الرئيس التونسي بين خيارين: العائلة أو الحكومة

الرئيس التونسي بين خيارين: العائلة أو الحكومة

02 يونيو 2018
الشاهد مخيّر بين مساندة نجله أو مساندة الشاهد(فتحي بلعيد/AFP)
+ الخط -
يبدو الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، اليوم، في وضع صعب للغاية على المستوى السياسي والشخصي، فقد فتح رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، النار على حافظ قايد السبسي، نجل الرئيس، ومدير حزب "نداء تونس"، ووضع الاثنين معاً في وضع محرج للغاية ومأزق سياسي تام الشروط.

وللتذكير، فإن الشاهد كان خيار الرئيس السبسي نفسه، ورشحه حزب "نداء تونس" بعد مؤتمر سوسة، الذي تولّى إثره حافظ السبسي قيادة الحزب. وللإشارة أيضًا، فإن هناك علاقة مصاهرة بعيدة تجمع الشاهد بعائلة السبسي، ما رجَّح وقتها ترشيحه لرئاسة الحكومة، بالإضافة إلى الشروط الموضوعية الأخرى.

ولكن تطورات الأحداث والطموحات وتعقيدات الحكم وضعت نجل الرئيس، مرارًا، في مواجهة رئيس الحكومة، إذ كشفت تسريبات صوتية ومواقف متعددة خلافات عميقة بين الرجلين، إلى أن وصل الوضع إلى اعتبار السبسي الابن الشاهد سببًا لخسارة حزبه في الانتخابات، وعنوانًا لفشل الحكومة، وطالب بالتالي صراحة بإقالته.

ووضعت الأحداث الشاهد أيضًا في موضع الباحث عن تموقع جديد في أفق الاستحقاقات المقبلة. وأمام معارضة من داخل النداء لإقالته من ناحية، ومعارضة لحافظ السبسي حول إدارة الحزب من ناحية أخرى؛ وجد الشاهد الفرصة متاحة لعرض مشروعه أمام الندائيين لـ"تصحيح المسار، وتجميع العائلة الديمقراطية، وإعادة بناء الحزب حول مشروع وطني" يقوده بنفسه.

ولكن الحرب التي فتحها الشاهد على حافظ السبسي علنًا وفي التلفزيون الرسمي طاولت أيضًا الباجي قائد السبسي، ووضعته بين خيارين أحلاهما مرّ؛ فإما مساندة نجله أو مساندة الشاهد، وسيكون من الصعب جدًا التوصل إلى حل وسط يجمع الاثنين بعد ما حدث؛ فالشاهد يريد إقصاء السبسي الابن وإدارة الحزب، وهي نوايا معلنة وواضحة أمام الجميع. ولكن الرئيس السبسي، برغم ابتعاده في الظاهر عن إدارة الحزب، بقي كمؤسس يراقب كل صغيرة وكبيرة فيه، ويعرف أن أوضاعه تراجعت كثيرًا في السنتين الأخيرتين تحت إدارة نجله، وشهد موجات من الاستقالات أضعفته بشكل كبير، ما أدى إلى خسارته الانتخابات وتراجعه في البرلمان أمام كتلة النهضة، وبات الآن يحتاج بالضرورة إلى استراتيجية جديدة بعد الانتخابات البلدية التي قدمت منافسه في المرتبة الأولى.

ولكن إعادة بناء الحزب، وتهيئته للمنافسة المقبلة، لا يمكن أن تكون بهذا الشكل، ولا يمكن أن تكون أيضًا على حساب العائلة، لأن مهاجمة حافظ السبسي طاولت كل العائلة، وهناك أكثر من جهة سبق أن تحدثت عن تقاطع العائلة مع المشهد السياسي، إذ أشار الوزير السابق لزهر العكرمي (أحد المقربين من الرئيس السبسي قبل أن يتحول لمعارضته) إلى أن "رئيس الجمهورية محكوم من عائلته... ونجاح من سيحكُم تونس مرتبط بمدى تطابق قراراته مع رغبات المدير التنفيذي لنداء تونس وابن رئيس الجمهورية حافظ قايد السبسي وعائلته".

وأضاف، في تصريح لإذاعة "موزاييك"، أن "حقيقة نداء تونس أصبحت عارية، ولم يعد بالإمكان اليوم البحث عن حل للأزمة السياسية الراهنة بالتفاوض مع رئيس الجمهورية".

ودعا العكرمي، السبسي، إلى إبعاد نجله حافظ عن الإدارة التنفيذية للحزب وفتح الباب أمام الكفاءات المنسحبة والمستقيلة للعودة؛ "حتى يسترجعه الأشخاص القادرون على إعادة كسب ثقة مليون ناخب هرّبهم حافظ"، بحسب تعبيره.

ومن المستبعد جدًا أن يكون الرئيس قد أعطى الضوء الأخضر للشاهد من أجل إطلاق قذائفه على نجله، كما توقع البعض، فقد رفض سابقًا كل الدعوات لإبعاده عن الحزب، برغم كل الصراعات السابقة والاتهامات بالتوريث، وبرغم كل الخسارات الانتخابية والتسريبات الصوتية والمشاكل التي لا حصر لها، وأسرّ لكثيرين بأنه ليس من حقه أن يبعد ابنه عن السياسة وعن الحزب لمجرّد أنه ابنه.

ويبقى السؤال عن الكيفية التي سيدير بها السبسي هذه الأزمة، لأن الشاهد، وبكثير من الذكاء، رحّل مشكلته مع حافظ إلى عموم التونسيين في معركة مفتوحة، وهو ما يعني تحييد والده وإحراجه إذا أراد أن ينتصر لنجله.