الفلسطينيون بين إسرائيل وكورونا

الفلسطينيون بين إسرائيل وكورونا

01 ابريل 2020
+ الخط -
قال الناطق باسم الحكومة الفلسطينية، إبراهيم ملحم، الخميس الفائت، 26 الشهر الماضي (مارس/ آذار): "إنّنا دخلنا مرحلةً تلامِس مُربَّع الخطر". وأضاف: "كنَّا نعدُّ إصاباتنا، منذ بداية دخول الوباء بالآحاد، اليوم اختلفت الحسبة، بين ليلة ويوم 16 إصابة، وهذا دليل ونذير خطر، ولا نريد عدَّ الإصابات بالعشرات". وحتى كتابة هذه السطور، بلغ عدد الإصابات في أراضي السلطة الفلسطينية 109، بالإضافة إلى 12 في القدس. ولعل هذا الارتفاع غير الهيِّن هو ممّا دفع رئيس الوزراء، محمد اشتية، إلى التحذير مما هو مقبل، مع إظهاره مساعي الحكومة وتدابيرها الطبية للتعامُل مع هذه الحالة، فدعا إلى التقشُّف، ونصَح بالاستعداد للأصعب؛ ماليًّا وصحِّيّاً، وأن يتهيّأ الفلسطينيون للاعتماد على أنفسهم.
إذا كانت دول العالم في محنة، فإنَّ الفلسطينيين في محنتين؛ قديمة، وهي الاحتلال الذي لا يتوقّف عن ممارسة احتلاله وعدوانه، حتى في هذه الظروف الصعبة، بل إنه يستغلُّها لتوسيع الاستيطان وتعميقه، حيث تعمل وزارة جيش الاحتلال على تنفيذ مخطَّط استيطاني، يستهدف توسيع مستوطنة أفرات المُقامة على أراضي بيت لحم الغربية والجنوبية. وبحسب تقرير المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، تبلغ مساحة المخطط 569 دونمًا من أراضي محافظة بيت لحم. وعلى مستوىً أعمق، وبعد أن حقّق زعيم حزب "مناعة لإسرائيل"، بيني غانتس، تفاهماتٍ وتقدُّماً كبيراً في الطريق إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية مع زعيم حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، أصبح الطريق ممهَّداً لضمّ الأغوار، وفرض القانون الإسرائيلي على المستوطنات في الضفة الغربية؛ ما يعني الإجهاز على حلم الدولة الفلسطينية. وأما المحنة المستجدّة، فيتشارك فيها الفلسطينيون مع العالم، وهي وباء كورونا الذي تواجهه دولٌ ذات إمكانات مالية عالية، وذات قدرات صحية ممتازة بمقادير واضحة من القصور، المقلق، إنسانيّاً، واقتصاديّاً.
وتأتي خصوصية الفلسطينيين من أنهم لم يتحرَّروا من الاحتلال، وتالياً، لم يتمكنُّوا من بناء دولةٍ 
بمؤسساتٍ قادرة على الاستقلال عنه، صحيّاً، وماليّاً، وغير ذلك، بل إن تعالُقهم مع الاحتلال، وتداخُل شؤونهم مع شؤونه، يزيدان الأمور ليس تعقيداً فقط، ولكن خطورةً أيضاً، فالمعابر بيد الاحتلال، يفتحها أو يُغلقها، وَفْق أولويَّاته، ومآربه. وجنود الاحتلال يتوغّلون في المدن الفلسطينية، وحتى مستوطنوه، ولعل مدينة الخليل هي الأكثر معاناة من ذلك. وفوق ذلك، لا تُعفى دولة الاحتلال، وَفْق القانون الدولي، من مسؤوليتها؛ بوصفها قوة احتلال. وفي هذا السياق، وجّهت وزارة الخارجية الفلسطينية رسالة مناشدة إلى رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي؛ لوضعه في صورة الأخطار الجدّية التي تحدق بالأسرى الفلسطينيين، في سجون الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً في ظل جائحة فيروس كورونا، وما يتعرّض له الأسرى من الإهمال الطبي، والتجاهل المتعمَّد لأحوالهم الصحية.
