في الجفاء المصري للسلطة الفلسطينية

في الجفاء المصري للسلطة الفلسطينية

08 اغسطس 2018
+ الخط -
كشف ياسر عثمان، رئيس مكتب مصر السابق لدى السلطة الوطنية الفلسطينية، أنَّ الأخيرة كانت مصدر معلوماته، بشأن مشاركة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الهجوم على السجون المصرية في العام 2011، وقال إنه تمَّ حينها إرسال التقرير إلى الجهات المختصة.
لا يخلو هذا الإعلان، في هذا التوقيت، من دلالات على ما قد تتجه إليه علاقات القاهرة برام الله، علاقات نظام عبد الفتاح السيسي بالسلطة الفلسطينية، ورئيسها محمود عباس، ولا سيما أنه ليس المؤشِّر الأوحد، ولا الأول، على مجافاة مصريةٍ ما تُجاه السلطة، إذا يحضر إلى السياق القيادي الفتحاوي المفصول، محمد دحلان، الذي تبنَّته القاهرة، على الرغم من العداء الحادّ بينه وبين عباس.
وقد تضمَّنت أقوال عثمان ما يمكن أن يُعَدّ إعادة اعتبار لحركة حماس التي سبق أنْ شيطنها نظامُ السيسي، رسميا وإعلاميا، ومن ذلك أن من التُّهَم التي نُسِبت للرئيس المعزول، محمد مرسي، التخابُر مع "حماس" (!). والآن، يقول رئيس مكتب مصر السابق لدى السلطة الفلسطينية إنّ هذه الحركة فصيل سياسي كبير، موجود في المجلس التشريعي الفلسطيني، وشارك في انتخابات هذا المجلس في العام 2006، وفاز فيها؛ ولذا كانت له الأغلبية، داخل المجلس التشريعي، و"حماس" جزء من النظام السياسي في فلسطين، وإن لم تكن، بحسب ياسر عثمان، جزءا من النظام الحاكم.
قد تكون هذه المواقف مقدمة لـ "تطبيع" القاهرة العلاقات مع "حماس"، بإسقاط تلك التهمة، 
قضائيا، عنها، وكأن السبب فيها هو المعلومات الصادرة من مصادر السلطة. والجاري حاليا تطوُّرٌ تمليه اعتباراتٌ سياسية، تنسجم مع طبيعة المرحلة التي يحاول السيسي أن يظهر فيها كأنه لاعبٌ إقليميٌّ إيجابيٌّ في تحقيق التهدئة و(السلام). وذلك تلزمه، بالضرورة، علاقات جيدة مع "حماس"، الحركة الإسلامية التي تهيمن على قطاع غزة، ولا يحدث هذا التحوُّل خارج السياق الدولي، وحتى الأميركي، حيث ثمّة قناعات بأن الوضع المأساويّ في القطاع لا يحتمل أن يستمر هكذا، بالحصار والتردّي البالغ للخدمات الحيوية، كالماء والكهرباء، فضلا عن مشاعر الإحباط والغضب التي تُنذر بما لا يُحمَد عقباه، لدى الجميع، فلا أحد يستفيد من تدهور الأوضاع اللاإنسانية في القطاع، ولا يخدم هذا التدهور الممكن، أو المرجَّح، في حال لم تتحسّن الأحوال، لا يخدم دولة الاحتلال، ولا يساعد على تحقيق أمنها. كما أنَّ مصر يتهدَّد أمنُها القومي، في حال فُقِدت السيطرةُ على قطاع غزة، وتحديدا في سيناء، حيث لحركة حماس دور مهمٌ في الحدِّ من تواصُل نشاط الجماعات التكفيرية بين غزة وسيناء.
وسياسيا، لا نعدم مؤشِّرات على تلزيم قطاع غزة لمصر، حتى لو لم تصل الأمور إلى الفصل التام بين غزة ورام الله، ولكن سيبقى دور السلطة، في حال نجحت المصالحة، وتسلَّمت حكومةُ عباس، صلاحيّتها هناك، سيبقى هذا الدور تحت الرعاية المصرية. وفي حال لم تنجح المصالحة، فإنَّ دور القاهرة سيكون أكبر، وأوضح. فبحسب تقرير قناة حداشوت الإسرائيلية، يوم الجمعة الفائت، تشمل المرحلة الثانية من الصفقة اتفاقا بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية، بحسبه تسيطر الأخيرة على قطاع غزة، تحت إشراف مصر.
ولا يتعارض هذا، إن لم نقل، يصبّ في "صفقة القرن" التي تهدف إلى تفكيك القضية 
الفلسطينية، والحيلولة دون ارتقاء السلطة الفلسطينية إلى مستوى دولةٍ ذات تواصل جغرافي، وذات سيادة. وهو المَسعى الذي يصبّ فيه اعترافُ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالقدس، عاصمةً لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأميركية إليها، كما الموقف الأميركي التَّصفوي من اللاجئين، والموقف الساكت، في أخفّ التوصيفات، عن الاستيطان. كما هو المسعى الذي يهدف إليه "قانونُ القومية" الذي رأى في كلِّ فلسطين أرضًا لإسرائيل، ولم يعترف بحقّ غير اليهود بتقرير مصيرهم.
ولا يغيب البعد الاقتصادي عن دوافع نظام السيسي، وذلك، مثلا، من خلال توريد الغاز إلى القطاع، وكذلك المنتوجات المصرية الأخرى.
وليس من السهل، ولا هذا أوانه، أنْ يتطوَّر هذا الموقف المصري من السلطة الفلسطينية إلى القطيعة، أو الإقصاء، إذ لا تزال السلطة الجهة الرسمية المعترَف بها دوليا، وعربيا، ممثِّلة لفلسطين، وقضيتها. ولكن، ثمّة ابتعاد عنها بقدر الاقتراب من "صفقة القرن"، وبقدر ما تقتضيه هذه الصفقة التصفوية من محاولاتٍ تتلبَّس لَبُوسا اقتصاديا إنسانيا، مع غزة.
وإنه لمن المؤسف، والمقلق، أن لا ترتقي السياسة العربية، والمصرية، في أوِّلها، بحكم دورها، وموقعها، إلى مستوى الخطورة الحقيقي الذي يواجه القضية الفلسطينية، والقبول، أو الاضطرار، إلى التموضع، في الرقعة الأميركية الكبرى، أو التطلُّع إلى مجرَّد مكاسب اقتصادية عابرة، لا تقاس بالخطر الذي يعنيه تمكُّن دولة الاحتلال بمشروعها الذي أضحى أكثر انكشافا، على عنصريته، وانغلاقه، لتنشط، بدلا من ذلك، أو على الرغم منه، العلاقة معها، كما في اتفاقية الغاز (وصَفَها نتنياهو، ووسائل إعلام إسرائيلية بالتاريخية) الذي سيجري بموجبه تصدير ما قيمته 15 مليار دولار من الغاز الطبيعي (الإسرائيلي) إلى مصر، عشر سنوات. وهذه علاقات لا يبدو أنها محدودة، أو أنها تتأثر بالتطوُّرات الخطيرة الحاصلة في طبيعة هذه الدولة الاحتلالية، ولا نظرة إستراتيجية ذات أفق عربي مصري، لا يصبُّ، على الأقل، في تقوية التغلغل الصهيوني، عربيا، ويتجنَّب أن يُضعِف، عمليا، الموقف الفلسطيني.