لا تريدون "الإخوان".. خذوا داعش

لا تريدون "الإخوان".. خذوا داعش

19 نوفمبر 2015
+ الخط -
التهمة الجاهزة التي كانت تُلصق بالإخوان المسلمين، على الدوام، أنهم حلفاء النظام، أي نظام، وهي تهمة تستند على حقيقةٍ بالغة الأهمية، أن هذه الحركة ليست سرّية، بل كانت تنشد "الترخيص" الرسمي من الدولة التي تعمل فيها، فهي تمتلك ديناميكية تمكّنها من التـأقلم مع القوانين والدساتير المعمول بها حيث توجد، بل اعتمدت أسلوب المشاركة في الحياة العامة، والاحتكام إلى صناديق الانتخاب، بل كانت في غير دولة جزءاً من السلطة التنفيذية. وحركة بهذه المواصفات تعمل في ضوء الشمس، وضمن القوانين المرعية، من السهل مراقبتها واتقاء "خطرها؟" وفق ما ترى أجهزة الأمن في هذا البلد أو ذاك، بل لعبت الحركة دور "الإسفنجة" الماصّة للطاقات الشبابية، فكانت ملاذاً للمتحمسين للعمل الدعوي، وكلما لوحق "الإخوان المسلمون"، وأغلقت مقارّهم، في أي بلد عربي، فُتحت الفرصة لتأسيس جماعاتٍ توصف بالتطرف والغلو والشطط، ولعل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وقبلها "القاعدة" وجماعات التكفير والعنف، المثل الأكثر نصوعاً على ما نقول، خصوصاً وأن الطبيعة لا تقبل الفراغ، وطاقات الشباب الضخمة إن تملأها بفكرة منظمة تخدم المجتمع امتلأت بغيرها.
أثبتت سياسة "حظر" الجماعات الإسلامية الوسطية، وخصوصاً جماعة الإخوان المسلمين، فشلها الذريع، ليس في القضاء على الفكرة التي قامت عليها الجماعة، بل هيأ الحظر الحاضنة المناسبة لنمو جماعات التطرف والشطط والغلو، كداعش وغيرها. أكثر من ذلك، ليست جماعة الإخوان المسلمين تنظيماً بالمعنى الحرفي للكلمة، بل هي فكرة وحركة، والمنتمون فكرياً لهذه "الفكرة" أضعاف أضعاف المنتمين لها تنظيمياً، وحظرها كتنظيم مؤثر ولا شك في البعد القانوني، لكنه في البعد الفكري لا أثر له على الإطلاق، بل أجازف وأقول إن حظرها تنظيماً يفيدها أكثر بكثير من أنها تنظيم فوق الأرض، وبمقرّات وأنشطة علنية، لأن هذه الجماعة تتقن دور العمل بعيداً عن الأعين أكثر بكثير من إتقانها العمل في رابعة النهار. وبتعبير آخر، يجيد الأخ المسلم دور الملاحق والمسجون والمحظور أكثر من إجادته دور حامل الشعار رسمياً، وقد ثبت تاريخياً أن كل من "حظر" الجماعة ذهب واندثر، وبقيت الجماعة تنمو وتتوالد وتكبر، ولو حصرنا المحن والملاحقات والمطاردات التي تعرّضت لها الجماعة في بلاد العرب والعجم، لكان حرياً بها أن تختفي، لكنها بقيت ورحل خصومها، ليس لأن أصحابها عباقرة وفطاحل، بل لأنها فكرة بسيطة تستمد نسغ حياتها من بساطة الإسلام وفطرته. لذلك، يستحيل على أي نظام أن يشطبها من التاريخ، ولو كان ثمة من يجيد هذا الدور لما سبق أحد في هذا الأمر الجنرال زين العابدين بن علي في تونس، أو البكباشي جمال عبد الناصر في مصر.
يدور في أوساط النخب العربية سؤال على أهمية كبيرة: كيف تنجح الدولة (أي دولة) في
حربها على الجماعات الجهادوية "المتطرفة"، وهي تعلن الحرب على جماعة إسلامية، كانت ولم تزل، غاية في الاعتدال، وكانت على الدوام جزءاً من النظام السياسي العربي في غير قطر، وشاركت بفاعلية في الحياة السياسية، ووصل حجم هذه المشاركة يوماً إلى أن تكون في الوزارة؟ من يقنع الشباب المسلم المتحمس، بعد استهداف الحركة الإسلامية الأكثر اعتدالا، بجدوى العمل الدعوي "السلمي" والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، والمشاركة في "اللعبة الديمقراطية"؟
لقد وفرت سياسة حظر جماعة الإخوان المسلمين في غير بلد عربي مظلة يُستأنس بها في بلاد أخرى، كالكيان الصهيوني، لحظر التنظيمات التي تحمل الفكر نفسه، وإنْ لم تحمل اسم الجماعة، كالحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 1948 وهي المعروفة باسم الحركة الإسلامية الجنوبية، ما حدا ببعض نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي إلى الاستنتاج أن هذه الجماعة تشكل "خطراً" على الأنظمة العربية والكيان الصهيوني في آن واحد، مما يعني بالضرورة أن الطرفين في خندق واحد، ومما يؤسف له أنهما يحظيان بدعم كبير من الأنظمة الغربية، ويحظيان برعاية ومساعدات عسكرية واقتصادية، تمكّنهما من انتهاج سياساتٍ تضر في المحصلة بالغرب، وتهيىء الفرصة لتصدير "التطرف" له، ما دام هؤلاء "المتطرفون" لا يجدون منابر للتعبير، أو حتى العيش، في ظل أنظمة الاستبداد والدكتاتورية. وبمعنى آخر، أنتج توحش الأنظمة توحش التنظيمات. وفي عالم غدا صغيراً جدا كعالمنا، يسهل التنقل فيها، وتواصل أبنائه، فإن أي حريق يشتعل في بلد ما، فلا ضامن لانتقال شرارته إلى البلاد الأخرى، ولو كانت بعيدة.
يدفع الغرب اليوم، وربما العالم كله، ثمن دعمه أنظمة الاستبداد والقمع والانقلابات، لأن هذه الأنظمة فشلت في معادلة: أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، فطفق الشباب المتحمس يبحثون عن أنفسهم في أنظمة التوحش، بعد أن حولهم توحش الأنظمة إلى كائنات تفضل الصعود إلى السماء، بعد أن ضاقت عليهم الأرض، ولا بأس، في الأثناء، من "قتل" من تصل إليهم أيديهم من "الكفار" وغيرهم، "تقرباً إلى الله".