وكانت أزمة العُمَّال الفلسطينيين من الضفة الغربية، في الأيام الأخيرة، شاغلةَ الناس، بعد أن توجَّه إلى الداخل، في أراضي الـ 48 قرابة 35 ألف عامل، كما كشف اشتية، وكان المفترض، تحت ضغط الحاجة الملحّة للعمل، أن يقيموا هناك شهراً أو شهرين، قبل أن يَرجعوا إلى مناطق السلطة الفلسطينية، بعد خضوعهم للفحص، أو الحَجر الصحّي، إلا أن هذا الترتيب أصابه الإرباك، بعد أن تتالى تعامُل إسرائيل المستفزّ والعنصري مع عمّال منهم؛ لمجرّد اشتباهها بإصابتهم بفيروس كورونا، كما حدث مع الشاب مالك غانم الذي ألقاه جنود الاحتلال عند حاجز بيت سيرا، قرب مدينة رام الله، هذا التعامل غير الإنساني، مع تفاقم الوباء وتشديد القيود في إسرائيل، اضطر أكثرية العمّال إلى العودة إلى المناطق الفلسطينية، بعد أن خالطوا إسرائيليين، قد يكونون مصابين أو حاملين الفيروس.
ومع ارتفاع أعداد الإصابات في إسرائيل، تتزايد المخاوف من أن يُفضي هذا التداخُل الفلسطيني مع إسرائيل إلى زيادة الحالات المصابة في الضفة الغربية، فوفق أحدث ما صدر عن وزارة 
الصحَّة الإسرائيلية ارتفع عدد المصابين إلى 4347، من بينهم 80 حالتهم خطيرة. وبلغ عدد الوفيات 15. والحالة مرشّحة للأصعب، ويُخشى من حدوث الثغرات في المدن الفلسطينية المحاذية للخط الأخضر، كما حدث في مدينة قلقيلية، من فتح الاحتلال البوَّابات الحديدية المؤدِّية إلى أراضي الـ48؛ الأمر الذي علّق عليه اشتية بأنّ "إسرائيل تريد لعجلة اقتصادها أن تدور، على حساب صحّة أبناء شعبنا". وهكذا يصبح الهاجس الأول، فلسطينيّاً، في هذه المرحلة من المرض، هو السيطرة على الثغرات والمعابر؛ أنْ لا يتسرَّب منها أحد من دون فحص، أو حجْر. ذلك أن جُلّ الخطط والعمل مسلَّط، فلسطينياً، على النوع الوقائي، لتبقى المستشفيات المحدودة الإمكانات قادرةً على التعاطي مع الحالات المأمول أن تبقى تحت السيطرة، ولذلك فرضت الحكومة الفلسطينية قيوداً على الحركة من المدن والتجمُّعات الفلسطينية وإليها، كما فرضت قيوداً على الحركة داخل المدن والتجمُّعات، إلا للضرورة.
ويواجه غالبية الفلسطينيين هذه الحالة بوعيٍ ملحوظ، بالتزامٍ كبير بالبقاء في البيوت، مع تطميناتٍ حكوميةٍ بتوفُّر المواد الغذائية والحاجات الضرورية، في الأسواق، لكن السؤال يبقى عن قدرة الفلسطينيين، لا سيما ذوي الدخل المحدود، أو اليومي، على التعايُش مع هذه الأوضاع، وإلى متى؟ علماً أنَّنا لا نعدم حالات التضامن التي تكرّست في الفلسطينيين، وخبروها، على مرّ السنين التي عاشوها تحت الاحتلال، وعانوا فيها الحصار والتنكيل الجماعي.
وهكذا يُلقي الاحتلال بظلاله الثقيلة، وآثاره الخطيرة، على الفلسطينيين، في حالات العافية والمرض، فهو يستمرُّ في قضم أراضيهم، وتقويض اقتصادهم، وسلب مواردهم، والتحكُّم في مصيرهم، حتى في أوقاتٍ غير عادية، عالميّاً، تستمرُّ سطوته، وقيوده، وهو يُقحِم نفسه في حياة الفلسطينيين، بشكل مباشر، أو غير مباشر.

دلالات