فضيحة سلوان الكارثية

فضيحة سلوان الكارثية

26 أكتوبر 2014

مشهد عام لسلوان والمسجد الأقصى وقبة الصخرة (21أكتوبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

ما حدث في سلوان، من تسريب بيوت وعقارات، وعمارات سكنية، وبيعها للمستوطنين اليهود، فضيحة بكل ما للكلمة من معنى، وهو جريمة كبيرة، وكارثة حقيقية، وليس زلزالاً فحسب، كما وصفه بعضهم. وهو أمر في منتهى الخطورة، يتطلّب تحركاً جماهيرياً ورسمياً لوقفه، ومعاقبة المتورّطين عقاباً عسيراً. وحسناً فعل الرئيس، محمود عباس، حين أصدر قراراً بقانون، بحيث يتم فرض عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة، على كل من قام بتسريب أو تأجير أو بيع الأراضي لدولة معادية أو أحد رعاياها، وإن كانت الجماهير تطالب بإعدامهم.

بدايةً، الشكر والتقدير لكل الشرفاء في سلوان، الذين هالهم الأمر، وهبّوا غاضبين مستنكرين، وكذلك للعائلات، التي تبرأت من أفرادها، الذين خانوا وباعوا شرفهم وعرضهم قبل مقدساتهم. وحين نقول سلوان، فمعنى ذلك أن المسجد الأقصى قد أصيب في مقتل، بخاصرته الشرقية والجنوبية، لأن سلوان محاذية للحرم القدسي الشريف وسوره. عمليات البيع، تمت بصمتٍ وخبث، ومعظمها في فترة الحرب، التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة، ولم تذكر مبالغ البيع في جميع العقود التي تم نشرها. باعها أشخاص من سلوان نفسها، ومن عائلاتٍ ذات أصول خليلية، لأناس من عرب الداخل، ادّعوا أنهم من الحركة الإسلامية، لتصل هذه البيوت في النهاية إلى أحضان المستوطنين المتطرفين، حيث تم تسريب هذه الشقق إلى جمعيات ومنظمات صهيوينة متطرفة، أسكنت فيها مستوطنين، وقامت بتأمين حراستهم، وأغرت كلّ واحد فيهم بمبلغ خمسمائة شيقل عن كل يوم يقيم فيه في سلوان. وتم البيع، كما يقول المحامي محمد دحلة، "من دون خشية أو وجل، ومن دون وازع وطني، ولا ديني ولا أخلاقي". مركز "معلومات وادي حلوة" في القدس، أعلن بوضوح أن "المتهمين في تسريب المنازل بعضهم من الداخل ومن بيت لحم والقدس، بالإضافة إلى سيدة تنكّرت بشخصية طالبة، وشخصيات معروفة بنشاطها في تقديم المساعدات للمقدسيين، وكانوا يبحثون عن أراض، وجميعهم اختفوا، الآن، وعدد المتورطين وصل إلى عشرة أشخاص، وغالبية أصحاب المنازل باع من دون علم بأنها ستسرب".

يا للعيب والعار، فقد تم بيع عمارتين تضمان عشر شقق سكنية، وقبل ذلك، 26 منزلاً، وهذا يعني أن سلوان قد سقطت في أيدي الصهاينة، في ظل صمت مريب، يستدعي تحركاً رسمياً وشعبياً يطيح برؤوس جميع المتورطين، أيّاً كان مكان وجودهم، فليس من المعقول أن ننجح في فترة الثورة والانتفاضة، وأن نفشل في مرحلة السلطة والدولة. فرحم الله أياماً كان فيها السماسرة والجواسيس يعدّون للمليون قبل أن يفكّروا باقتراف مثل هذه الخيانة العظمى، وكانت يد العدالة تطالهم، طال الزمان أم قصر.

ضربة سلوان القاضية جاءت في أعقاب كشفٍ عن مخطط صهيوني، يستهدف طرد البدو المقيمين في بادية القدس، وفي ظل هجمة شرسةٍ، يشنها قطعان المستوطنين المتطرفين على المسجد الأقصى، بهدف تقسيمه، وقد تجرّأوا بالإعلان عن ذلك رسمياً، حيث سيتم طرح مشروع قانونٍ جديد في الكنيست الإسرائيلي للتصويت عليه في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، يُتيح تقاسم المسجد الأقصى المبارك، زمنياً ومكانياً، بين اليهود والمسلمين.

وحين نعلم أن هذه المنازل كانت معروضة للبيع من أصحابها، شفوياً ورسمياً، ولم تبادر أية مؤسسة رسمية من مؤسسات السلطة، ولا الأوقاف الإسلامية أو رجال الأعمال إلى شرائها للمحافظة عليها، خوفاً من سقوطها المهين هذا، فإن الأمر يحزّ في النفس، ويصاب المرء بالحزن والأسى، ساعة لا ينفع الندم والأسف، ولا البكاء أيضاً، ورحم الله عائشة الحرة، أم أبي عبد الله الصغير، آخر ملوك الأندلس المسلمين، حين قالت لابنها، وقد رأته يبكي وهو يغادر مدينة غرناطة:

ابكِ مثلَ النساءِ مُلكاً مُضاعاً        لمْ تحافظْ عليه مثلَ الرجالِ