ليس هناك ملائكة ولا شياطين

ليس هناك ملائكة ولا شياطين

10 أكتوبر 2016
+ الخط -
تعالوا نتخيّل أن المجموعات والأحزاب الليبرالية أو اليسارية في مصر كانت أكثر قوةً وتنظيماً، ولها جذور وقواعد شعبية وقت قيام ثورة. تعالوا نتخيّل أن هناك أحزاباً ليبرالية حقيقية في مصر، ولديها برامج قابلة للتطبيق، وكوادر كحكومة ظل يمكنهم تولي المسؤولية في لحظات انتقال السلطة، وكذلك لديهم جذور شعبية، ولم يكونوا مجرّد لافتاتٍ تردّد شعاراتٍ شبه ليبرالية، يتم التخلي عنها وقبول أي فتات من الدولة في أول اختبار. تعالوا نتخيّل أنه توجد قوى يسارية لديها قواعد شعبية، وفي القطاعات العمالية، ولديها خطاب عصري متطور ومعدّل، ومختلف عن خطاب فترة الحرب الباردة الذي لا تزال تستعمله قوى اليسار. تعالوا نتخيّل أن كل المكونات التي شاركت في ثورة يناير استطاعت الاتفاق على برنامج وإجراءات وشخصيات، وكان هناك ائتلاف قوي وتنظيم جيد وفوز في الانتخابات وقدرة على تشكيل حكومة وفرض رؤية الثورة.
هل كنا سنجد اختلافاً كبيراً؟ أعتقد أنه، في ظل هذه المؤسسات الحاكمة وهذه المنظومة وهذه العلاقات بين المؤسسات، لن يكون هناك أي إصلاحات أو تغيير جوهري في الأداء عما حدث قبل "25 يناير" وعما يحدث الآن وعما سيحدث في عشرات السنين المقبلة.
السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وليس هناك ملائكة وشياطين في السياسة، ولو نزل الملائكة من السماء، وحكموا مصر في ظل هذه العلاقات والمؤسسات، لن يختلف الأداء كثيرا عن أداء حسني مبارك ومحمد مرسي وعبد الفتاح السيسي، وبحسب المقاييس والمؤشرات العلمية والاقتصادية والاجتماعية ليس هناك أسوأ مما تمر به مصر الآن، ولم يسبق أن كان الانحدار في كل المجالات كما هو الآن. ولكن هذا أيضا لا يعني أن "الإخوان المسلمين" كانوا ملائكة في أثناء فترة حكم مرسي. صحيح أنهم لم يصلوا إلى مثل المستويات الحالية غير المسبوقة من القمع والتنكيل، ولم يكونوا بمثل هذا الفساد والاستبداد الذي يميز العهد الحالي، لكنهم أيضأ لم يكونوا ديمقراطيين، فليس معنى الديمقراطية أن ينفرد الفائز "بفارق بسيط" بكتابة الدستور طبقاً لأيديولوجيته منفرداً، ولا أن يُقصي الآخرين، ولا أن يكفّر أتباعه المعترضين أو يضربهم. لم يقوموا بتزوير الانتخابات، لكنهم استخدموا الأساليب الدعائية الفاسدة نفسها التي ورثوها عن الحزب الوطني والرشاوى الانتخابية باسم الدين.

