إيران شرطيا للمنطقة..

إيران شرطيا للمنطقة..

11 ديسمبر 2014

صورة الخميني في جنازة لقتلى حزب الله في سورية(1يناير/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

رأى وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، احتمال نشوء اصطفاف توافقي إقليمي جديد بين دول يجمعها القليل، لكنها تشترك في رفضها التطرف. وفي المقابل، قال الرئيس الإيراني، حسن روحاني "العالم قبِل بأن الوقت حان لإنهاء العقوبات الجائرة (المفروضة على طهران)، وهو يحتاج إلى إيران، من أجل أمن المنطقة والعالم، وكذلك للازدهار الاقتصادي العالمي والإقليمي". فمن أجل مواجهة الإرهاب، لا يخفى توفر فرصُ التقارب الأميركي الإيراني، المرشَّح للاستمرار في هذه المرحلة، بمحاولة الوصول إلى مقاربة مناسبة للملف النووي الإيراني. ومنذ اعُتمدت إيران طرفاً فاعلا، بل الطرف الإقليمي الأكثر نفوذاً في العراق، (بما يتمتع به العراق من أهمية وتأثير) والدور الإيراني مرشح لمزيد من التطور والتمدد.

وبعد أن تعرَّض النظام الحليف لطهران في دمشق إلى خطر حقيقي، تحت طائلة الرفض الشعبي الواسع، ثم العمل العسكري ضده، من فصائل سورية، انتهاءً بتنظيمات (جهادية) عابرة للحدود، وأبرزُها "داعش"، أصبح هذا الحلف الممتد من طهران إلى بغداد إلى دمشق فلبنان، في حالة قلق جدي، وكانت واشنطن مالت نحو تجريد الأسد من الشرعية، تمهيدا لإسقاطه، للوصول إلى توليفة سياسية، أكثر مناسبةً لتطلعات الشعب السوري، أو قطاعات واسعة منه، لكن دخول عامل "الإرهاب" على خط الصراع، بل طغيان حضوره، بالإضافة إلى ضعف تماسك المعارضة المعتدلة، جعل أميركا تؤثر التريث، وتلتفت إلى محاربة الخطر المحدق، والمختلف.

ودلالة على تقديم واشنطن اعتبارات التقارب مع إيران، يُلحظ في موضوع الملف النووي الإيراني بعضُ التباين بين الموقف الأميركي الذي يصرُّ على رفض إقرار مزيدٍ من العقوبات على إيران، في مقابل الموقف البريطاني الذي يدعو إلى اعتماد "المثابرة" بدلاً من "المواءمة" والموقف الفرنسي الذي يصرِّح برفض ربط مفاوضات الملف النووي بمشاركة إيران في الضربات ضد المتطرفين.

وبالنظر إلى الخيارات النهائية، فإن إيران، بما هي عليه من براغماتية، وبما تنطوي عليه من رغبة في التمدد الإقليمي، أكثر قرباً من التوافق مع أميركا، في مقابل الحركات الجهادية والمتطرفة التي لم تتجسد في دولة، ولا يُتوقَّع أن تبلغ مبلغ الدول القابلة باللعبة الدولية والخطوط الأميركية الحمراء.

وعلى الأرض، لا نحتاج إلى دقة كبيرة؛ لكي نرى التقدم المتسارع والاستراتيجي في النفوذ والتموضع الإيراني، من دون انتظار ما ستؤول إليه المفاوضات حول برنامج إيران النووي الذي لا تشير الدلائل إلى اتجاهه إلى التصعيد أو الخيارات العسكرية. ناهيك عن أن تفعيل الدور الإيراني يصب، تقليدياً، في مصلحة الدول الغربية وأميركا في تسويق السلاح، وعقد مزيد من صفقات السلاح، لا سيما إذا تذكرنا أن لوزير الدفاع الأميركي الجديد، آشتون كارتر، خبرة في هذا المجال، ومعروفٌ بعلاقاته الجيّدة مع دول الخليج، والمتوقَّع أن يعزز علاقات واشنطن الدفاعية معها، كما أنه يؤيد تحديث قدرات الجيش الأميركي، للتعامل مع خطر تنظيم "الدولة الإسلامية". بالطبع، يبقى سؤال إلى أي مدى يمكن أن يذهب هذا التعزيز لدور إيران، وما هي العوامل التي قد تتداخل معه؟

يصعب أن نتصور أن النفوذ الإيراني سيكون النفوذ الكامل والحاسم، ففي ذلك تبسيط، ولذلك نتائج غير هيَّنة، إذ القوى الأخرى، من تركيا إلى دول الخليج التي بدأت تتحرك جديا لمواجهة الخطر الإيراني، قوى ماثلة، ولا يمكن تجاهلُها. لذلك، يظهر العراق بعد إزاحة نوري المالكي، وفي عهد حيدر العبادي، أكثر مراعاةً للتوازنات الإقليمية. لكن، لا يُتوقَّع، حتى مع هذا الميل العراقي نحو التوازن، أنْ يتنكَّر العراق للمصالح الإيرانية، ولا سيما في القضايا المحورية، كالصراع على سورية.

وفي مواجهة القاعدة و"داعش" والنصرة"، ومن قاربَها، فإيران هي القوة النقيضة، وهذا الصراع يستحضر البعدَ الطائفي، ما يُبقي المنطقة مشدودةً إلى هذا الفارق، في ظلِّ انسداد الأفق التفاوضي مع إسرائيل، وفي ظل تراجع سيطرة السلطات العربية الحاكمة.

من الصعوبة بمكان توقع مسارات الصراع في المنطقة، والسياسةُ الأميركية نفسُها غير حاسمة، والمتغيرات في المنطقة لاتزال تتفاعل، ومع تراكم الملفات وتداخلها، كالصراع العربي الإسرائيلي، والملف النووي الإيراني، وتحديات الحركات الإسلامية، مما تُصنَّف في الاعتدال، أو تُصنَّف في التطرف والإرهاب لم تُطْوَ صفحتُها بعد، ولا يُتوقَع أنْ تُطوى بسهولة.

لكن ثمة ما يشبه الثوابت، في أوِّلها المصالحُ الأميركية في المنطقة، ولا تقتصر على النفط، وليس في آخرها أمنُ إسرائيل، وكذلك منع تقدم التنظيمات المعادية لأميركا، والمتورطة كذلك في أساليب دموية، كما "تنظيم الدولة".

هذه التنظيمات، ولا سيما "داعش"، يتمدد على نحو خطير، كما في شبه جزيرة سيناء، قرب إسرائيل، وكذلك قد يسمح اليمن بعد التحوّل السياسي بمنح القاعدة بيئةً أكثر مُساعَدة، فلذلك يمكن أن نضيف إلى ما يشبه الثوابت أنَّ ترْكَ إيران وحلفاءها يملأون الفراغ في تلك المناطق التي لهم فيها وجود أو أنصار ذوي قوة واقعية ملحوظة يعدُّ من قبيل أهون الخطرين.