وقاحة القتل وفداحة الجريمة

وقاحة القتل وفداحة الجريمة

13 مايو 2015
+ الخط -
لم تكنْ مُستغربةً شهادات جنود وضباط من جيش الاحتلال الإسرائيلي، أقرّوا فيها، صراحةً، بأنّهم مارسوا، خلال الحرب في الصيف الماضي على قطاع غزة، ووفقاً لأوامر من قادتهم، عمليات قتل بدم بارد، طالت المدنيين الأبرياء، فضلاً عن ارتكابهم جرائم سرقة، وقيامهم بعمليات تخريب مقصود، في البيوت التي داهموها، أو سيطروا عليها واستخدموها ثكنات عسكرية.

ضابط كتيبة مشاة اعترف، بوقاحة، بقتل أمّ وطفليها بنيران مدفعية رشاشة، عمداً وبشكل مباشر، فمزّقتهم القذيفة المدفعية أشلاء، ولم يرفّ له جفن، ويقول إنه لا يعتقد أن شعوراً سيئاً خالجه في تلك اللحظة، لأن مسؤوليه أقنعوه بأن ما قام به هو حسب تعليماتٍ أُعطيت له، ولأن حياة الفلسطينيين أقلّ شأناً بكثير من حياة جنود الجيش الإسرائيلي.

ويعترف ضابط سرية آخر بأنه قتل امرأةً مُسنّةً، لمجرد أنه شاهدها تتحرك في أحد الأحياء، فالعربي مستهدف في جميع الحالات، وموته لا يعني شيئاً، بل وُجد ليُقتل، فقد تعلّموا في أدبيات تدريبهم العسكري أن العربي الجيّد هو العربي الميّت. ويقرّ ضابط آخر، وُجّهت له التعليمات بالدخول إلى أحد المنازل بمركبة مُصفّحة، بحيث تتقدّم وتكسر الباب في الطابق السفلي، ويتم إطلاق النار في الداخل من كل جانب، ومن ثمّ الصعود طابقاً بعد طابق. وأن يتم إطلاق النار على كل من يوجد في البيت، من الأطفال والنساء والشيوخ، من دون استثناء، ومن دون شرط أن يشكّلوا خطراً عليهم. يقول: في البداية، تساءلت هل هذا منطقي؟ فقال مسؤولون في سلّم القيادة العلوي إن ذلك مسموح، لأن من بقي داخل مدينة غزة مُدان ومُخرّب، ويستحق الإبادة لأنه لم يهرب.

ولم يُخفِ جنود الاحتلال ارتكابهم أعمال تخريب نُفّذت في منازل تم احتلالها واستخدامها لراحة الجنود أو للمراقبة، وتشويههم الجدران بكتابة شتائم بذيئة ضد العرب عليها. فقد اعترفوا بأنهم أطلقوا النار على البشر والحيوانات والدجاج، بهدف القتل والتسلية، أحدهم يقول إن فتاة اقتربت من مكان وجودي، حيث كنت مختبئاً وأطلقت النار عليها وقتلتها. ويضيف: أطلقنا النار صوب مجموعة من المدنيين، وهم بدون سلاح، وأطلقنا صاروخاً موجّهاً صوب منزل سكني من باب الفضول والتعرف على قوة التدمير، كما تحدثوا عن سرقة أموال العرب وممتلكاتهم ومدّخراتهم ومصاغ نسائهم الذهبي.

وتشكل هذه الجرائم البشعة دليلاً قاطعاً على أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب في غزة، علينا فلسطينياً أن نركّز عليها، فهي اعترافات صريحة من قبيل "من فمك أدينك"، وينبغي الإفادة منها وتقديمها أدّلة لدى المحكمة الجنائية الدولية التي تنظر، حالياً، في جرائم الاحتلال المرتكبة على الأراضي الفلسطينية.

ويبدو أن عقدة الذنب تملكّت بعض جنود جيش الاحتلال وضباطه أمام هول ما اقترفته أياديهم، حتى اعترفوا بها، فباتت دماء الأطفال والنساء والشيوخ كوابيس تطارد صحوهم ومنامهم، لا سيما أنهم لم يتمكّنوا من تحقيق نصرٍ، كانوا يتوهّمونه، على المقاومين، فقد عبّر جنود وضباط احتياط انسحبوا من قطاع غزة عن شعورهم بأنهم لم يحقّقوا الأهداف، وقالوا "إن شعوراً بالإخفاق يتملّكُهم"، وإنهم يشعرون بخيبة أمل، لأن صمود قطاع غزة وبسالة أبنائه مرّغت أنوفهم بالطين، على عكس ما كانوا يتوقّعون، أو على عكس ما كان قادتهم يوهمونهم به.

المستغرب أمام هذه الاعترافات الخطيرة، هو الصمت الفلسطيني الرسمي والشعبي، فلو أن الأمر حدث مع الجانب الإسرائيلي، لأقام الدنيا ولم يقعدها، ولظلّت منابره الإعلامية، وكتّابه وصحافيّوه، وقادته السياسيون والعسكريون، يُعيدون ويزيدون، ويُكرّرون ذلك في سياق حملة كبيرة، من شأنها أن تؤجج الموقف، وتكسب مناصرين ومؤيدين دولياً، إلا أننا الفلسطينيين، على المستويين الرسمي والشعبي، نمرّ على هذا الشأن الخطير من دون أن نستثمره، لينطبق علينا القول إننا محامون فاشلون لأعدل وأنبل قضية على وجه الأرض، وبذلك، لا يتمكّن هؤلاء المحامون من الدفاع عن قضيتهم كما يجب، فتصبح النتيجة حتمية، تشير إلى فشلنا الذريع والمدمر. فمتى نصحو ونتعلّم من أخطائنا، ونتوقّف عن تكرارها؟