تونس: أنصار الثورة المضادة مع ترامب

تونس: أنصار الثورة المضادة مع ترامب

02 نوفمبر 2020
يميل حماة الثورة لتأييد الحزب الديمقراطي (الشاذلي بن إبراهيم/Getty)
+ الخط -

يراقب التونسيون باهتمام كبير مجريات الانتخابات الرئاسية الأميركية، وذلك لمدى تأثير نتائجها على المنطقة العربية، وعلى مستقبل العلاقات بين واشنطن وتونس، مع آمال لدى بعض الأطراف السياسية بفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، أخذاً بالاعتبار أن تاريخ العلاقات بين البلدين يكشف تعاوناً واستقراراً أكبر مع الإدارات الأميركية الديمقراطية. ووصلت العلاقات بين تونس والولايات المتحدة إلى أوجّها بعد الثورة التونسية، خلال ولاية الرئيس الديمقراطي باراك أوباما. وتحوّلت علاقة البلدين من صداقة إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، كما وصفها الأميركيون خلال ولاية الرئيس السابق، واعتبرت واشنطن أن تونس "ولجت المجتمع الدولي الديمقراطي بنجاح مسار الثورة التونسية، وشروعها في وضع إصلاحات هيكلية تعزز الديمقراطية والحريات". وعمد أوباما، خلال عهده، إلى مضاعفة حجم المساعدات المالية لتونس، مقترحاً موازنة بـ134 مليون دولار في عام 2015، على الرغم من معارضة الجمهوريين في مجلس الشيوخ. ومنح أوباما إثر استقباله في البيت الأبيض الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي في شهر مايو/أيار 2015، تونس صفة الشريك الرئيسي خارج حلف شمال الأطلسي، كما رفع من حجم المساعدات العسكرية لهذا البلد، في سياق برنامج مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف.

دعم الحكومات المستبدة طغى على سياسة ترامب الخارجية

في المقابل، ومنذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 2016، سعت إدارته إلى خفض قيمة المساعدات الموجهة إلى تونس، وطلب في عام 2020 تخصيص موازنة بـ86.4 مليون دولار فقط، غير أن الكونغرس رفع من حجم موازنة المساعدات إلى 241.4 مليون دولار. وواصلت إدارة ترامب المطالبة بخفض المساعدات الموجهة لتونس، مقترحة 83.9 مليون دولار في موازنة 2021، غير أنه يتوقع أن يعارض الكونغرس مجدداً هذا المقترح، ويتجه لرفع قيمته، في إطار مواصلة دعم البرامج العسكرية المشتركة المعلن عنها.

ويعتبر وزير الخارجية التونسي الأسبق رفيق عبد السلام، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الديمقراطيين أكثر حماساً ودعماً، وأكثر إيجابية في التعامل مع الديمقراطية التونسية، باعتبارها التجربة الوحيدة المتبقية في المنطقة، بعدما انكسرت موجة الربيع العربي، فيما بقيت تونس صامدة أمام محاولات عودة الاستبداد والحكم الشمولي في المنطقة". ويؤكد عبد السلام أنه في "حال بقاء ترامب في البيت الأبيض، فإن ذلك يعني استمرار الخط السياسي الأميركي نفسه، أي أننا لن نرى تغييراً في أسس السياسات الأميركية وتوجهاتها الخارجية، بما في ذلك تجاه منطقتنا (منطقة المتوسط وشمال أفريقيا)". أما في حال عودة الديمقراطيين، فإن الوضع بحسب رأيه سيختلف، حيث "سنشهد بالتأكيد تعديلاً في السياسة الخارجية باتجاه إعادة الاعتبار للتوجهات الديمقراطية في المنطقة التي تراجعت كثيراً بصعود ترامب".

