تونس: هل تصمد الجبهة البرلمانية الجديدة أمام شراسة المعارضة؟

تونس: هل تصمد الجبهة البرلمانية الجديدة أمام شراسة المعارضة؟

25 أكتوبر 2020
كسب سعيّد جولة جديدة ضد "النهضة" (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

اصطدمت الجبهة البرلمانية الجديدة في تونس، المكونة من كتل "النهضة" و"قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة"، باختبارين كبيرين، أضرَّا بانسجام مواقف مكونات التحالف وتناسقه، بسبب شراسة المعارضة من جهة، ومُراكمة الأخطاء التنظيمية والاختيارات السياسية من جهة أخرى.
وفشلت التوليفة البرلمانية المساندة لحكومة هشام المشيشي في امتحانين في أقل من شهر، الأمر الذي مسّ من صورة هذا التحالف، وتماسكه في مناسبتين مع بداية الدورة الجديدة. ويتمثل الأول في مشروع قانون زجر الاعتداء على الأمنيين، المرفوض من قبل المنظمات الحقوقية والنقابية، والثاني بتمسكه بتمرير مقترح قانون تتقيح المرسوم 116 الخاص بتنظيم القطاع السمعي البصري.

أهدى التحالف خصومه وسائل وآليات كسره وضربه من الداخل والخارج

ورأى المحلل السياسي عبد المنعم المؤدب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن التحالف البرلماني الجديد هش، وغير قادر على الصمود أمام رياح المعارضة القوية، والتي تجاوزت أسوار البرلمان. وأشار إلى أن هذه الجبهة فشلت منذ ولادتها في توسيع قاعدة مؤيديها داخل البرلمان وعلى مستوى الرأي العام، في حين نجحت في تأليب المعارضة ضدها، وفي خلق فضاء ووعاء حقوقي جمعت داخله كل خصومها ومنافسيها، على الرغم من اختلافاتهم العميقة، بل أهدى هذا التحالف خصومه وسائل وآليات كسره وضربه من الداخل والخارج.
وشدد على أن الارتجال السياسي، وعدم التنسيق وغياب الانسجام، كان واضحاً من خلال تكرار الأخطاء، وتجسد في سوء اختيار ساحات المعارك السياسية وتوقيتها واللاعبين، ليجد التحالف الجديد نفسه وحيداً في مهب الريح أمام الخصوم. وأضاف أن هذه الجبهة البرلمانية قدّمت هدايا مجانية لـ"الكتلة الديمقراطية" ولـ"الدستوري الحر" و"تحيا تونس"، على الرغم من اختلافهم. كما جمعت ضدها غالبية المنظمات الوطنية والحقوقية، كما كشفت عن نقاط ضعفها أمام رئيس الجمهورية المناهض لمواقفها.

واعتبر المحلل السياسي أن الرئيس التونسي قيس سعيّد كسب جولة جديدة ضد حركة "النهضة" وبقية مكونات التحالف الذين يخالفونه المواقف ويعارضونه بشدة، وبرز في مظهر المدافع عن الحريات، وحامياً للدستور أمام منتهكيه، عند لقائه الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي، يوم عرض مقترح تنقيح مرسوم الإعلام.
وشنّت "الكتلة الديمقراطية" هجوماً غير مسبوق منذ خروجها من الحكومة وإعلان التحاقها رسمياً بالمعارضة البرلمانية. ونجح "التيار الديمقراطي" وحركة "الشعب" في تسليط جميع آليات المعارضة ضد التحالف البرلماني الجديد، من خلال البيانات والعرائض والمداخلات والتصريحات، بلغت حد إرسال أمر تنفيذ إلى مكتب رئيس البرلمان لمعاينة بطلان جلسة إقرار التدابير الاستثنائية لعمل البرلمان خلال فترة كورونا، ورفع قضية إدارية لوقفها من خلال اتهام رئاسة البرلمان بالتزوير والتحايل.

وأكد وزير التربية السابق والقيادي في حزب "التيار الديمقراطي" محمد الحامدي، خلال ندوة صحافية، أن التيار أصبحت له القدرة اليوم على ممارسة المعارضة المسؤولة والموضوعية. وانتقد الحامدي الجبهة البرلمانية الجديدة، وإسقاطها لحكومة إلياس الفخفاخ، مؤكداً أن "مشكلتهم اليوم مع الحزام السياسي الذي يسند الحكومة الحالية، ومن ثم يعارضها، وهو ثلاثي الترويكا، النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة". وختم الحامدي بالقول "أحيي موقف الرئيس قيس سعيّد من إعلان التعديل في المرسوم 116، والانحراف بالإعلام إلى منطق الفوضى... إن الرئيس يمثل اليوم جميع التونسيين، وننوي التنسيق مع الرئاسة للتصدي لكل محاولات الترويكا الجديدة للعبث بالدستور والقيم الديمقراطية".

