التي ستتم مناقشتها، هي المحددة لنجاح الحوار من عدمه، إذ لا يمكن مناقشة كل الملفات، ورمي المسؤوليات على هذا الطرف أو ذاك، لأن الوقت غير ملائم لذلك.

تقارير عربية
التحديثات الحية