ويلفت عبد السلام إلى أن "ما يسمى بالواقعية السياسية، والتي تعني في حقيقة الأمر الحفاظ على أوضاع الجمود السياسي في المنطقة ودعم الحكومات المستبدة، أصبحت تمثل الصيت الغالب على السياسة الخارجية الأميركية لترامب"، مرجحاً أن "تعود هذه السياسة في حال صعود الديمقراطيين إلى مرحلة أوباما، وذلك لمراهنتهم أكثر على مقدرات القوة الناعمة الأميركية وعدم الإسراف في القوة العسكرية". ويضيف الوزير الأسبق أن "توجهات السياسة الخارجية الأميركية مع عودة الديمقراطيين، ستميل أكثر باتجاه الشرق الأقصى، بالنظر إلى التحدي العسكري والاقتصادي والاستراتيجي الذي تمثله الصين، على أن نشهد عودة لدعم التوجهات الديمقراطية في المنطقة".
وحول المخطط الأميركي لتصفية القضية الفلسطينية والمعروف بـ"صفقة القرن"، وتوسع حملة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، يرجح عبد السلام أن "تثبّت الإدارة الأميركية المقبلة بصعود الديمقراطيين ما تم انتزاعه إلى حد الآن في السياسة التطبيعية، لكنها لن تتجه لفرض ضغوط على الأنظمة العربية كما فعل ترامب، بحكم أن سياسة بايدن ستكون أكثر توازناً واستقلالية في الملف الفلسطيني".

من جهته، يعتبر وزير الخارجية الأسبق أحمد ونيس، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "رحيل ترامب أفضل لتونس وللمنطقة العربية وللعالم". وفي هذا الإطار، يوضح أن بلاده "تنتظر سقوط إدارة ترامب، والعدوى الخطيرة التي سعى إلى تمريرها في المشرق العربي"، مشدداً على أن ذلك "أمر مهم جداً لأننا سنفوز بسلامة نظام عالمي يعتمد المبادئ القانونية والقيم الكونية". وبرأيه، فإن ترامب "خطير على العالم وعلى الدول المسالمة، وعلى أخلاقيات السياسة عموماً والحضارة".

وصلت العلاقات بين تونس والولايات المتحدة إلى أوجّها بعد الثورة التونسية، خلال ولاية الرئيس الديمقراطي باراك أوباما

وحول "صفقة القرن" وانسياق عدد من الأنظمة العربية نحو التطبيع مع إسرائيل، يرى ونيس أن "التأثير على الحكومات العربية التي تعاني من انهيار استراتيجي يأتي رأساً من إسرائيل وظرفياً من إدارة ترامب"، مشيراً إلى أن ذلك "نتيجة الائتلاف بين إدارة اليمين المتطرف في إسرائيل مع اليمين المتطرف في البيت الأبيض، وهو أمر ظرفي لن يتواصل في حال سقوط ترامب". ويعتبر أن "الإدارة بقيادة بايدن لن تتمكن من تفكيك الخطوات التي سجلها هذا اليمين المتطرف، لكن هذه الخطوات ستتوقف، لأن إسرائيل بمفردها لن تنجح في التأثير العميق على الأنظمة العربية، حتى لو كانت هذه الأنظمة في حالة تدهور"، متوقعاً "زوال التطبيع بزوال إدارة ترامب".

وينقسم السياسيون في تونس بين من يدعم بقاء ترامب، ومن يتطلع لعودة الديمقراطيين. ويلفت المحلل عبد المنعم المؤدب، إلى أنه "منذ الثورة، انقسم المشهد السياسي التونسي إلى شقين، أحدهما مساند للديمقراطيين وآخر للجمهوريين، ومرد ذلك إلى الاختلاف بين المناصرين للثورة وحماة الانتقال الديمقراطي الذين وجدوا مساندة في الإدارة الأميركية الديمقراطية، وبين مناهضيها من دعاة النظام السابق. ويوضح المؤدب في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأحزاب الثورية، على غرار حركة "النهضة"، استبشرت خيراً بأوباما، باعتبار أن الديمقراطيين مولعون بتجربة تونس الديمقراطية، وعملوا لإنجاحها، فيما يرى الحزب "الدستوري الحر" أن الإدارة الديمقراطية ساندت الإسلام السياسي والثورات العربية التي لا تؤمن هي بها". ويفضل هؤلاء الرئيس الجمهوري الذي يدعم عدداً من الأنظمة الاستبدادية العربية، ويساند أي كيان استبدادي، مقابل المصالح المباشرة لسياسته الخارجية. ويعتبر المؤدب أن تأثيرات صعود أحد المرشحين الجمهوري أو الديمقراطي، سيكون له وقع على الملف الليبي أيضاً، إما باتجاه تعميق الأزمة، أو دعم الشرعية الدولية.