الزغلامي: مجلس النواب قد يشهد تحولات في الفترة المقبلة

من جهتها، قالت القيادية والنائبة عن "النهضة" يمينة الزغلامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن مجلس النواب قد يشهد تحولات في الفترة المقبلة، "ولا نستطيع الجزم بأن هناك أغلبية ثابتة، أو معارضة ثابتة، ما دام البرلمان يعيش تشرذماً بسبب القانون الانتخابي". وبينت أنه "كان هناك تنسيق وتحالف برلماني مع قلب تونس وائتلاف الكرامة في العديد من المحطات الهامة والقوانين، وفي مسألة سحب الثقة والمساءلة منذ حكومة الفخفاخ التي تساندها النهضة مع التيار الديمقراطي وحركة الشعب".
وحول طرح قوانين مثيرة للجدل في بداية الدورة، قالت الزغلامي إنه "يتوجب اليوم أن تكون أجندة البرلمان متناسقة مع تطلعات الشعب. ويهم الشعب أن تتحول الثورة إلى ثروة، حتى نقطع الطريق على الثورة المضادة". وأشارت إلى أن "عدداً من القوانين، التي طرحت للنقاش، كقانون زجر الاعتداءات على الأمنيين ومقترح تنقيح المرسوم 116 الخاص بالقطاع السمعي البصري، غير مناسبة، خصوصاً مع بداية الدورة". وشددت على أن أولويات المجلس هي إرساء المحكمة الدستورية وبقية الهيئات الدستورية. وتابعت "بوصلة النهضة، الذي اتخذته المؤسسات، تتمثل في التهدئة والاستقرار، وبرمجة هذه القوانين في هذا التوقيت من بين الأخطاء المرتكبة". وأشارت إلى أن "النهضة" قد تخطئ أحياناً وليست كل أعمالها مثالية، وهي كبقية الأحزاب في هذا الوضع السياسي قد يصيبها عدم الاستقرار، وباعتبارها حزباً مسؤولاً وأكبر كتلة فهي مطالبة بأن تكون أكثر وعياً.
وأضافت الزغلامي أن موقفها متعارض مع موقف مؤسسات الحركة بشأن المرسوم 116 الخاص بالإعلام، وقد عبّرت عنه بديمقراطية، لكنها ملتزمة بالانضباط لهياكل حزبها. ولفتت إلى أن "طرح هذه الأجندة تزامن مع تجديد الكتل لمكاتبها وتغيير الهياكل بالبرلمان، وهو ما أحدث إرباكاً". وحول ضعف التنسيق بين مكونات الجبهة الجديدة، أكدت القيادية في "النهضة" ضرورة أن يكون هناك حوار هادئ بين كتل التحالف البرلماني، حتى لا يفاجأ بعض مكوناته بالمبادرات أو اللوائح التي لا تتناسب مع الوضع العام، مؤكدة أن "النهضة ستناقش مع حلفائها، على أرضية هادئة ومن دون تشنج، هذه المسائل". ودعت إلى "بعث تنسيقية للحوار المشترك بين كتل التحالف البرلماني لتكون فضاء لاتخاذ القرارات، وإصدار المواقف المشتركة". وطالبت "مكتب المجلس ورئاسته بتحمل المسؤولية في ما يبرمج ويحال على الجلسة العامة، خصوصاً ما يتماشى مع انتظارات الشعب". وأشارت إلى أن للمكتب دوراً أساسيا لدعوة اللجان إلى مزيد من الحوار والنقاش في عديد القوانين.

وحول تقييمها للمعارضة، استغربت الزغلامي تحوّل حليفهم بالأمس بسرعة إلى المعارضة، قائلة "من كان أغلبية في الحكومة تحول إلى معارضة في أشهر قليلة، خصوصا التيار الديمقراطي وحركة الشعب"، مشيرة إلى أن هذه الظواهر تحتاج إلى دراسة. واعتبرت أن "المعارضة في تونس ما زالت بعيدة عن المعارضة البناءة"، مستنكرة "الاتهامات بالتزوير والتحايل والشتائم التي طاولت رئاسة البرلمان في الجلسة العامة الأخيرة، في وقت توجد عديد الوسائل والآليات للمعارضة، كالتوجه للقضاء والمحكمة الإدارية".