تونس والإمارات.. أزمة متصاعدة

تونس والإمارات.. أزمة متصاعدة

03 يناير 2018
+ الخط -
شهدت العلاقات التونسية الإماراتية توترًا واضحًا، أخيرًا، على خلفية قرار دولة الإمارات منع النساء التونسيات تحديداً من دخول أراضيها، أو حتى مجرد العبور من مطاراتها للانتقال إلى دول أخرى. وأحدث القرار حالةً من الاستياء لدى مسافرين تونسيين كثيرين، ممن كانوا في مطار تونس قرطاج، قبل أن يعمد موظف شركة الإمارات للطيران إلى منع كل النساء التونسيات، مهما كانت أعمارهن، وسواء كن مع مرافقين لهن، أو مسافرات بشكل فردي، الأمر الذي أدّى إلى طلب رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، مقابلة السفير الإماراتي. وكانت السلطات الإماراتية قد منعت من قبل دخول التونسيين ممن تقل أعمارهم عن 36 سنة إلى أراضيها، من دون تبرير أو تقديم تفسير مقنع لقرارها. وقد جاء الرد التونسي سريعا وواضحا بمنع الطائرات الإماراتية من استخدام المطارات التونسية، ولم يكن القرار الحكومي بمعزل عن حالة السخط العام التي أبداها الرأي العام التونسي إزاء السلوك العدائي الذي يتعمّده النظام الإماراتي، في تعامله مع الشأن التونسي، حيث حفلت مواقع التواصل الاجتماعي بردود مختلفة، تراوح بين السخرية المرّة من النظام الإماراتي ورموزه السياسية والغضب من قرارٍ شكل إهانةً لا يمكن السكوت عليها في نظر الشارع التونسي.
والمعلوم أن النظام الإماراتي قد تصرّف بعداوة شديدة، وبشكل غرائزي وغير مُبَرر، مع التحول السياسي في تونس. ومنذ استقباله زوجة الرئيس المخلوع، زين العابدين بن علي، المطلوبة في قضايا فساد مالي في تونس، والمتهمة بالاستيلاء على أرصدة مالية من الخزينة العامة، فقد كان واضحاً أن النظام الإماراتي يضع نفسه في صورة العدو المعلن للتحول الديمقراطي التونسي.
وكان النظام الإماراتي حليفا لنظام بن علي الاستبدادي، والقاصي والداني يعلم أنه في أوج 
الثورة التونسية، في أواخر شهر ديسمبر/ كانون الأول من سنة 2010، كان المخلوع التونسي وزوجته يقضيان احتفالات رأس السنة الميلادية في دبي. وبعد بداية التحول الديمقراطي، تحركت آلة الدعاية الإماراتية لتشويه الثورة التونسية وشيطنتها، ولتصل العلاقة إلى ذروتها من حيث سوء التفاهم مع استدعاء النظام الإماراتي سفيره في تونس، احتجاجا على الكلمة التي ألقاها الرئيس التونسي السابق، المنصف المرزوقي، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وطالب فيها بالإفراج عن الرئيس المصري المعتقل، محمد مرسي، وعودة المسار الديمقراطي في مصر. وفي أثناء الحملة الانتخابية لسنة 2014، تردّدت أنباء عن دعم إماراتي للقوى المناوئة لحركة النهضة ولحزب الرئيس السابق المرزوقي، غير أن المفاجأة أن حزب نداء تونس، والرئيس الحالي الباجي قائد السبسي، الذي كانت تؤمل الأطراف الإماراتية في انقلابه على المسار الديمقراطي، أعلن عن تحالف حكومي مع حركة النهضة، وأظهر استعدادا واضحا للتعاون معها من أجل إنجاح العملية الديمقراطية في تونس.
وأخيراً، كشفت الزيارات التي قام بها المنشق الفلسطيني المقرّب من نظام الإمارات، محمد دحلان، عن محاولات لإيجاد جبهة معادية للثوريين التونسيين، في سعي محموم إلى إجهاض التجربة الديمقراطية التونسية. وقد اعترف القيادي في حزب آفاق تونس، مهدي الربعاوي، في حوار مع صحيفة الصباح التونسية، عن حصول لقاء بين قيادة الحزب ودحلان في إطار ما سمّاها مشاورات عادية، إلا أن غير العادي في الموضوع أن يعلن رئيس هذا الحزب (شريك في الائتلاف الحكومي)، مباشرة بعد اللقاء، الانسحاب من الحكومة، ودعوة وزراء الحزب الى الاستقالة من مناصبهم في مسعىً إلى إسقاط التحالف الحكومي، حسب ما يبدو. وعلى الرغم 
من المحاولات المستميتة من وجوه حزبية خاضعة للنفوذ الإماراتي للتخفيف من وقع القرار المناوئ للمرأة التونسية، إلا أنهم كانوا في وضع لا يُحسدون عليه بين رغبتهم في إرضاء حليفهم وواجب إبداء موقف معقول أمام الرأي العام التونسي، فقد عجز هؤلاء عن إيجاد تبريرٍ مناسبٍ، أو طرفٍ يحملونه أسباب الأزمة التي جاءت لتؤكد ما كان يروج إعلاميا من سعي إماراتي إلى تخريب الوضع السياسي التونسي، وخصوصا أن الجميع يذكر التهديد الذي وجهه سنة 2012 رئيس شرطة دبي، ضاحي خلفان، للثورة التونسية متوعدا إياها بالفشل والزوال. وقد أصبح التشكيك في النوايا الإماراتية معلنا، وأوردته وجوه سياسية فاعلة في المشهد السياسي التونسي، إلى حد تحميل هذه الدولة مسؤولية اختراق الموقع الإلكتروني للإذاعة الوطنية التونسية، وبث دعايات مغرضة، وتوجيه نداء مشبوه إلى الجيش الوطني التونسي للقيام بانقلابٍ على الحياة الديمقراطية في البلاد.
الرغبة شبه المعلنة للنظام الإماراتي في إجهاض المسار الديمقراطي التونسي أصبحت أشبه بحربٍ غير معلنة ضد مصالح الشعب التونسي، وتحولت إلى أشكال من التآمر والتحريض ضد الحكومات المتوالية في تونس، الأمر الذي يدعو إلى مراجعة العلاقات التونسية الإماراتية، بشكلٍ تتخذ معها شكلاً طبيعياً خارج أوهام السيطرة والهيمنة التي تسكن أذهان حكام أبوظبي. ويبقى الأمل ضعيفاً في أن يتخلى النظام الإماراتي عن طيشه السياسي، ورغبته المحمومة في السيطرة على دولٍ مستقلةٍ، ذات تاريخ، وترفض التعامل معها بهذا الشكل غير الحضاري، والمفتقر لآداب اللياقة السياسية.
B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.