وبعيدا عن التفاصيل وقراءة الأحداث الماضية وتفسيرها، لم يكن الصراع في "30 يونيو" بين مؤمنين وكفار، وليس النظام الحالي ليبرالياً أو علمانياً؛ بل يستخدم الدين في السياسة بطريقةٍ لا تختلف كثيراً عن "الإخوان"، بل كان الصراع على المصالح الاقتصادية قبل "30 يونيو" وبعدها، بل وقبل "25 يناير" وبعدها. كان الصراع على المصالح الاقتصادية منذ البداية بين المؤسسات ذات النفوذ أو التي كانت تسعى إلى أن يكون لها نفوذ، وهو ما اكتشفه بعض من كانوا يعتقدون أنهم شرارة الأحداث في 25 يناير/ كانون الثاني2011، فقد كانت المطالب مشروعةً والأحلام ورديةً والنيات طيبةً لدى من أطلقوا الشرارة، ولكن لم تتحرّك المؤسسة العسكرية إلا لحماية مصالحها الاقتصادية، وانتهزت الفرصة للتخلص من الدخلاء، أمثال أحمد عز ورشيد محمد رشيد والحيتان الذين كانوا يهدّدون المصالح. ولذلك، كان التفاوض السري ولقاء المصالح بين المؤسسة العسكرية و"الإخوان" في 2011 وكان استفتاء مارس/ آذار 2011 وغزوة الصناديق والمسار المعيوب الذي قاد إلى ما نحن فيه. وبسبب تضارب المصالح الاقتصادية وتهديد الامتيازات والاحتكارات للمؤسسات كان هناك تحالف المؤسسات والدولة العميقة ورجال الأعمال والحيتان الذين استغلوا نقاء الشباب الثوري، واستغلوا كذلك طمع "الإخوان" وحماقتهم وتخبطهم وحداثة عهدهم بالسياسة.
لو نزل الملائكة وتولوا الحكم، في ظل تلك التوازنات وهذه العلاقات بين المؤسسات وهذه الممارسات الاحتكارية للسلطة، ما اختلف أداؤهم عن أداء حكام مصر منذ عهد الفراعنة حتى عهد السيسي، ففي الأنظمة الإدارية شديدة المركزية، مثل مصر التي لا يستطيع فيها الوزير ولا المحافظ ولا رئيس الحي التحرّك إلا بعد توجيهات السيد الرئيس، تستحوذ المؤسسة التي يمثلها الأخير على باقي المؤسسات التي يفترض أن تراقبه وتقيّم وتقوّم أداءه، مثل القضاء والبرلمان. أما في الأنظمة التي تضمن عدم تحول الرئيس إلى مستبدّ أحمق هي التي يكون فيها استقلال حقيقي للمؤسسات، بالإضافة إلى تعدد الأشكال الرقابية وتفعيل المشاركة والرقابة الشعبية، فالدول المتقدمة والناجحة التي لديها صناعة وإنتاج ورفاهية هي التي لديها أنظمة حكم ديمقراطية وفيها شفافية ومحاسبة وحكم رشيد، ويوجد فيها دور كبير للرقابة الشعبية على المؤسسات، وأهمها البرلمان الذي يستطيع أي مواطن عادي لديه شكوى أو فكرة أو مشروع أن يطالب بجلسة استماعٍ، أو تقديم التماس للبرلمان. وكذلك هناك مشاركة شعبية حقيقية، ودور كبير للمجتمع المدني في الرقابة على البرلمان والحكومات، بل والسلطة القضائية، وتعدّد الأجهزة الرقابية التي تراقب أداء المؤسسات، بما فيها البرلمان والقضاء، وبذلك يمكن ضمان عدم احتكار السلطة، وجنوح إحدى المؤسسات للاستحواذ على الأخرى.
ليس هناك ملائكة وشياطين في السياسة. لم تكن ثورة يناير مؤامرةً دوليةً، ولم يكن حكم "الإخوان" مؤامرةً لتقسيم المنطقة كما يدّعي أنصار السيسي، وكذلك ليس السيسي عميلاً أميركياً صليبياً جاء لهدم الدين ووأد التجربة الإسلامية الوليدة، كما يزعم أنصار مرسي، وما هذه القصص والخرافات وحديث المؤامرة إلا أدوات لخداع البسطاء وحشد المؤيدين، إن هو إلا صراع مصالح ومؤسسات ونفوذ.
والحل هو استكمال الجهود والمحاولات التي قد تستغرق عشرات السنين المقبلة، من أجل ضمان مؤسسات حكم ذات استقلالية، وعليها رقابة من أجهزة رقابية مستقلة، وأن يكون الشعب يوماً حياً قادراً على تنظيم نفسه، وتفعيل الرقابة الشعبية على البرلمان والرئاسة والقضاء والمؤسسة العسكرية، وعلى المصالح والتشابكات الاقتصادية السرية، فهل يرى أحفادنا هذا اليوم؟

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017